حيدر العبادي ونظرية ‘الحكم للجميع’ / إبراهيم الزبيدي
لكي تتحقق المصالحة والعدالة ونظرية ‘الحكم للجميع’ نريد أن يجرؤ رئيس وزرائنا الذي أتت به المرجعية وأميركا وإيران باسم محاربة الفساد.
إن أسوأ ما يفعله الرؤساء العراقيون الثلاثة، الجمهورية والوزراء والبرلمان، هو أن يرتدي أحدُهم قناع المصلح الوطني الباحث لرعيته عن المصالحة والعدل والمشاركة في الحكم، وهو العالم، قبل غيره وأكثر من غيره، بأن وجوده، أصلا، هو أحد أهم العوائق التي تعترض المصالحة، وتغتال العدل، وتشكل سدا منيعا أمام أي احتمال لأي مشاركة وطنية حقيقية في الحكم.
فكل واحد منهم جاءت به المصادفة والمحاصصة والفـوضى غيـر الخـلاقة التي زرعها الاحتلالان، الأميركي والإيراني. ولقنـاعته بأنه لو فقـد كرسيه المـذهب لا يصبح منبوذا فحسب بل مطاردا ومطلـوبا من عشـرات الـذين ظلمهم وسرق أمـوالهم، صار لا يكره شيئـا أكثر مـن العـدل والمصالحـة وحكم الشعب الحقيقي غير المغشوش.
ودعوة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى “الحكم للجميع” أشبه بالحديث عن الصعود إلى القمر. فكلاهما ممكن، ولكن فقط إذا توفرت له العزيمة والأدوات اللازمة. فهل لدى حيدر العبادي ولدى حزبه، حزب الدعوة، عزيمة؟ وهل في حوزتهما الأدوات الواجبة لركوب الفضاء وبلوغ القمر؟
إنه بدعوته تلك يظلم طائفته حين يتهمها باحتكار السلطة وحرمان باقي العراقيين منها، وهي الضحية التي لا تقل مظلوميتُها، في زمن حكم أبنائها الفاسدين، عن غيرها من العراقيين المهمشين والمخدوعين والمهجرين والمبعَدين والملاحقين.
أليست كافيةً لإثبات ذلك كلُ الانتفاضات والتظاهرات وحفلات القذف بالأحذية والحجار التي يستقبل بها أبناء المحافظات العراقية الجنوبية كبار الحكام المنافقين المنادين بالثأر للإمام الحسين من أحفاد يزيد؟
وهو حين يخاطب “طائفته” الشيعية، ويطلب منها أن تُشرك “الجميع” في حكم العراق يرتكب مخالفتين، الأولى أنه يطلب شيئا ممن لا يملكه، والثانية أنه يعلم أن من يمنع “الجميع” من المشاركة في الحكم ليست طائفة، بل شلة من انقلابيين لا يختلفون عمن سبقهم من انقلابيين سرقوا الحكم بدبابة ثم رحلوا بدبابة، متسلطين على طوائفهم وقبائلهم بالسلاح الوارد إليهم من خارج الحدود، وبالمـال المسروق من جيوب العراقيين، وبمهاراتهم في الخداع والغش والتآمر والمتاجرة بالشعارات والشهادات المزورة.
ترى، لماذا لا يذهب حيدر العبادي الذي يطالب “طائفته” الشيعية، تلفزيونيا، بإشراك “الجميع” في السلطة، إلى قادة حزبه، حزب الدعوة، وإلى أقطاب بيته الشيعي ورفاقه في التحالف “الوطني” فيطلب منهم الرحمة بالرعية، وشيئا من أخلاق وضمير؟
فلا يمكن أن يُبرئ العراقيون أيَّ واحدٍ من أفراد الشلة الحاكمة، شيعيا كان أو سنيا، عربيا أو كرديا، مسلما أو مسيحيا، منذ أول أيام مجلس الحكم سيء الصيت وإلى اليوم، من مسؤولية الفشل والفساد وضياع الكرامة والسيادة والاستقلال. فهم جميعا، ودون استثناء، مشاركون في إيصال الوطن إلى الحضيض الذي يصنفه به العالم، اليوم، بأنه الأسوأ بين بلدان الكرة الأرضية الفاشلة التي لا تصلح للاستخدام البشري المعقول.
ولكي نصدق أن حيدر العبادي مخلص حقا في دعوته لإشراك “الجميع” في إدارة الدولة فإن عليه أن يبدأ بنفسه فيستقيل، لأنه ثمرة من ثمار المحاصصة الطائفية الاحتكارية، وأحد منتجات الفساد الانتخابي، ثم يدعو رئيس الجمهورية إلى الاستقالة لأنه، الآخر، جاء بالمحاصصة وأثبت بُعده عن النزاهة والاستقامة والوطنية واحترام الذات، ويناشد رئيس البرلمان وجميع الوزراء والبرلمانيين أن يقدموا استقالاتهم جَماعيا، لكي يُتاح للشعب العراقي اختيارُ حكومة إنقاذ وطني مؤقتة من مستقلين معروفين بالنزاهة والأمانة والخبرة والكفاءة وأصحاب شهادات غير مزورة، لتكتب للعراقيين دستورا جديدا غير ملغوم وغير مغشوش، وتضع قانونَ انتخابٍ جديدا يمنح كل مواطن صالح فرصة الفوز بثقة ناخبيه بجدارة، وليس بالمال ولا بقوة السلاح.
