لقاء تشاوري سني هز شيعة إيران / هارون محمد
لقاء أنقرة دعا الأطراف الشيعية المتنفذة، إلى التخلي عن سياساتها الطائفية التي سهلت لتنظيم داعش احتلال ثلثي مساحة العراق، وطالبها بتبني مبادئ العدل والإنصاف في التعاطي مع المكونات العراقية.
يتوسل قادة الأحزاب والكتل الشيعية خلف الكواليس وعبر القنوات السرية بشخصيات سياسية وقيادات اجتماعية سنية عربية، طي صفحة الماضي القريب، وما تركته من آثار وكوارث في العراق، والبدء بحوار وطني (هكذا يقولون) لتسوية المشاكل التي خلفها الاحتلال الأميركي وحل الأزمات التي افتعلتها الحكومات المتعاقبة، ولكنهم عندما يلاحظون نشاطا لطرف أو لأطراف سنية، حتى على مستوى التشاور، يرتجفون خوفا، وكأن أفعى قد لدغتهم وورمت ألسنتهم، لتقذف مفردات مليئة بقبح الكلام واتهامات التخوين.
إنها لعبة صغار لم تعد تنطلي على أحد، وقد كشفت الأحداث منذ بدايات الاحتلال، أن القيادات الشيعية التي وفدت على العراق، لا تحسن غير الدس والافتراء والشتم والرياء، ولا تصلح لإدارة دولة مثل العراق، زاخرة بالكفاءات في جميع الميادين والمجالات، بينما هي متخلفة وتحمل عقد نقص وضحالة فكرية، والمفارقة المدهشة أن الكثير من هذه القيادات ممن لجأوا وعاشوا في دول أوروبية وولايات أميركية وكندية، لم يستفدوا من تحضرها وإنجازاتها، وإنما اشتدوا في نفاقهم السياسي وغالوا في طائفيتهم مما يؤكد أنهم معوقون نفسيا وفكريا ولم يشفوا من عوقهم رغم ما قدمته تلك الدول لهم من خدمات وتعليم ورعاية صحية ومعيشية.
ومن هذه النماذج شخص يدعى خلف عبدالصمد، كان معلما في البصرة، اعتقل نهاية الثمانينات واعترف بانتمائه إلى حزب الدعوة المحظور (آنذاك)، ولكن السلطات الحكومية أطلقت سراحه بموجب عفو رئاسي، وغادر إلى أوروبا لاجئا وتنقل بين دولها يقبض من حكوماتها رواتب ومخصصات سكن وتأمينات صحية، إلى أن اكتشف احتياله عند تطبيق نظام (البصمة) في الاتحاد الأوروبي، واضطر إلى اختيار هولندا والإقامة فيها، وعاد إلى العراق عقب احتلاله مدعيا بأنه حصل على شهادة الدكتوراه وعين محافظا للبصرة ثم نائبا عن حزب الدعوة وهو الآن رئيس كتلة الحزب البرلمانية، وقد أوردنا اسمه وسيرته “الجهادية”، لأنه أطلق تصريحا مضحكا عن اللقاء السني التشاوري الذي شهدته أنقرة في الثامن من الشهر الحالي، عندما وصفه “بأنه يندرج ضمن مخطط لحماية إسرائيل” مع علمه مسبقا أن المجتمعين الـ24 ليسوا زعماء دول ولا رؤساء حكومات ولا قادة فيالق، حتى يرسموا سياسات ويهيئوا قطعات عسكرية لحماية إسرائيل من شبح هجوم يعشش في رأس هذا “الدكتور” المزور.
