هيومن رايتس ووتش: قوات التحالف والقوات العراقية لم تتخذ اجراءات كافية لحماية المدنيين في الموصل
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن وفيات المدنيين جراء ما يبدو أنها سلسلة هجمات شنتها قوات الأمن العراقية أو التحالف بقيادة الولايات المتحدة بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2017 تظهر أن القوات لم تتخذ احتياطات كافية لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين، وأن ثمة حاجة إلى فتح تحقيقات إضافية. وثقت هيومن رايتس ووتش 7 هجمات أسفرت عن مقتل 44 مدنيا على الأقل في 5 أحياء مأهولة غربي الموصل يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” (“داعش”).
توصل تحليل هيومن رايتس ووتش لصور بالأقمار الصناعية لغربي الموصل لوجود أكثر من 380 موقع انفجار واضح في حي التنك، حيث وقعت 3 من الهجمات السبع، وتبين أن الانفجارات يُرجح أنها ناتجة عن ذخائر كبيرة ملقاة جوا بين 8 مارس/آذار و26 أبريل/نيسان، حين أعلنت القوات العراقية استعادة السيطرة على المنطقة. الذخائر بهذا الحجم قد تمثل خطرا مفرطا على المدنيين عند استخدامها بمناطق مأهولة، نظرا لاتساع نطاقها الانفجاري وشظاياها. على جميع الأطراف المتقاتلة الكف عن استعمال أسلحة انفجارية واسعة الأثر بمناطق غرب الموصل كثيفة السكان.
قالت بريانكا موتابارثي، باحثة أولى في حالات الطوارئ في هيومن رايتس ووتش: “احتمى السكان والنازحون لشهور في بيوت مزدحمة بسكانها، وقد اتخذهم داعش أحيانا دروعا بشرية. لذا فإن أي ضربات يجب أن تراعي هذه الظروف، بما يشمل اختيار الأسلحة. مع مضي القوات العراقية وقوات التحالف قدما في عملية غرب الموصل، فمن الضروري العمل على إبقاء الخسائر المدنية في حدها الأدنى”.
وثقت هيومن رايتس ووتش غارة جوية أمريكية على الموصل بتاريخ 17 مارس/آذار، قتلت ما يناهز المائتين، باستخدام قنبلة وزنها 500 رطل استهدفت مقاتلين اثنين لداعش على سطح مبنى، بحسب تحقيق عسكري في الواقعة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على القوات المقاتلة لداعش اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة في اختيار سبل ووسائل القتال من أجل تقليص الخسائر العارضة في أرواح المدنيين وإصابتهم والإضرار بالأعيان المدنية، بما يشمل اختيار الأسلحة المستخدمة في المناطق كثيفة السكان.
وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا 6 وقائع قام فيها مقاتلون في داعش بإطلاق النار وقتل وإصابة مدنيين يفرون من معاقل داعش أو يفرون من ألغام أرضية بدائية الصنع زرعها داعش.
في أواسط فبراير/شباط بدأت قوات الأمن العراقية مدعومة بالتحالف بقيادة الولايات المتحدة – في ما يُعرف بـ “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب” – في هجوم لاستعادة غربي الموصل، وهي قطاع كثيف السكان من الأحياء الحضرية ما زال به نحو 200 ألف مدني. فر 614524 شخصا على الأقل من المنطقة منذ 19 فبراير/شباط 2017، بحسب السلطات العراقية، لكن ما زال الآلاف عالقين هناك في ظروف قاتلة، عرضة لخطر قناصة داعش والألغام بدائية الصنع، كلما حاولوا الفرار.
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من جانبها مما إذا كانت الهجمات السبع للقوات العراقية أو للتحالف، التي وثقتها، هي غارات جوية أم برية، أو هي تأكدت من الذخائر المستخدمة. هذه المواقع كانت خاضعة لسيطرة داعش. وكان مقاتلو داعش حاضرين في البيوت المدمرة أو المناطق القريبة منها قبل أو أثناء 3 من الهجمات، وفي نطاق 50 مترا منها في واقعتين، ولم يكونوا على مقربة من نقطة الهجوم في حالتين أخريين، على حد قول ناجين وشهود عيان.
في واقعتين غاب فيهما التواجد العسكري الظاهر، قُتل 13 مدنيا على الأقل، وتعتبران غير قانونيتين. ربما أدت الهجمات الأخرى إلى أضرار غير متناسبة بالمدنيين مقارنة بالميزة العسكرية المتحققة، في خرق للقانون الدولي الإنساني.
قال مدنيون يعيشون في كل من البيوت التي أصيبت في الهجمات السبع إنهم حاولوا مغادرة الحي، أكثر من مرة في بعض الحالات، مع اقتراب القتال من المنطقة، لكن مقاتلي داعش هددوهم بالقتل أو اعتدوا عليهم أثناء محاولتهم الفرار.
