التسويات المتعددة / باسل محمد
بسؤال مباشر، هل ان قيام السياسيين العراقيين كل على انفراد بتقديم عروض مشاريع تسوية وطنية هو أمر ايجابي أم سلبي؟، بمعنى هل ان تعدد الرؤى والأفكار والمواقف لدى النخبة السياسية العراقية في موضوع التسوية الوطنية لمرحلة ما بعد هزيمة تنظيم داعش الارهابي في العراق هو شيء سيئ أم شيء جميل ورائع ؟
بنظرة مثالية، يمكن القول بأن تعدد مشاريع التسويات الوطنية هو أمر في غاية الروعة لأنه يعكس نضجا جمعيا لدى السياسيين الذين سارعوا الى طرح تسوياتهم لمرحلة ما بعد هزيمة الارهاب في مدينة الموصل، فالجميع أدرك لوحده مسألتين: الاولى هي ان تحسن الوضع العراقي لا يرتبط حصراً بهزيمة داعش بل بتنفيذ خطوات مفيدة وبنتائج ملموسة لحياة العراقيين ومدنهم وأعمالهم واحلامهم. والثانية، ان هذا التعدد في التسويات اظهر حرص هؤلاء السياسيين على أن تكون المرحلة المقبلة بعد داعش أفضل وبأن تقويض الفكر والخيار الارهابي يحتاج الى أكثر من حل عسكري وأمني.
في بعض دلالات النظرة الايجابية لتعدد مشاريع ومسودات التسويات الوطنية، نرى أنه يمكن للسياسيين العراقيين أن يعثروا على مسودة تسوية هي الأفضل والأنجع والأذكى لأن تعدد الأفكار يغني المنهج وتعدد الروح الوطنية يقوي الاصلاح وتطوير الأوضاع الى الافضل.
نبقى في المعاني الايجابية الجميلة لتعدد مسودات السياسيين العراقيين للتسويات في مرحلة ما بعد زوال احتلال داعش للمدن والبلدات العراقية، فكل هذه المبادرات تعني أن العقل السياسي العراقي العام بدأ يحصل على المزيد من النضج والذكاء في ادارة البلد لأن التفكير بنظام سلم يجمع العراقيين هو موضوع حيوي للاقتصاد والسياسة والأمن وترابط العلاقات الانسانية في المجتمع العراقي.
الآن، لكي لا تبقى التسويات المطروحة المتعددة مجرد أمنيات أو نظريات أو شعارات انتخابية أو مبادرات عاطفية موجهة الى الرأي العام العراقي لاستمالته، فإنه يجب أن يترجم كل هذا التعدد في رؤية السلم في العراق الى مؤسسات علمية وطرق علمية وادارة علمية غير سياسية، فهل ان السياسيين العراقيين مستعدون لتحول كبير وواسع بهذا المستوى في تطبيقات السلم وليس كلام السلم والتسويات.
أكثر ما نخشاه كعراقيين، هو أن تتحول التسويات المتعددة المطروحة الى حوارات توافقية بين السياسيين، بمعنى التوافق على نظام السلم وهذا أمر سلبي للغاية لأن السلم هو خيار حياة ووجود ونهضة للعراقيين ولا يمكن اخضاعه للتوافق السياسي والمزاج السياسي والمصلحة السياسية التي برهنت طوال السنوات السابقة بأنها تمثل شريحة من الجمهور السياسي وليس كل الشعب العراقي.
كما نتوجس كعراقيين، من أن تتحول مشاريع التسويات المتعددة المطروحة الى مزايدات سياسية واتهامات متبادلة بين السياسيين أنفسهم ثم يدخل العراق في مرحلة عصيبة من التناحر السياسي الذي يمكن أن يعود بالعراق الى مرحلة داعش أو يستنسخ مرحلة أسوأ من داعش.
بنظرة منهجية، نقول ان كل التسويات العراقية المطروحة لمرحلة ما بعد داعش ستكون متأثرة بشكل أو بآخر بمواقف وتحالفات اقليمية ودولية وبتوازنات وبمصالح ونفوذ ونتائج حروب داخلية في المنطقة وبالتالي ربما ينتقل العراقيون بسبب مسودات هذه التسويات الى مراحل جديدة من الفرقة والتقسيم لأن البعض الاقليمي بدأ يتحدث عن دولة كردية مستقلة بعد داعش أو اقليم مستقل في المناطق الغربية أو أقاليم مستقلة متنازعة في المناطق الجنوبية للعراق.
ان مرحلة ما بعد داعش في العراق يمكن أن تكون باللون الأسود أو اللون الرومانسي الجميل والنتيجتان بيد العراقيين وحدهم، وعليهم أن يقرروا بين خيارين: أن يكونوا ضعفاء أذلاء في المنطقة أو أقوياء موحدين يصنعون لهم مستقبلا من تفوق السلم والنهضة العلمية.