وإذا كان منطق عضو مكتب سياسي لحزب حاكم، ومحافظ سابق وبرلماني حالي، على هذه الصورة، فلماذا نلوم مواقف نائبة زميلة له في ائتلاف دولة القانون، اسمها عالية نصيف، التي سارعت إلى محكمة في جانب الكرخ وسجلت شكوى ضد أحد المشاركين في اللقاء التشاوري وهو الشيخ خميس الخنجر، الأمين العام للمشروع العربي، طالبت بمحاكمته وفق المادة “4 إرهاب” التي ابتدعها نوري المالكي وخصصها لملاحقة الآلاف من السنة العرب حصرا، وبالتأكيد فإن النائبة المحترمة، وهي تطلع على تصريحات زميلها ورئيس كتلتها الـ“خلف”، قد انتعشت وزادت حيويتها، وربما تسرح في خيالها وتصدق أوهامها، بأن الشيخ الخنجر صار يرتجف رعبا عند سماعه باسمها.
وعودة إلى اللقاء التشاوري الذي عقد في أنقرة، بمشاركة مجموعة ضمت شخصيات بعضها يشارك في العملية السياسية، وأغلبها يتحفظ عليها ويدعو إلى إصلاحها، وبحضور ممثلين رسميين من تركيا والسعودية والإمارات وقطر والأردن، فإنه كرس للبحث في جملة من القضايا العراقية أبرزها: بلورة رؤية سياسية واجتماعية لمستقبل المحافظات السنية المدمرة بسبب سيطرة داعش عليها واحتدام العمليات العسكرية فيها، ورسم خارطة طريق جديدة تؤمن السلم والاستقرار في مناطقها، وتسهيل عودة أربعة ملايين نازح ومهجر سني إلى ديارهم ومدنهم، ووضع مشروع دولي وعربي لتعمير ما خربه الاحتلال الداعشي، بعد عجز الحكومة العراقية عن المساهمة في خطط الإعمار والتنمية.
ودعا اللقاء الذي استمر يومين، الأطراف الشيعية المتنفذة، إلى التخلي عن سياساتها الطائفية التي سهلت لتنظيم داعش احتلال ثلثي مساحة العراق، وطالبها بتبني مبادئ العدل والإنصاف في التعاطي مع المكونات العراقية، وتكريس سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ونبذ إجراءات التهميش والتمييز والاجتثاث، وإصلاح العملية السياسية التي يعترف الجميع بما فيهم أهل الحكم أنفسهم، بعيوبها وانحرافها.
هذه أبرز التوصيات التي أصدرها المشاركون في لقاء أنقرة التشاوري الذي تبلغت به الرئاسات الثلاث في بغداد رسميا ورحبت به، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا استشاط حزب الدعوة وعملاء إيران غضبا على اللقاء، وتوصياته التي تصب في خدمة العراق وتسعى إلى النهوض به بعد سلسلة الكوارث التي ضربته نتيجة ممارسات الحكومات المتعاقبة التي رأسها قادة هذا الحزب الطائفي الفاسد؟
واضح أن سخط موالي إيران على اللقاء نابع من نظرة طائفية حقودة لا تريد للمحافظات السنية العربية أن تنهض وتزيح ركام الخراب الذي دمر مناطق وبلدات فيها بالكامل، ولا تريد أيضا للدول العربية أن تساهم في إعمارها لتبقى مدن أشباح لا حياة فيها، حتى يتيسر لها القضاء على الملايين من السنة العرب بالإقصاء والتهجير والملاحقات الكيدية، والدليل على ذلك أن الميليشيات الشيعية العميلة لإيران، ما زالت تمنع الملايين من النازحين من العودة إلى مناطقهم في جرف الصخر بشمالي بابل ومحافظتي ديالى وصلاح الدين رغم مرور عامين على تطهيرها من داعش.
لقد انتبه السنة العرب من فرط ما كابدوه من ظلم وعدوان طيلة السنوات السابقة إلى ضرورة تنازل بعضهم لبعض وتجاوز الخلافات الشكلية بينهم، والتوجه لخدمة بيئتهم وأهلهم ومناطقهم، بعد أن تفهم العالم والدول العربية والإسلامية قضاياهم العادلة، وباتوا وحدهم من يحدد خياراتهم المستقبلية، ولن يقبلوا بعد الآن ما يقرره الآخرون لهم.
كاتب عراقي
هارون محمد