يوليوس فلهاوزن وموقفه من ألأمويين والعباسيين صلاح سليم علي / رصد عراقيون
شَرِبتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فأصْبَحَتْ … زَوْرَاءَ تَنفِرُ عَنْ حِياضِ الدَّيلمِ
يختلف المستشرقون في تناولهم للتاريخ السياسي للإسلام. فمنهم من اتخذ جانب الحياد ومنهم من انحاز الى ذلك الطرف او ذاك في عرضه للتاريخ السياسي للإسلام انطلاقا من دوافع عنصرية او عقيدية او لمجرد هوى يدعوه الى تفضيل جماعة على أخرى او مذهب على آخر فكان من شان هذا التحيز السقوط في مبالغات غير مقبولة وتقديم طروحات وتاويلات غير صحيحة ..ويقع تحت هذه الطائلة العديد من المستشرقين اليهود كاجناس جولدتسيهرالذي بالغ في اضفاء ابعاد سياسية مقصودة لدى الأمويين، واسرائيل فريدلاندر الذي حاول ارجاع مذهب الشيعة إلى تاثير يهود اليمن في الحجاز وخيبر في الكوفة..ومن المسيحيين مونتيغومري واط وهنري لامانس الذي بالغ في تمجيد الأمويين وبخاصة يزيد بن معاوية على نحو يتجافى مع الحقائق التاريخية..أزاء ذلك كله يقف فلهاوزن موقفا محايدا وموضوعيا في تناوله للتاريخ السياسي الإسلامي بدون اي تغليب للمبالغة او انجراف وراء الروايات المختلفة لعصر صدر الإسلام وحتى سقوط الدولة الأموية..
ولد يوليوس فلهاوزن في مدينة هملين في المانيا عام 1844 وتوفي في جتنجن في المانيا عام 1918..تخصص في البداية بدراسة التوراة واللغات السامية لينتقل بعد سنتين من التدريس الى دراسة اللغات الشرقية مع هاينريش ايفالد (1803-1875)، وبالإضافة الى العبرية والعربية اطلع على اللغات السنسكريتية والتركية والفارسية، وعلى الرغم من تخصصه باللاهوت وتدريسه العبرية كان يكرس جهدا كبيرا لدراسة اللغة العربية..ثم انتقل الى هالة ومنها الى ماربورج لتدريس اللغتين العربية والسريانية فيهما. وبعد عام 1891 انتقل الى جامعة جتنجن ليشغل مكان مدرسه السابق هاينريش ايفلد واستمر في مقعده بتدريس اللغات الشرقية حتى تقاعده عام 1913..
وكان فلهاوزن يتشكك في العديد من الفرضيات التي وضعها اقرانه اليهود في القرن التاسع عشر وبخاصة نظرية التقابل الضدي بين اللغات السامية واللغات الهندو اوربية [وكأن اليهود كانوا يحاولون خلق امة من عدم في محاولتهم تلك] إلا انه واصل الإهتمام باللغات السامية وبخاصة اللغة العربية المدعومة بنتاج ادبي وديني هائل يمنحه افاقا جديدة للبحث والحركة..وكانت اولى اهتماماته بالمصادر التاريخية للتوراة فتعمق بكتاب أيوب وبالأدبيات اليهودية فخلص الى نتيجة مثيرة اسقطت شكوكا على مصداقية رواية موسى وان الأخير لم يكتب التوراة التي ليست ايحاءا إلهيا على الإطلاق بل نسيجا من الروايات والخرافات قام اليهود بتأليفها [مما يدعونا الى تأكيد ماذهبنا اليه في مكان آخر وهو ان التوراة عبارة عن جملة اكاذيب قام احبار اليهود بتاليفها بعيد السبي البابلي بهدف خلق امة]..غير ان فلهاوزن كان يشعر ببغض شديد للدراسات اللاهوتية وخرافات التوراة ما جعله يتجه الى دراسة التاريخ العربي والإسلام مستعينا بمعرفته الجيدة للغة العربية..فكانت اولى نتائج هذا الإهتمام نشر كتابه الأول وعنوانه محمد في المدينة عام 1882، [والكتاب عبارة عن ترجمة موجزة لمغازي الواقدي] وقد علل اهتمامه بالعربية برغبته بالوقوف على المصادر الصحراوية التي اعتمد عليها احبار ياهوه في كتابتهم للتوراة [مقدمة فلهاوزن لكتابه محمد في المدينة ص. 5 “النص الألماني”]..
