سوق مشاريع الاخوة الاعداء في العراق! / جمال محمد تقي ،رصد عراقيون
تكاثرت المشاريع والبرامج والخطط والتسويات لعراق ما بعد داعش ومنذ اشهر عديدة، وكأن جميع القوى السياسية المشاركة بصيغة الحكم للعراق ما بعد 2003، دخلت بحملة انتخابية مبكرة، وسوق او سيرك اعلاني ودعائي لاثبات الذات وتكريس ما قد لا يكرس، بقصد تثبيت وجودها وتضخيم هذا الوجود، وصار لا يمر شهر من دون ان يطرح طرف من اطراف هذه الصيغة لرؤيته ومشروعه للعراق ما بعد داعش، وكأن داعش قد احتلت العراق بمجمله، او ان واقع مشاكل وازمات العراق ومسبباتها ليست هي ذاتها قبل داعش وبعدها منذ ان اسقطت الدولة العراقية الوطنية والمجيء بنظام تحاصصي طائفي تبعي متخلف يتبرقع بالديمقراطية التي تناقض جوهره!
في 14 تموز/يوليو 2017 طرح تحالف اتحاد القوى مشروعا اصلاحيا اجتمعت حوله اغلب القيادات السنية في اربيل وبغداد لعراق ما بعد داعش، وكانت ردود افعال الاوساط الشيعية بمختلف اتجاهاتها المعتدلة والمتشددة قد تباينت بين مرحب بحذر ومرحب بشروط وبين منتقد ورافض، وبطبيعة الحال كان حزب الدعوة جناح المالكي وتحالف دولة القانون التابع له وكل الاحزاب والحركات والتنظيمات الميليشياوية قد تبارت في انتقاده ورفضه، اما جماعة الحكيم والصدر والعبادي فقد تراوحت ردود افعالهم بين ترحيب حذر ومشروط وبين ترحيب متفائل !
قبل هذا المشروع بزمن كان البارزاني قد طرح رؤيته وبالتالي مشروعه لعراق ما بعد داعش، عندما اخذ يردد عبارات الحدود الجديدة المرسومة بدم البيشمركة وان كردستان العراق قبل داعش هي ليس كذلك بعد داعش، وعليه فان المشروع القوماني الكردي المعلن وعلى رؤوس الاشهاد هو اول المشاريع المعتمدة للتنفيذ في عراق ما بعد داعش، حيث يجري العمل به في السر والعلن ويقوده البارزاني بتفاهم مع حزب الطالباني، ويدعو إلى قطع شعرة معاوية الواصلة بين بقاء اقليم كردستان ضمن الدولة العراقية وبين انفصاله المتوج باعلان قيام الدولة الكردية، بمفردات متسلسلة اهمها ضم المناطق المتنازع عليها، خانقين وكركوك وسهل نينوى، مضافا لها ما ملكت ايمان البيشمركة من مناطق محررة من داعش او من اي الوجود العسكري العراقي اصلا، وتكريس الاستقلال النفطي عن بغداد حيث اصبح بامكان البارزاني ليس فقد بيع نفط الآبار النفطية التي تحت سيطرته وانما نفط كركوك ايضا !
ويتزامن مع مشروع البارزاني هذا، مشروع المالكي ومعه كل الميليشيات الوقحة، حيث لا يرى اصلاحا الا بحكم الأغلبية السياسية التي تعني ضمنا بان لا رئيس وزراء خارج دائرة الاحزاب الطائفية الشيعية وحصرا حزب المالكي وتحالفه الميليشياوي المتماهي قلبا وقالبا مع المشروع الإيراني المتخادم مع الأمريكان في العراق، حيث يعتبر بقاء الحال على ما هو عليه مع بعض التعديلات التي تركز وتمركز السلطة في ايديهم بدعوى الاغلبية السياسية هو الحلقة التي يجب ان يدور حولها الدائرون في فلك عراق قوي ومستقر وخال من الارهاب، وفريق هذا المشروع يعتبر بقاء الحشد المكون من اكثر من 60 ميليشيا في العراق كفيلق بدر وحزب الله وعصائب اهل الحق والنجباء وكتائب الخرساني وسرايا العتبات وعاشوراء وابو الفضل وسيد الشهداء، وترسيخ قوته هو الضمانة لانجاح مشروعهم !
عمار الحكيم هو الاخر طرح مشروع التسوية الوطنية الذي يحاول به مسك العصى من المنتصف ولحقه العبادي بالتسوية المجتمعية، واختلف معهم الصدر بمشروع آخر اكثر واقعية وجدية وحركية من خلال تنزيه السلطة في العراق من الوصاية والتدخل الخارجي والتركيز على الاصلاح الانتخابي من خلال تشريع قانون انتخابي جديد اقل فسادا وكذا الحال بالنسبة لمفوضية الانتخابات واعتبار البرلمان المنتخب حقا وحده المخول لوضع ومناقشة اي تسويات واصلاحات ممكنة وقد لاقى مشروع الصدر توافقا من قبل علاوي ومن جماعة تحالف اتحاد القوى ومن بعض التيارات المستقلة والعلمانية.
لا يمكن لاي احد من الاطراف الطامسة بوحل الفساد العراقي المتزايد ان يتجاوز ذاته بدعوة الجميع لانقاذ ما يمكن انقاذه بحكم انتقالي وانتخابات عامة منفتحة على الجميع دون استثناء وتحت اشراف اممي، ومن ثم سن دستور جديد يقر حق المواطنة المتساوية، ويعتبر وحدة العراق وجيشه الوطني الذي يحتكر حمل السلاح في العراق خطا أحمر، ويفرض الغاء كل التشريعات التي تكرس الهيمنة الخارجية ويطلق حملة وطنية لعودة النازحين وخطة تنموية شاملة تكرس موارد الدولة للانتاج وليس الاستهلاك وتحاسب اصحاب النهج الفاسد الذي خرب الزراعة والصناعة والخدمات والتعليم والصحة، ويطالب دول التحالف الدولي التي احتلت العراق بتعويض الدولة العراقية عن الخراب الذي حل بها، وفي الختام يتجاسر نحو واحدة من اهم الخطوات الا وهي اعادة العمل بالسياسة النفطية الوطنية التي يبلورها قانون رقم 80 لسنة 1961 وقانون تأميم النفط العراقي عام 1972!