المتغير الخارجي في استفتاء إقليم كردستان العراق كرم سعيد رصد عراقيون
على رغم تنوع المتغيرات التي تحكم مسار استفتاء إقليم كردستان العراق، ومنها متغير الداخل، لا سيما إعلان حكومة حيدر العبادي رفضها الاستفتاء، واعتباره «غير دستوري»، يبرز دور المتغير الخارجي بوصفه أحد أهم تلك المتغيرات وأشدها تأثيراً. يجذب المشهد الكردي، الذي تحول إلى لاعب إقليمي مهم بعد نجاحاته في مكافحة «داعش» في سورية والعراق، اهتمام القوى الإقليمية والدولية.
وهنا يتضح أن إسرائيل تبدو الدولة الأكثر حماسة لقيام دولة كردية، إذ سبق أن أعلن عدد من قادتها دعمهم إقامة مثل هذه الدولة. أما موسكو فهي لا تبدي أي موقف رسمي حيال هذا الأمر، في ظل تحالفها الاستراتيجي مع طهران في سورية، وانخراطها مع بداية العام الحالي في تعاملات نفطية ثنائية مع كردستان العراق. على جانب آخر تتصاعد معارضة المجتمع الدولي وبعض القوى الإقليمية. وفي هذا السياق، لم ترحب الأمم المتحدة بتلك الخطوة، إذ أشارت إلى أنها لن يكون لها دور في الاستفتاء على الاستقلال. في المقابل، أعلنت واشنطن أنها تخشى من أن يطغى الاستفاء على أولويات أخرى في مقدمها هزيمة «داعش». كما تخشى الإدارة الأميركية ومعها دول غربية أخرى منها ألمانيا أن يشعل الاستفتاء الصراعات الإثنية والعرقية، وتتحول المنطقة معه إلى ساحة اضطرابات إقليمية. وبالنسبة إلى إيران، فإنها هددت بسلسلة من العقوبات على الإقليم من بينها قطع المنافذ الحدودية. بينما صعدت تركيا، على رغم الصلات القوية التي تجمعها بالإقليم، من مواقفها، وأعلنت أن الاستفتاء «خطأ فادح، وخطر يهدد الأمن القومي التركي». ومعروف أن الاستفتاء يمثل حافزاً لأكراد تركيا الذين يخوضون مواجهة مفتوحة مع النظام منذ ثمانينات القرن الماضي، راح ضحيتها ما يقرب من خمسين ألف مواطن. كما هددت أنقرة بوقف تصدير نفط كردستان عبر أراضيها.
على صعيد ذي شأن، ترى حكومتا بغداد ودمشق أن الأكراد ينفذون مخططاً أميركياً، بعد أن فقدت واشنطن أوراقاً مهمة في سورية بتراجع الجماعات المسلحة الموالية لها، واستعادة النظام بفضل الدعم الروسي قطاعاً معتبراً من الأراضي والمعابر والمنافذ الحدودية التي خسرها مع بدء عسكرة الأزمة السورية، فضلاً عن تراجع علاقاتها مع أنقرة وتنامي صورتها النمطية السلبية في الوعي الجمعي العراقي، ناهيك باتساع الرتق مع إيران في ظل تشدد إدارة ترامب مع طهران والتوجه نحو فرض مزيد من العقوبات عليها.
وهكذا أصبح الموقف الخارجي من استفتاء إقليم كردستان مرتبطاً بتقاطعات مصالح الدول الإقليمية والحسابات الشائكة للقوى الدولية في المنطقة. وبمرور الوقت، يغدو المتغير الخارجي أحد أبرز العوامل الحاكمة للاستفتاء الكردي، ليس فقط بسبب المصالح والأدوار الإقليمية والدولية في المنطقة، وأهمية الورقة الكردية وتوظيفها السياسي والاستراتيجي عند الموالاة والممانعين، وإنما لأن المسعى الكردي للاستقلال استناداً إلى دعم بعض الدول والمواقف الباهتة لدول أخرى منها موسكو قد يغذي الصراعات العرقية في المنطقة من جهة، ويعيد رسم خارطة التفاعلات والتوازنات الإقليمية والدولية، الأمر الذي ربما ينال من مصالح وأمن القوى الإقليمية والدولية.
