الإخوان وداعش.. مسألة توزيع أدوار العرب حميد زناز رصد عراقيون
جماعة الاخوان تستغل الوحشية التي يرتكبها الدواعش لتقدم نفسها على أنهم إصلاحية وتمثل حصريا الإسلام الحقيقي المعتدل.
تهيئة طريق التطرف
الاختلاف الوحيد بين جماعة الإخوان وداعش هو في الطريقة المتبعة للوصول إلى المبتغى، وهو تطبيق ما يسمّى “شريعة” وإعادة ما يسمّى “خلافة” وأسلمة الوجود والسيطرة على العالم كله. وكلاهما يخدم الآخر بوعي دائما ودون وعي أحيانا، فالإخوان يستغلون الوحشية التي يرتكبها الدواعش ليقدموا أنفسهم على أنهم إصلاحيون مسالمون يمثلون حصريا الإسلام الحقيقي المعتدل. فيما يستغل الدواعش من جهتهم موقف الإخوان المخاتِل والمهادن ظاهريا ليقدموا أنفسهم للناس كثوريين وكدعاة لإسلام قوي، لا يساومون في المبادئ والعقيدة.
وتبقى المسألة مسألة توزيع أدوار ولو كان ذلك عن بعد. ولكن تبقى الجماعة هي الركيزة النظرية منذ 1928 وفي كل مرة تفرّخ فئة تحاول أن تطبق أفكارها على الأرض، تارة عن طريق الضغط والتأثيم، وتارة أخرى عن طريق العنف، وكان آخرها تنظيم داعش الإرهابي.
وقدّمت الجماعة خدمة كبيرة لكل من يريد الانتقال من كتب حسن البنا وسيد قطب النظرية إلى التطبيق العملي والشروع في ممارسة العنف والإرهاب لاسترداد ما حلم به الزعيمان ويحلم به الإخوان إلى اليوم: استرداد الزعامة بالعودة إلى الخلافة. لقد زرع الإخوان أمام مرأى ومسمع الجميع في وعي ولا وعي الكثيرين فكرة سامّة تعرقل كل تعايش مع الآخر يبرر من خلالها الإرهابيون أفعالهم وكرههم للغير، مفادها أن العالم كله ضد المسلمين، ولا يتوقف عن التآمر عليهم ومحاربتهم كي لا يتمكنوا من إعادة الخلافة، مصدر قوتهم ووحدتهم وقيادتهم للعالم.
ولئن كانت تلك فكرة إخوانية روّجها الإخوان منذ نشأتهم في العالم العربي، فإن فكرة الإسلاموفوبيا هي فخ نصب للمسلمين المقيمين في الغرب واليسار الأوروبي. وقد سقط فيه الكثير من المسلمين ومعظم اليساريين الأوروبيين، إذ استبدلوا كلمة عنصرية بكلمة إسلاموفوبيا وبات في رأيهم معاديا للمسلمين وعنصريا كل من انتقد الإسلاميين في أوروبا وعلى رأسهم جماعة الإخوان.
أما المسلمون الشباب الذين خدعوا بتلك العبارة/الفخ فقد باتوا ينظرون إلى مجتمعاتهم الغربية نظرة عدائية باعتبارها معادية لهم ولدينهم، وهو ما سهّل تجنيدهم في صفوف داعش ومن ثم استخدامهم للقيام بعمليات إرهابية في الغرب، كما حدث في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا.
ولكن الغريب في الأمر أن لا دراسة واحدة أشارت إلى دور الإخوان المسلمين من كل تلك الدراسات التي صدرت في الغرب والتي تحاول فك لغز تطرف الشبان المنحدرين من عائلات إسلامية وسرّ هجرتهم وهم في سن المراهقة للمشاركة في الحرب التي يخوضها داعش ويقتلون ويُقتّلون بعيدا عن أهلهم وأوطانهم!