فكان اصداره لهذا الكتاب نقطة انطلاق نحو المزيد من الدراسات والمؤلفات في التاريخ العربي والإسلامي.. وكرس وقته بالغوص في المصادر العربية نثرا وشعرا مقابلا بين الروايات المتوفرة في المخطوطات التاريخية المحققة وغير المحققة في مكتبات المانيا واوربا وجامعاتهما..وكان اسلوبه يتمثل باستخلاص الإفكار المهمة ومقارنتها وتفحصها وبخاصة مايتضمن منها جوانب خلافية مثيرة او تعارضا وتنافرا بين السياقات النصية والتاريخية ملفتا انتباه اقرانه واعجابهم بطريقته الجديدة..وترتكز طريقته في دراسة التاريخ التي يطلق عليها [الحضور التاريخي] على المفهوم القائل ان بذور الحوادث المستقبلية كلها توجد في الأزمنة المبكرة..لذلك اعتمد في دراساته التوراتية على اليهود القدماء وفي دراساته العربية وضع عدسته المكبرة على العرب القدماء فتناول شعراء هذيل في محاولة لفهم طبيعة العقل البدوي..فعد النصوص القديمة على قدر من الأهمية تتساوى عنده مع الكتابات الرومانية واليونانية. وهو بدراسته لطبيعة نظر القبائل العربية في عصر صدر الإسلام والعصر الوثني تطلع الى تحديد دور الدين في خلق نخبة سياسية [وبالعكس لدى اليهود حيث عملت النخبة العبرية على خلق دين جديد بهدف ايجاد هوية عبرية تمكن القبائل البدوية التي جلبها يوسف الى مصر من تكوين امة وتاسيس وطن] ، وعلى نحو مماثل تتبع الحوادث التي صاحبت الرسالة المحمدية فرأى أن الإسلام ومن خلال قدرات محمد التنظيمية اوجد نخبة دينية وأحل الدين محل القبيلة اساسا للمجتمع البدوي في جزيرة العرب.
على ذلك وتطبيقا لنظريته [التأصيلية] في التاريخ، عمد الى بدء دراسته التاريخ العربي منذ المرحلة السابقة على ظهور الإسلام وحتى سقوط الدولة الأموية في المشرق العربي..فتتبع تطور التحالفات الستراتيجية بين القبائل العربية وانتماءاتها لاحقا الى احزاب دينية مبينا استمرار الولاءات القبلية الجاهلية في الإسلام..ومدى تأثير الإسلام في تبللور التنافس القبلي وخلق النزاعات التي ادت الى سلسلة المواجهات والحروب التي تمخضت عن سقوط الدولة العربية الخالصة الأولى.. والنتيجة التي توصلنا اليها ان تحول النخب القبلية الى نخبة دينية في الحجاز لم يلغ التناحرات القبلية القديمة بل عمل على تعزيزها.. وفي عام 1887 أصدر كتابا عنونه [بقايا الوثنية العربية]، وتعرض في هذا الكتاب الى وثنية العرب في عبادتهم للأحجار والنجوم ثم الأصنام التي انتقلت عبادتها اليهم من الأمم المجاورة فاعتمد على ما اورده ياقوت الحموي في معجمه عن كتاب الأصنام لأبن الكلبي لعدم توفره على نسخة من هذا الكتاب، فضلا عن اعتماده على شذرات من هنا وهناك تناولت عصر ماقبل الإسلام..وفي عام 1901 اصدر كتابه المثير [أحزابُ المعارضة الدينية السياسية في صدر الإسلام: الخوارج والشيعة]، وقد نشرضمن رسائل الجمعية الملكية للعلوم في جوتنجن “المجلد 5، العدد 2..وقد قام العلامة الدكتور عبد الرحمن بدوي بترجمته الى العربية عن الألمانية عام 1958، ليعقبه بكتابه الممتاز [المملكة العربية وسقوطها] عام 1902، وقد ترجمتها الى الإنكليزية ماركريت جراهام فاير عن الألمانية عام 1927 مضيفة اليها فهرسا لم يتضمنه الأصل الألماني..وقد اعتمد يوسف العش على النص الأنكليزي في إخراج ترجمة عربية ظهرت في دمشق عام 1956، إلا ان أفضل ترجمة عربية ظهرت للكتاب عن الألمانية كانت بقلم الدكتور محمد عبد الهادي ابو ريدة ونشرت في القاهرة عام 1957، وقد علق الفيلسوف عبد الرحمن بدوي على هذا الكتاب الصروحي بمادته العلمية بقوله: [وفي هذا الكتاب كان ڤلهاوزن أول من أراد إنصاف بني أمية من عصبية المؤرخين العرب، وقد كانوا متحاملين على الأمويين عامة. ومن هنا شق ڤلهوزن طريقاً جديدة في تاريخ
العصر الأموي، فيها إنصاف للأمويين وإبراز لمكانتهم السياسية الممتازة وتخليص لهم من تحامل المؤرخين ولفتاتهم التي أملتها العصبية الشيعية وغير الشيعية. وهي الطريق التي بالغ فيها الأب اليسوعي هنرى لامانس مبالغة شديدة جافت الوقائع التاريخية في كثير من الأحيان وأفرطت في تمجيد الأمويين في كل شيء..وبهذا أتم ڤلهوزن دراسته التاريخية للإسلام وما قبل الإسلام حتى آخر الدولة الأموية،وهي دراسة تاريخية سياسية، أعرض فيها عن تناول العوامل الاجتماعية والاقتصادية ولم يمس النواحي العنصرية العِرْقية إلا مساً خفيفاً، وكأنه يؤمن أن للتاريخ السياسي قوة ديناميكية ذاتية تكفي لتفسير تطوره، إيماناً لم يعد المؤرخون اليوم يشاركونه فيه. وهو حريص في التفسير
للأحداث والعقائد إلى تلمس العوامل المحلية الأصلية، ونادراً ما يلجأ إلى العناصر الخارجية]..