وعلى رغم صعوبة تمرير الاستفتاء، وإقامة دولة كردية قابلة للحياة في ظل ممانعة القوى الإقليمية وتحفظ واشنطن وقوى غربية، فإن قادة إقليم كردستان يرون أن خطوة الاستفتاء مهمة وفي وقتها، بالنظر إلى صعود الورقة الكردية إقليمياً، بعد الدور المحوري في مكافحة تنظيم «داعش» في سورية والعراق، لكن من دون الأخذ في الاعتبار أن هذه الخطوة ستتبعها خطوات، وردود فعل إقليمية ودولية متواصلة، قد تسعى إلى إعاقة هذا الاستفتاء أو على الأقل تأجيله، إذ إن استقلال الإقليم قد يجعله شوكة في خاصرة الدول المحيطة.
والأرجح أن المتغير الخارجي في أزمة إقليم كردستان ليس جديداً أو هو الأول من نوعه، ففي كانون الثاني (يناير) 2014، وعشية اتساع نطاق الخلافات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، عندما تراجع الطرفان في شكل واضح عن تنفيذ المقايضة المالية المنصوص عليها في الدستور العراقي، والتي تقوم على دفع الحكومة المركزية لإقليم كردستان مستحقات مالية توازي 17 في المئة من قيمة الموازنة العراقية في مقابل حصول الأولى على حقوق تصدير إنتاج النفط من الإقليم، والبالغ حينها قرابة 250 ألف برميل يومياً. وفي محاولة لتجاوز الخلافات المالية بينهما، توصل الطرفان برعاية إقليمية ودولية إلى اتفاق جديد في كانون الأول (ديسمبر) 2014 يقضي بتسليم كردستان مستحقاتها المالية من الموازنة العراقية، إضافة إلى بليون دولار لقوات البيشمركة، في مقابل التزاماتها بتقديم 550 ألف برميل يومياً من النفط، منها 300 ألف برميل من حقول كركوك والباقي من حقول كردستان.
كما دانت دول إقليمية ودولية قيام مجلس محافظة كركوك مطلع شهر آذار (مارس) الماضي، برفع علم إقليم كردستان إلى جانب العلم العراقي على كل مؤسسات المحافظة، واعتبرته خطوة غير مقبولة وانتهاكاً لمبادئ الدستور العراقي. ومع تصاعد دعوات وتوجهات إقليم كردستان نحو الاستقلال، هددت الدول الإقليمية وبعض القوى الدولية بوقف تأسيس شراكات اقتصادية قوية مع الإقليم، فضلاً عن عدم اعترافها بالإقليم واعتباره دولة غير شرعية، وهو ما قد يثقل كاهل الإقليم ويزيده انغماساً في همه الداخلي، لا سيما أن عصب موازنته يعتمد بالأساس على الصادرات النفطية التي تتم عبر خطوط الأنابيب التركية.
في هذا السياق العام يمكن القول أن سعي حكومة كردستان لاستثمار دور البيشمركة، في محاربة «داعش»، ومحاولة ترجمة ذلك في استكمال مسار الاستقلال عن الدولة العراقية، قد لا يحققان المرجو منهما، لا سيما أن سياقات التفاعلات الدولية والإقليمية تشير إلى حالة عامة من التريث الدولي والرفض الإقليمي القاطع تجاه التطلعات الكردية، وبالذات العراقية، فثمة رفض خارجي لفكرة الانفصال في الوقت الراهن، خصوصاً مع تصاعد قلق إيران وتركيا من أن يؤدي استقلال أكراد العراق إلى إفساح المجال أمام التطلعات القومية الكردية في البلدين، وهو ما يهدد أمنيهما القوميين. وهكذا تبدو فرص إجراء الاستفتاء أو تفعيله مرهونة في جانب معتبر منه بالمتغير الخارجي بشقيه الإقليمي والدولي.