الدواعش يستغلون موقف الإخوان المخاتِل والمهادن ظاهريا ليقدموا أنفسهم للناس كثوريين وكدعاة لإسلام قوي، لا يساومون في المبادئ والعقيدة
وتركّز التفسيرات على العمل الدعائي الذي يخدع به تنظيم داعش الشبان على الشبكة العنكبوتية وعلى الخصوص على صفحات التواصل الاجتماعي كأن الأمر يتم في العالم الافتراضي فقط، متجاهلة العمل التعبوي الذي يقوم به الإسلاميون في العالم الواقعي وعلى رأسهم جماعة الإخوان والذي لولاه لما تم اصطياد الشبان بتلك الطريقة السهلة. فالإخوان وحلفاؤهم هم الذين شحنوا المراهقين والمراهقات وحضّروهم لداعش بخطاب الكره والعنف في المساجد التي يسيطرون عليها وهي بالعشرات في فرنسا والمراكز الدينية والنوادي الرياضية التي يشرفون عليها علاوة على المعرض السنوي الكبير الذي يقام في بداية كل ربيع بالبورجي قرب باريس.
وإذا ما ركّزنا على المساجد فقط، ففي كتابه الصادر أخيرا “مساجد التطرف: ماذا يقال فيها وماذا يقرأ”، أحصى مدير مرصد الأسلمة في فرنسا جواكيم فليوكاس حوالي 450 مسجدا في فرنسا تسيطر عليها الحركة الإسلامية المتطرفة من بينها 200 يديرها “اتحاد الجمعيات الإسلامية” ممثل جماعة الإخوان في فرنسا. وليس هذا فحسب بل إن هذا الاتحاد الإخواني يشرف على مدرسة لتكوين الأئمة في فرنسا وكان يستضيف يوسف القرضاوي لتقديم المحاضرات قبل أن يمنع من دخول فرنسا ويوضع على لائحة الإنتربول بتهمة التحريض على القتل.
ويرسل الإخوان عبارات فضفاضة إلى أذهان الناس كـ”الإسلام هو الحل” و”العلمانية كفر”، لتتحول تلك الرسائل إلى قنابل جاهزة للاستدعاء وقت اللزوم. ولذلك فمن السذاجة التركيز على ما يجري في العالم الافتراضي ومحاولة إلصاق التهمة به فقط في مسألة انتشار التطرف، فبذور التطرف تزرع داخل مساجد الإخوان والسلفيين وفي محيطها، ثم تأتي الإنترنت لتقديمها إلى أكبر عدد ممكن، فهي رافد مُسرّع للتطرف وليس صانعا له كما يريد أن يوهمنا الإعلام واليسار الفرنسيين.
ولا يجانب الصواب كل من الإعلام واليسار فقط وإنما حتى السلطة السياسية الفرنسية ضلت السبيل حينما ركّزت في أول دراسة رعتها رسميا على الأعراض دون التركيز على سبب المرض وذلك في مقاربة تحت عنوان “المسخ الذي يتعرض له الشاب الفرنسي تحت تأثير الخطابات الإرهابية الجديدة/ بحث حول تغيّر أساليب الأدلجة والتجنيد لدى الإسلاميين المتطرفين”.
ويبتعد المشرفون على التقرير دنيا بوزار وكريستوف كوبان وسليمان فالسان كثيرا عن الواقع حينما يكثفون جهودهم على متابعة ما يجري على شبكة الإنترنت وكيف يتعامل تنظيم داعش افتراضيا مع الشباب الفرنسي وكأن لا واقع يعيش فيه الشبان غير الشاشة الزرقاء في حين أن ذلك ما هو سوى مرحلة أخيرة من عملية التطرف التي تبدأ مبكرا في الأسرة ثم يعززها الشارع والنادي الإسلامي والمسجد السلفي أو الإخواني الموجود في الحي.
وهكذا ينضج التشدد ويصبح الشبان والشابات لقمة سائغة وثمرة “متأخونة” ناضجة سرعان ما يلتهمها خطاب داعش، إذ ستجد فيه استمرارا عمليا للفكر الإخواني. وهذا العمل التحضيري والتربّص المستمر في ورشة الإخوان الأصولية الذي يجري اليوم في فرنسا وأوروبا عموما في غفلة من السلطات السياسية والإعلامية هو الذي تستثمره الجماعات الإرهابية لتجنيد الانتحاريين والإرهابيين الذين تربصوا وتكونوا سياسيا في مدرسة الإخوان والذين كانوا قبل أن يُكتشف أمرهم يعملون في كل مكان كل ما في وسعهم لبرمجة عقول الناس منذ صغرهم، من أجل تحضير البيئة العقلية والفكرية المناسبة لتنظيمات إرهابية مثل داعش.