ولكي نصدق أن رئيس وزرائنا راغب حقا في أن يصبح حبيب الشعب وزعيمه الأوحد ويَخلد في التاريخ بطلا من أبطال التحرر والكرامة والشرف نطالبه بأن يفعل ما فعله الرئيس التنزاني جون ماغوفولي، السبت، حين فاجأ شعبه بقرار تسريح 9 آلاف و932 موظفا حكوميا قدموا شهادات مزورة عند تعيينهم. وأشار إلى أن الحكومة تخسر ملايين الدولارات سنويا جراء رواتب موظفين وهميين، وقد أقيلوا الآن من القطاع العام.
ولكي تتحقق المصالحة والعدالة ونظرية “الحكم للجميع” نريد أن يجرؤ رئيس وزرائنا الذي أتت به المرجعية وأميركا وإيران باسم محاربة الفساد وقيادة حملة الإصلاح فيُمكنَ العدالة من أيِّ واحد من شركائه الحكوميين والبرلمانيين متهم بالاختلاس والخيانة والعمالة للأجنبي، وبالأخص رفاقَه في حزب الدعوة والتحالف الوطني، على سبيل المثال.
وأن يُطلق سراح السجناء السياسيين والأسرى والمحتجزين، ويسمح بعودة المعارضين المقيمين خارج الوطن، ويعوض المتضررين عن كل ما أصابهم، من أيام مجلس الحكم ثم شهور حكم رئيس وزراء نقل السيادة أياد علاوي، فنوري المالكي وحزب مام جلال وكاكا مسعود وقاسم سليماني ووكلائه العراقيين، ويعيد إلى سَكَنه السابق كلَّ من تم إسكانُه، بالقوة، لأغراض التغيير القسري للتكوين الديمغرافي في مدن وقرى ومحافظات الوطن، شرقه وغربه، جنوبه وشماله، ويسحب سلاح الميليشيات، ويُرشِّد عملَ الأجهزة الأمنية والمخابراتية، ويُغلق المساجد والحسينيات التي ثبت بالأدلة أنها بؤرُ تخريبٍ مهمتُها تجهيل المواطنين وتضليلهم بالخرافات والتلفيقات وترويج الأحقاد، ثم يُوقف الإنفاقَ الحكومي على الشعائر الدينية، لكل الطوائف والأديان، ويمنع تعطيل دوائر الدولة في المناسبات الدينية.
ويَعتبر من يتغيب عن عمله بسبب المشاركة في هذه الاحتفالات والطقوس مقصرا يتحمل نصيبه من العقاب، ويَمنع تدريس قصص التاريخ القديم، وأغلبُها ملفق ومفتعل، في جميع مراحل الدراسة، ويحاسب الفضائيات والإذاعات والصحف على أي نوع من أنواع التحريض على العنف والكراهية وتعميق الاختلافات الطائفية والقومية والدينية بين العراقيين، ويطرد جميع أصحاب الشهادات المزورة.
ويحكم عليهم بإعادة ما أخذوه من المال العام بتلك الشهادات، وبأثر رجعي، ويضع أنظمة ولوائح محكمة واضحة لتعيين الموظفين وتحديد سلم رواتبهم، ويطالب حكومات الدول الشقيقة والصديقة، بعد إصلاح العلاقة معها، بتزويد الحكومة العراقية بكشوف حسابات المسؤولين العراقيين، سابقين وحاليين، في مصارفها ومؤسساتها المالية كافة، ويأمر بإعادة تقييم ظروف تعيين أقارب الرؤساء والوزراء والمدراء، وطرد من يثبت أن تعيينه تم مجاملة أو تنفيعا ودون استحقاق، من عام 2003 وإلى اليوم.
ويأمر باستعادة الأراضي والمباني العامة التي احتلها رئيس أو نائب رئيس أو وزير أو نائب أو زعيم حزب أو رئيس ميليشيا، وأن يمنع السفراء والقناصل العرب والعجم والأجانب من استقبال رؤساء الأحزاب والميليشيات والوزارات والمؤسسات، والتدخل في الشأن العراقي الخاص.
هذه كل أحلامنا الجميلة التي بها وحدها تتحقق المصالحة، والعدالة، ويتمكن “جميع” العراقيين، حتى المغضوب عليهم، من المشاركة في الحكم، إن كان، وإن كانوا من الصادقين.
كاتب عراقي
إبراهيم الزبيدي