يتحاصصون حتى فـي فسادهم! / عدنان حسين
نشرت وكالة رويترز أول من أمس خلاصة مقابلة ممتعة (صحفياً) ومثيرة للاهتمام مع رئيس هيئة النزاهة، لكنها لا تثير التعجب أو الاستغراب، فنحن في العراق، بلد العجائب الذي يعيش زمن الغرائب من كل صنف ولون.
هيئة النزاهة المعهودة إليها أصعب مهمة في عهدنا الجديد غير التليد، هي مكافحة الفساد الإداري والمالي المتفشي في مختلف أركان الدولة والمجتمع على نحو لا مثيل له إلا في ثلاث أو أربع دول أخرى في العالم. والهيئة هي إحدى الهيئات الموصوفة بـ “المستقلة”، ولم تكن يوماً مستقلة، فتشكيل مجالسها يتم على وفق نظام المحاصصة الذي وضعته الطبقة السياسية المتنفذة قيد التداول بدلاً عن الدستور، بل حتى وظائف المناصب المتوسطة والدنيا في هذه الهيئات تعبث بها أصابع الأحزاب الحاكمة على هواها ووفقاً لمصالحها. وعدم الاستقلالية هو ما جعل رئيس الهيئة الحالي، حسن الياسري، يقدّم استقالته بعد نحو سنة من تعيينه في المنصب في مثل هذا الوقت من العام 2015، بيد أن رئيس الوزراء حيدر العبادي رغب في أن يواصل مهامه، موافقاً على رؤية لمكافحة الفساد قدّمها الياسري الذي يواجه الآن مشقّات جمّة في تحقيقها، تحدّث عن أهمها في مقابلة رويترز.
من هذه المشقّات، كما نقلت رويترز، أن السلطات لم تتخذ إجراءات إلا في 15 بالمئة من 12 ألف قضية فساد أجرت الهيئة تحقيقات بشأنها وأحالتها إلى القضاء العام الماضي، ولهذا السبب أبلغ الياسري الوكالة الاخبارية بأنه “متألم جداً” حيال هذه الحال.
بيد أن رئيس هيئة النزاهة يواجه مشقة أخرى لا تقلّ وطأة عن موقف السلطات القضائية، فعلى الدوام يتعرّض هو للانتقاد والضغط من التكتلات السياسية التي اعتادت استخدام سيطرتها على الوزارات لتقديم الخدمات لأنصارها. الأحزاب الكردية والسنّية تتهم الياسري (الشيعي)، كما تنقل رويترز عنه، بمحاباة الاحزاب الشيعية، فيما الأخيرة تتهمه بالتركيز على ملاحقة الفاسدين الشيعة.
الياسري يُبلغ رويترز بحادثة على هذا الصعيد مفادها أنه في إحدى المرات زاره في مكتبه بالمنطقة الخضراء “مسؤول بارز” ليعبّر عن انزعاجه لأن “كل هؤلاء الذين أحلتهم إلى القضاء هم شيعة”!، وليطلب من الياسري بأنه “يجب أن يكون هناك توازن. يجب أن يكون هناك سنّة وأكراد”!، وقد رد الياسري بالقول “نحن لا نعمل هذا الكوكتيل”!
لتأكيد عمق مشكلة الفساد في العراق وعواقبها الكارثية أعادت رويترز إلى الأذهان أن اللجنة التي شكّلها مجلس النواب في العام 2014 للتحقيق في أسباب سقوط مدينة الموصل بسهولة في أيدي تنظيم داعش الإرهابي إثر فرار القوات المسلحة منها من دون قتال في ذلك العام، قد خلصت في تقريرها إلى أن الفساد في صفوف الضباط كان أحد أسباب ذلك، حيث كان الضباط يختلسون رواتب جنود وهميين (فضائيين).
ما أهنانا بطبقة سياسية كهذه، ليس همها مكافحة الفساد إنما “احترام” مبدأ المحاصصة فيه أيضاً.. !!