هل تختلف عنجهية المستبد الكردي عن المستبد العربي؟ القدس: هيفاء زنكنة رصد عراقيون
«في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر الجاري سيتم التصويت على الاستقلال، لكن سيستمر الحوار مع بغداد بعد ذلك حول الحدود والنفط والمسائل الأخرى»، أكد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان، في العديد من مقابلاته الصحافية الأخيرة. سيستهل الاستفتاء، إذا ما تم تنفيذه، فترة فاصلة بين العراق الذي نعرفه، بحدوده، ووحدة أراضيه، وشعبه، والعراق الذي سيكون. عراق لا نعرف عنه غير تصريحات سياسية يطغى عليها الادعاء، والمزايدة، والفبركة، والتهديدات المختلطة بالأوهام والوعود، بتحقيق حلم مبطن بالمجهول.
ظاهريا، هناك طرفان رئيسيان يتجاذبان البلد، هما الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، في صراع يتخلله الابتزاز الاقتصادي والسياسي. كان الطرفان يعيشان شهر عسل في ظل «العملية السياسية» التي أسسها المحتل، إلى أن انخفضت أسعار النفط فأثر ذلك على محاصصة النهب وتهريب النفط المسكوت عنه من قبل الطرفين. فبرزت مع تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع أصوات التذمر، والاحتجاج الشعبي على انتشار الفساد، والثراء الفاحش المحصور بأيدي القيادات الحزبية، أداة الابتزاز السياسي والاقتصادي التي تسميها الحكومة المركزية الروح «الوطنية» وتسميها رئاسة الإقليم الروح «القومية». فصار التوقيت، بالنسبة إلى البارزاني، مناسبا للمطالبة بالطلاق المؤجل/ الانفصال/ الاستقلال، من الطرف الذي توافق معه منذ تسعينيات المعارضة ضد نظام البعث. كانت السيرورة تدريجية وإن تظاهر ساسة الحكومة المركزية بالذهول لموقف البارزاني متهمين إياه بتقسيم العراق والعمالة لصالح قوى عالمية وعلى رأسها الصهيونية، متعامين عن حقيقة إنهم جميعا، بذات الوجوه والأحزاب، كانوا على مدى عقود يخططون لتقاسم الغنائم في المركب السائر نحو تفتيت البلد.
من ذلك المركب، أكد البارزاني: « للحركة الكردية هدفان، هدف مرحلي، وهدف استراتيجي، الهدف المرحلي يناضل الشعب الكردي في الوقت الحاضر في سبيل الحصول على حقوقه مستندا إلى المبدأ القانوني للحكم المحلي القومي في نطاق الدولة العراقية. الهدف الاستراتيجي أن الشعب الكردي كان ولايزال أحد الشعوب الأصيلة القاطنة في منطقة الشرق الأوسط، وقد امتدت جذور وجوده عميقة عبر عصور موغلة في القدم. إن الاعتراف بحق تقرير المصير ليس سوى خطوة أولية في طريق التثبيت القانوني لحق تقرير المصير القومي». ليس هذا تصريحا أطلقه البارزاني منذ أيام بل في 3 شباط/فبراير 1991 ( مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط)، وهو واحد من تصريحات عدة رد بها، أثناء جولته الأوروبية، عام 1992، التي شملت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على سؤال: ماذا يريد الأكراد؟
كان ذلك عام 1992، ماذا عن اليوم، بعد أن تم تأسيس إقليم كردستان المستقل، عمليا، برئاسته وبرلمانه وجيشه؟ هل السؤال هو ماذا يريد الأكراد أو ماذا يريد البارزاني؟ وهو السؤال ذاته المطروح على الحكومة المركزية حين يدعي ساستها بأنهم يتحدثون باسم الشعب العراقي. هل يمثل البارزاني، الكرد، حقا، وأن «قرار الاستفتاء هو قرار شعب كردستان»، كما يدعي؟
