لن يكون الفاسدون مصلحين / بقلم: فاروق يوسف
متاهة تخلط بين ما هو أخلاقي وما هو حلال وحرام، حتى تضيع المساءلة في عراق الفساد
حين يتصدر السياسيون الفاسدون في العراق صفوف المنادين بالإصلاح ومحاربة الفساد فإن ذلك معناه أن هناك خطأ ليس هينا في تعريف الفساد وهو ما يعيق عملية التعرف على الفاسدين.
بعيدا عن القيم الأخلاقية التي تم تشويهها وسط متاهة الحلال والحرام حيث يجيز بعض رجال الدين سرقة المال العام بذرائع شرعية شتى فإن القانون هو الآخر جرى تعطيله حين وقعت سلطة القضاء فريسة لنظام المحاصصة الطائفية والحزبية.
لذلك لم يُحاكم أحد من الحيتان الكبار بتهمة الفساد.
لم تطل شبهات الفساد إلا موظفين صغار، لا يملكون جدارا يستندون عليه ولا وطنا بديلا يشدون الرحال إليه إذا ما شعروا بالخطر.
وقد لا يكون نوعا من المبالغة القول إن الكشف عن آلية عمل ماكنة الفساد لن يكون عملا يسيرا، ذلك لأن تلك الماكنة كانت قد صُممت بطريقة محكمة لا تسمح بوقوع ثغرات يمكن من خلالها التسلل إليها.
لقد رتبت مافيات الفساد أحوالها في ظل نظام يضمن لها الاستمرار في النهب إلى وقت غير منظور. أي أن تلك المافيات تخطط لبقائها من خلال نجاحها في لي ذراع القانون، بحيث تتخذ جميع عمليات الفساد طابعا قانونيا.
هناك شواهد ماثلة للعيان على ما شهده العراق طوال السنوات الماضية من عمليات فساد، جرى من خلالها تسريب المال العام بطريقة سلسة كان البنك المركزي في أحيان كثيرة طرفا فيها.
غير أن غياب الآلية الادارية والحسابية والرقابية التي من شأن وجودها أن يضبط حركة الانفاق الحكومي ساعد على إخفاء أي أثر لوقوع جريمة أو هدر أو التصرف غير المسؤول.
كما لو أن العراقيين وضعوا أموالهم في عهدة لص، سرعان ما استقوى عليهم بسلاح الميليشيات فإن الأحزاب المهيمنة على السلطة ديمقراطيا لا ترى لا الآن ولا في المستقبل إمكانية لقيام الشعب بمحاسبتها ومطالبتها بإبراء ذمتها أو تقديم تفسير لتضخم ثرواتها وثروات زعمائها وقيادييها وأعضائها المنتشرين بين بلدان اللجوء.
ما هو مؤكد أن خزانة العراق صارت مجرد مكان مؤقت لتجميع إيرادات النفط التي لا تمكث هناك طويلا حيث يتم تحويلها بخفة إلى حسابات أشخاص، صار من حقهم أن يستلموا حصتهم الثابتة من الغنيمة شهريا.
وهو ما يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية في ظل استمرار الدعم الأميركي ــ الإيراني للنظام القائم في العراق.
كانت القاعدة التي تم من خلالها إرساء لعبة الفساد قد قامت على تطبيع تلك اللعبة من خلال إشاعة الفساد في المجتمع.
وهنا بالضبط صار طبيعيا أن يفقد العراقيون البوصلة التي تجعلهم في منأى عن الانغماس في الفساد من خلال هدايتهم إلى طرق النزاهة والعفة. تلك الطرق التي صارت تتصدرها صور الفاسدين باعتبارهم دعاة للإصلاح.
ما يجري في العراق هو حدث غير مسبوق في التاريخ.
نظام سياسي يقوم بأكمله على تصريف شؤون شعب عن طريق استعمال مفردات الفساد بشتى أنواعها فيما الشعب المتضرر من ذلك السلوك يسعى إلى الاستفادة من الفوضى التي خلقها الفساد لتنتهز فئات منه فرصتها للإثراء غير المشروع.
لقد جرت تعبئة كل القضايا التي تمس حياة الشعب العراقي بمادة مسمومة، كان فساد الأحزاب التي تتقاسم غنائم السلطة مصدرها بل صانعها. وهو ما أدى إلى أن تفسر الكوارث التي ضربت العراق بسبب الفساد بطريقة ملتوية وزائفة كما حدث مع كارثة هزيمة القوات العراقية وتخليها بيسر عن مدينة الموصل وتسليمها إلى داعش.
لو وقع ذلك الحدث في أية دولة أخرى لأطاح بالحكومة وعرضها للمساءلة القانونية ولكن في العراق جرت الأمور بطريقة مختلفة، بحيث علت أصوات الفاسدين المسؤولين عن وقوع تلك الكارثة لتوزع الاتهامات على جهات مختلفة، بطريقة طائفية فيما ظل الشعب صامتا.
كان من الممكن ان يفقد الفاسدون روح المبادرة لو أن الشعب كان قد استوعب الدرس جيدا من خلال ادراكه أن الإصلاح لا يتم عن طريق الفساد وأن الفاسدين لا يمكن أن يكونوا مصلحين.
أن يكون الفاسدون هم المصلحين فإنه أمر لا يستقيم. وهو ما يجب أن يدركه الشعب العراقي وهو يتعرض لأكبر عملية تضليل في حياته.