مع ذلك فقد راجع فلهاوزن المصادر التاريخية المتصلة بموضوعه كلها تقريبا ولاسيما تاريخ الطبري الذي تمكن من تمييز مصادره ومقارنتها بروايات عديدة بصرية وحجازية وشامية كروايات الدينوري والبلاذري والواقدي وابن اسحاق واليعقوبي مضيفا اليها المصادر السريانية المسيحية كتاريخ ايزيدور وكتابات معاصريه وسابقيه من المستشرقين ذات الصلة، مما اعانه على تكوين صورة متكاملة وشمولية للتاريخ العربي منذ فجر الرسالة وحتى سقوط الدولة العربية وقيام دولة العباسيين على انقاضها..
ويبدو من مراجعة مؤلفات فلهاوزن استخدامه لمفردات المملكة والدولة والأمبراطورية في معرض حديثه عن الخلافة الأموية على وجه التحديد..وسواء ااطلق كلمة اسلامية في وصفه للإمبراطورية التي اسسها الأمويون أم عربية فالقصد في هذا الإستخدام تفريد العرب في تأسيس أول دولة عربية مستقلة حكمت العالم وكونت امتدادا لها في الأندلس..وقد عزا اسباب سقوط الأمبراطورية العربية في المقام الأول الى استمرار التنافس القبلي بين العرب من جهة وتدخل العامل الأجنبي من خلال منفذ الإسلام من جهة ثانية عادا معركة كربلاء بداية تشكيل المعارضة التي شكل الموالي الفرس من غير العرب رأس الحربة فيها..فرأى في ثورةالشيعة الأيرانيين في خراسان عاملا حاسما في اسقاط الدولة الأموية وانهاء الحكم العربي في دمشق مما فكك عرى التواصل بين العروبة والإسلام.. وكانت معارضة اهل العراق للسلطة الاموية في الشام تعتمد اصولا قبلية وطبقية وسياسية اتخذت تدريجيا مظهر التشيع لعلي والمطالبة بثارات الحسين بينما انبثق تشيع العجم في خراسان والموالي في العراق ووقوفهم الى جانب الشيعة العرب من كراهيتم للعصبية العربية وميلهم الى شعوبية الاسلام الداعية الى المساواة بين العرب والعجم،ولم يكن العباسيون فيما يرى فلهاوزن سلالة عربية بل سلالة هجينة يتخللها الأعاجم لهذا عدل عن الإهتمام بالمرحلة العباسية عادا اياها سلالة غير عربية تفتقر الى الخصائص العروبية المميزة للأمويين، وعبر عن رايه هذا في رسالة الى المستشرق فرديناند جوستي في 26 آذار عام 1901 قائلا فيها [ليذهب العباسيون الى الجحيم]..وكأني بفلهاوزن يكرر بعد قرون من سقوط العباسيين قول الجاحظ الشهير: [دولة بني العباس فارسية خراسانية ودولة بني امية عربية أعرابية]..