تشير ملامح الوضع العام في الإقليم، على اختلاف مستوياته، سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا، إلى هزالة ادعاء تمثيل الشعب من قبل أية جهة كانت، فكيف إذا كان ادعاء التمثيل سيقود إلى قرار مصيري لأمة محاصرة بمن يناهض القرار إلى حد الاستعداد للقتال، من الحكومة المركزية والميليشيات إلى إيران وتركيا ؟
يقول البارزاني «فشلنا في بناء الشراكة مع بغداد لذلك اضطررنا لهذه الخطوة»، هي نقطة تؤشر، بقوة، إلى الوضع داخل «دولة كردستان» في المستقبل القريب. فكردستان، مقسمة، حاليا، مناصفة، بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة البارزاني، وعاصمته أربيل، والاتحاد الوطني الكردستاني، برئاسة جلال طالباني وعاصمته السليمانية. بينهما يقف حزب « التغيير» الجديد محاولا إيجاد محط رجل، وليس هناك ما يدل على استعداد أي من الحزبين للتنازل حول المكاسب المالية والمناصب السياسية، وفي محاولة لقمع أي موقف معارض قام البارزاني، القائل «نحن الأكراد لا نستطيع العيش بدون الديمقراطية»، بإلغاء البرلمان المنتخب من قبل الشعب، واستوزر أفراد عائلته وعشيرته، مقابل عائلة جلال الطالباني في الجهة المقابلة والتي ورثت السيدة زوجته قيادة الحزب أثناء مرضه. فإذا كان هذا الانقسام مستعصيا ومستمرا، على الرغم من الاستقلال، شبه الكامل للإقليم، منذ غزو العراق عام 2003، فما الذي سيمنع البارزاني، مثلا، حال إعلان «الدولة» أن يعلن «فشل بناء الشراكة» مع السليمانية وبالتالي طلب المساعدة من قوى خارجية لضمها ومحاربة بيشمركة الأتحاد الوطني، كما فعل عام 1996 أثناء سنوات الاقتتال بين الحزبين وراح ضحيته خمسة آلاف من الكرد، فأرسل رسالة في 22 آب / اغسطس، إلى الحكومة العراقية برئاسة صدام حسين، طالبا مساعدة الجيش العراقي « لوضع حد لمؤامرة الاتحاد الوطني وإيران»، مبررا ما قام به ضد أهله من الكرد، بأنه» لوضع حد للانتهاكات بحق السيادة العراقية»!
يقول البارزاني: « عراق الآن ليس جمهورياً ولا برلمانياً ولاديمقراطياً»، فنسمع صوت رابون معروف، المتحدث باسم حركة «لا للاستفتاء « التي انطلقت من السليمانية في 8 آب/اغسطس، متحدثا عن سلطة البارزاني: « سلطة تمارس الإهانة بشعبنا منذ 26 سنة وترتكب الخروق بحق الحريات ونهب الثروات والأموال العامة… سلطة سياسية وراثية قسمت وطننا على مجموعة من العوائل».
ماذا لو رفضت الحكومة المركزية وتركيا وإيران الحوار ووقفت أمريكا تتفرج جانبا ؟ سألت صحافية البي بي سي في مقابلة يوم 9 أيلول/ سبتمبر. فضاع البارزاني في غياهب «سنحاور» و»سنقاتل»، وكان ختام المقابلة قوله «استغرب أن يتدخل آخرون بشأن داخلي هو من حق الشعب الكردي في تحقيق مصيره»، كأن وصوله وساسة بغداد إلى الحكم لم يتم بواسطة تدخل ما يزيد على الثلاثين دولة بقيادة أمريكا!
إن مأساة الشعب العراقي، لا تكمن في اختلاف القومية أو الدين أو المذهب، فالعائلة العراقية، نواة المجتمع، غنية بحكم التزاوج، عبر العصور، بكل هذا التنوع. ولاتزال. وطموح الناس بالحياة الكريمة واحد، على الرغم من كل حملات التشويه والتخويف التي يشنها الساسة، فصناعة الخوف مربحة ماديا وسلطويا. إن جوهر المأساة هو الحاكم المستبد واستجارته بقوى خارجية تحميه من أبناء شعبه وتقوي سلطته ولو ضحى بهم جميعا. وفهم الوضع السياسي الحالي بخصوص الاستفتاء وما سيقود إليه، يحتاج مراجعة تاريخ وحاضر ساسة الحكومة المركزية والبارزاني، وكيف ساهموا في خراب البلد، على ضوء تنامي نزعة الاستبداد والعنصرية المعجونة بالفساد، وكيف سيقومون، بـ « الأنا» المتضخمة لديهم، في قتل المزيد من أبناء الشعب الأبرياء.