يُحظر على جميع أطراف النزاع بموجب قوانين الحرب شن هجمات متعمدة أو عشوائية أو غير متناسبة ضد مدنيين أو أعيان مدنية. الهجمات العشوائية تصيب الأهداف العسكرية والمدنيين والأعيان المدنية على السواء دون تمييز. يكون الهجوم غير متناسب إذا كان من المتوقع أن يؤدي إلى خسائر في أرواح المدنيين أو أن يضر بأعيان مدنية بشكل مفرط مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة من الهجوم.
تواصلت هيومن رايتس ووتش مع “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب” بشأن الهجمات السبع. أكد التحالف أن قواته يُرجح أنها نفذت واحدة من الهجمات المذكورة، على حي المحطة بالموصل، ما أودى بحياة 10 مدنيين، لكن لم يرد بشكل قاطع فيما يخص الهجمات الأخرى.
سبق أن أعربت هيومن رايتس ووتش عن قلقها إزاء إجراءات الاستهداف الخاصة بأعضاء التحالف. نتيجة لتغييرات إجرائية منذ ديسمبر/كانون الأول 2016، حسبما تناقل الإعلام، فإن الولايات المتحدة التي تقود التحالف ألغت المطلب الخاص بأن توافق “خلية الضربات” في بغداد على هجمات بعينها. تغير القواعد يعني أن الولايات المتحدة تنفذ حاليا غارات دون الاستفادة من معلومات الخلية وتوصياتها بشأن الهجمات. على الولايات المتحدة إعادة هذه الإجراءات، أو أن تفعّل إجراءات مماثلة.
كما أن هيومن رايتس ووتش ما زالت قلقة إزاء إخفاق تقارير التحالف في أن توضح بشكل كاف مقدار الخسائر المدنية التي تسبب فيها كل من أعضاء التحالف. في 2 يونيو/حزيران 2017 نشرت قوة المهام المشتركة تقريرها الشهري الخاص بالخسائر في صفوف المدنيين. توصل التقرير لأن “إلى الآن، بناء على المعلومات المتوفرة، تقدر قوة المهام المشتركة أنه من المرجح أن 484 مدنيا على الأقل قد قُتلوا دون قصد جراء غارات التحالف منذ بداية عملية العزم الصلب”. أثناء الفترة نفسها قدّرت “آيروارز” وهي منظمة غير حكومية بريطانية تراقب الغارات الجوية، أن الحد الأدنى للقتلى المدنيين جراء غارات التحالف بقيادة الولايات المتحدة يزيد على 3800، أي 8 أمثال العدد الذي ذكره التحالف تقريبا. قال مسؤولون عسكريون أمريكيون إن أعضاء التحالف باستثناء الولايات المتحدة مسؤولون عن 80 على الأقل من الوفيات الـ 484، لكن لم يعترف أي من الأعضاء علنا بالمسؤولية.
إضافة إلى تقارير التحالف، فإن كل دولة عضو عليها مسؤولية فردية بموجب القانون الدولي بإجراء تحقيقات مستفيضة وفورية ومحايدة في الانتهاكات الجسيمة المزعومة للقانون الدولي الإنساني أثناء الغارات التي شاركت فيها. تتباين أعمال توثيق وتحقيقات أعضاء التحالف فيما يخص الخسائر المدنية.
رغم أن التحالف يجري حاليا تقديرات مبدئية مشتركة للخسائر المدنية المزعومة، فإن على الأعضاء عدم الاعتماد على أعضاء آخرين بالتحالف، أو على تقارير التحالف، في جمع المعلومات أو تقييم ما إذا كانت الغارات التي نفذوها ملتزمة بالقانون.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على التحالف والدول الأعضاء التي تدير عمليات بالمنطقة والسلطات العراقية، التحقيق في أدوارهم في الهجمات التي ورد تسببها في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، بما يشمل عن طريق مقابلة الناجين، وعدم الاعتماد على تقارير التحالف و/أو تقديرات الضرر اللاحق جراء المعركة. إذا ظهرت أدلة على وقوع جرائم حرب – بما يشمل الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب بقصد إجرامي – فلابد من الملاحقة القضائية لأي جناة، بما يشمل القائد المسؤول، بموجب مبدأ مسؤولية القيادة.
كما أن غياب التعويض لضحايا عمليات التحالف ما زال مسألة مقلقة. قال ناطق باسم التحالف لـ هيومن رايتس ووتش إن التحالف تلقى طلبي تعويض لا أكثر، وقدم تعويضات مادية على سبيل العزاء منذ بداية عملية العزم الصلب. على أعضاء التحالف المشاركين في العمليات العسكرية اتخاذ خطوات مناسبة للتحقق من الخسائر المدنية، والتعرف على الضحايا، وتسليم التعويضات المناسبة في حال مخالفة القانون الدولي. كما توصي هيومن رايتس ووتش بتقديم تعويضات مادية على سبيل “العزاء” – دون سند قانوني بالضرورة – جراء الضرر اللاحق بالمدنيين.
قالت موتابارثي: “على الدول ألا تختبئ وراء التحالف وتنفض يدها من المسؤولية. على أعضاء التحالف تحمل مسؤولية الهجمات التي نفذوها عن طريق التحقيق في الوقائع التي ربما تمثل انتهاكات جسيمة، خاصة في ظل عدم كفاية تحقيقات التحالف”.