ويذهب ابن خلدون في تفاصيل اكثر بمايتصل بالدولتين الأموية والعباسية من منظور فلسفته الاجتماعية السياسية فيرى أن : [الأمويّين استعملوا طبيعة المُلك في أغراضهم الدنيوية ومقاصدهم ونسوا ما كان عليه سلفهم من تحرّي القصد فيها واعتماد الحق في مذاهبها، فكان ذلك ممّا دعا الناس أن نعَوا عليهم أفعالهم و أدالوا بالدعوة العبّاسية منهم، ووُلّي رجالهم الأمر فكانوا من العدالة بمكان وصرّفوا المُلك في وجوه الحقّ ومذاهبه ما استطاعوا حتـّى جاء بنو الرشيد من بعده، فكان منهم الصالح والطالح، ثمّ أفضى الأمر إلى بنيهم فأعطوا المُلك والترف حقـّه وانغمسوا في الدنيا وباطلها، ونبذوا الدين وراءهم ظهريا. [. . .] فقد رأيتَ كيف صار الأمر إلى المُلك وبقيت معاني الخلافة من تحرّي الدين ومذاهبه والجري على منهاج الحق، ولم يظهر التغيّر إلاّ في الوازع الذي كان دينا ثمّ انقلب عصبيّة وسيفا. وهكذا كان الأمر لعهد معاوية ومروان وابنه عبد الملك والصدر الأوّل من خلفاء بني العبّاس إلى الرشيد وبعض وُلده. ثمّ ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلاّ اسمها وصار الأمر مُلكا بحتا. وجرت طبيعة التغلب إلى غايتها واستـُعملت في أغراضها من القهر والتقلّب في الشهوات والملاذ]..
هنا يقارن ابن خلدون بين الخلافة الراشدية والملك الاموي ثم يقارن الأخير بالمرحلة العباسية بدون تتبع لتأثيرات العوامل الدخيلة في انهيار الأمويين ومن بعدهم العباسيين..فيما يذهب فلهاوزن الى تفاصيل القوى الدخيلة والنقيضة كعامل حاسم في اسقاط الدولة العربية الأولى حيث أفرد في كتابه فصلا كبيرا على خراسان وعدها مركز العاصفة وبؤرة التطورات التي ادت الى اسقاط الأمويين..ويبدو من متابعة نظريات فلهاوزن وافكاره الثيولوجية والتاريخية حضورا لايمكن تجاهله لهيجل سواء في نظريته التطورية للتاريخ باعتباره انتقالا من البربرية الى الحضارة ثم عودا الى البربرية او في نظريته عن التاريخ باعتباره ميدانا لتطورالروح وتجليها بالدولة، فنظر الى دين اليهود على انه بدأ من الوثنية التي استمرت حتى بعد موسى وان التوراة هي الاخرى دونت على مراحل بعد ان قام موسى بابتكار دين ووضع نواة امة..
وهو في دراسته لتطور الدولة العربية تتبع التحول من الوثنية الى التوحيد وكيف تمكن محمد على نحو مماثل لموسى من ايجاد نخبة دينية،كما أسلفنا، مالبثت بعد موته ان عادت الى النظام القبلي بدون ان تطرح عنها رداء الإسلام..ورأى في الدولة الأموية تحول النظام القبلي للعرب الى امبراطورية جسدت القيم القبلية العربية القديمة اكثر من تجسيدها للإسلام الذي اصبح وسيلة لإدارة الدولة الجديدة اكثر منه هدفا من اهدافها..
وقد اوضح الدكتور ابو ريدة في مقدمته لترجمته العربية لكتاب فلهاوزن عن الدولة العربية الأموية وسقوطها منهج فلهاوزن واسلوبه في معالجة مادته التاريخية ما يغنينا عن تكرار ماذهب اليه، ولكننا في متابعتنا لمؤلفاته الأخرى وبخاصة كتابه عن الخوارج والشيعة، نتوغل معه الى جذور الصراعات المذهبية والسياسية التي ماتزال تعصف في المنطقة العربية والمجتمعات الإسلامية بوجه عام..وتبرز مع متابعاتنا مشكلات جوهرية حول المشروعية والقوة، والخلافة والدولة والقومية والإسلام، وهي مشكلات مابرحت تقع في اصل الإختلافات المذهبية في منطقتنا ولاجديد فيها كونها المحور الذي تدور حوله المجادلات والحوادث التاريخية والسياسية منذ فجر الإسلام وحتى الوقت الحاضر، إلا أن الجديد اعتبار الدولة الأموية تعبيرا عن الأمة العربية وتجسيدا لروحها أزاء العوامل والقوى والإرادات الأجنبية التي تسببت في سقوط الدولة الأموية وتولي سلالة هجينة وملوثة السلطة في الحاضرة الإسلامية في بغداد..
