الحرب الديمغرافية وتغيير قواعد الاشتباك بالسكان / بقلم : فواز الطيب
خاض العراق منذ 2003 حربا ديمغرافية منقطة النظير خلال تاريخها الحديث ، المتداخلة في كثير من وجوهها ومساراتها وسياقاتها مع الحرب الناعمة التي تشن عليه أيضاً بنحو متزامن .
وإن كانتا معاً تتحدان في الغاية الاستراتيجية والنتيجة النهائية المرجوة منهما وهي تدمير العراق وتقسيمه وتبديد شمله ديموغرافيا.
فالأدوات العنيفة المستخدمة في الحرب على العراق بعد تغيير قواعد الاشتباك ، تستهدف اللعب بالأرض والحدود والكتل والتجمعات البشرية ، أي أنها توفر بيئة مناسبة وأرضية صالحة لتغيير الخرائط والتوزيعات السكانية.
ومع هذا التغيير تتبدل قواعد الاشتباك مع العدو وتتم محاصرته والضغط عليه بوقائع تجعل نموذج الحرب هذا نقيضاً للحرب الكلاسيكية، أو أنها تخفض مستوى المجازفة المباشرة بأعمال عسكرية والتي تحمل في الغالب مخاطر عالية جداً .
ومن هنا كانت فكرة زج داعش وتمكينها لتغيير قواعد الإشتباك وتدمير ما يمكن تدميره لإرغام السكان على الهجرة والنزوح في إطار هندسة جديدة لجغرافيا المنطقة تقوم على التقسيم وتوزيع الكتل البشرية وفق حسابات أُريد لها أن تنفذ بدقة.
بعض الدول الإقليمية هي من وضعت المسار للنازحين الذين يتعين عليهم المرور بها إن أرادوا البقاء على قيد الحياة، وهي من صاغ السياق الاستراتيجي العام لخطة كبرى تتضمن سلسلة متدرجة ومترابطة من الخطوات القاسية التي لا يستطيع النازحون استبيان الخط الفاصل بين ما هو إنساني منها وما هو مؤامرة إلا بعد سنين عديدة تكون فيها الخطة قد أصبحت واقعاً تاريخياً مؤلماً .
وسخرت وسائل الإعلام الدوليةجهوداً جبارة لنقل قصص عن معاناة بعض العائلات العراقية لتعميق التعاطف معها كخطوة أولى في طريق تقبل وجود النازحين وعدم اعتراض إقامتهم في أماكن تواجدهم المختلفة .
ومن المعلوم أن أي حرب تقع في منطقتنا إلا وتتبعها سلسلة من التحولات التي تفتح الباب على عقود من النزاعات والصراعات، خصوصاً إذا ما علمنا أن هذه الحرب الدائرة منذ سنوات في العراق تعكس الإرادة الأميركية – الإيرانية – التركية .
وقد ظهرت بعض خبايا هذه المشروعات في تقرير للأمين العام للأمم المتحدة في 2014 يدعو الى اتخاذ تدابير لاستقبال مليون نازح من محافظة نينوى فقط ! ، وطالب المجتمعات المحلية المضيفة باستقبالهم بغية تعزيز الاندماج أو (الإدماج) الاجتماعي ومكافحة التمييز ومنح اللاجئين تشريعات قانونية تؤمّن لهم البنية التحتية الملائمة بغرض تسهيل ظروف إقامتهم .
ثم تأتي تصريحات وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، الذي أعرب عن التزام دولته بمساعدة العراق على التعامل مع وجود أكثر من مليون نازح عراقي لتثير الريبة أكثر من خطورة الوضع الديمغرافي القادم على العراق ، وكيفية استخدام هذه الورقة من قبل فاعلين دوليين وإقليميين لأهداف استراتيجية ، تطال بالضبط وحدة العراق ، ولتضع أمامه مجموعة من الإشكالات والعوائق الاجتماعية والتاريخية والأمنية .