ولم يكن الأمويون ليعدموا الوعي بالخطر الأجنبي المتمثل بالعجم في دولتهم ولاسيما بعد اعتناقهم [الأعاجم] الإسلام الذي منحهم هوية جديدة مكنتهم من التنقل في الحواضر العربية في الحجاز والعراق والشام ازاء انتقال العديد من القبائل العربية في العراق واستيطانهم في بلاد العجم وبدرجة اقل وسط آسيا وحوض السند..فعندما نشبت الخلافات القبلية بين القيسية واليمانية في خراسان قلب بلاد العجم، انتهز العجم واقرانهم الآسيويين تلك الخلافات بالثورة على الحكم العربي واستردوا عددا من المدن والقصبات ما دعى حاكم خراسان عن الأمويين نصر بن سيار الى دعوة العرب الى نبذ الخلافات والتوحد في مواجهة العدو المشترك:
أبلغ ربيعة في مرو واخوتها أن يغضبوا قبل الآ ينفع الغضب
وتتركون عدوا قد أظلكم ممن تأشب لادين ولا حسب
ليسوا الى عرب منا فنعرفهم ولا صميم الموالي إن همو نسبوا
قوم يدينون دينا ماسمعت به عن الرسول ولا جاءت به الكتب
فمن يكن سائلي عن دينهم فإن دينهم ان تقتل العرب
ولما كان العراق الأقرب الى بلاد العجم، تدفق اليه العجم تحت تسمية الموالي منذ عهد الخليفة العربي العظيم عمر بن الخطاب، وبأمره، [كان هدف الخليفة عمر تعريب العجم ما اسس للوجود العربي في خراسان والفارسي في العراق]متخذين من الكوفة والبصرة وريفها حتى واسط بما يعرف باقليم كسكرموطنا لهم..وقد اختلط هؤلاء الفرس بيهود نجران وخيبر في الكوفة وريفها على عهد عمر مما عمل على تكوين نواة لمعارضة قوية ونشطة ضد الحكم العربي في دمشق اضافة الى قبائل عربية ناكلة يمنية في الآغلب كانت قد وقفت الى جانب الامام علي في معركتي الجمل وصفين كمذحج وهمدان وأزد وعدد من اشراف الكوفة الحجازيين ممن لم يستسغ الهيمنة الاموية على مقدرات المسلمين..ولما كانت الكوفة العاصمة العراقية الأولى للخلافة اكتسب التنافس القبلي والسياسي بعدا جغرافيا تمثل بالعراق ازاء الشام..
والآرجح ان تدني العباسيين في نظر فلهاوزن يعود ايضا الى كونهم استغلوا المعارضة الشيعية القوية للأمويين وتعاونوا مع الفرس، للقفز على زمام السلطة، ثم فتحهم ابواب العاصمة الجديدة بغداد على مصاريعها للفرس الذين يروق لهم دائما انهاء الوجود العربي والسيطرة العربية في اي وقت ومكان..
خاتمة:
كان سقوط الدولة الأموية في جوهره سقوطا للسيادة العربية، وعلى الرغم من غياب البديل في دولة مماثلة في المشرق العربي بعد سقوط الدولة الأموية، بمقدورنا ان نعد الدولة الحمدانية في الموصل وحلب وريثا حضاريا للدولة الأموية، كذلك يمثل عصر البطلين عماد الدين زنكي ونور الدين محمود نموذجا للسيادة العربية بطابع اسلامي سني..ولابد من التأكيد على غياب التوجهات المذهبية لدى الحمدانيين والأتابكة كونهم انشغلوا بالدفاع عن الحواضر العربية والأسلامية في مصر والعراق والشام ضد البيزنطيين والصليبيين ، والفرس..وترتب انتظار النهضة المصرية على عهد القائد العربي جمال عبد الناصر فدولة البعث العربي التي جاهدت في احياء الثقافة العربية بابعادها الصروحية في الفكر والعمارة والجيش في سورية والعراق لحين ادت التحالفات الخيانية بين اليهود والفرس مجددا الى اسقاطها..
وبدهي ان فلهاوزن لوقدر له البقاء حتى عصرنا هذا لخرج بنتائج مماثلة كونه يعتمد على رؤية تاريخية سياسية تبدو الآمة من خلالها كائنا حيا يمثل التاريخ روحها، وتبلغ اقصى درجات كمالها بالحكومة المركزية والدولة القومية القوية ذات السيادة..وعلى الرغم من الخرائب المنتشرة في الحواضر العربية، يحدونا أمل أن تلك الروح مابرحت حية كامنة وان نهوضها مجددا مسألة يقظة ووقت..فالى تلك اليقظة نتطلع وعليها نعلق آمالنا..