ما معنى أن تكون الحرب طويلة؟ حرب الموصل ستكون طويلة لأنها لا تُدار عراقيا. بقلم: فاروق يوسف
في ساعات قليلة سُلمت الموصل، ثاني مدن العراق إلى تنظيم داعش. من غير قتال ترك الجيش العراقي أسلحته الحديثة ومضى إلى حال سبيله، فيما فر قادته إلى شمال العراق، حيث الحماية الكردية.
حدث ذلك عام 2014.
الآن وبعد تحضيرات واستعدادات معقدة وكبيرة يجري تحرير المدينة من أجل استعادتها عراقيا. كان متوقعا أن تكون المعركة قصيرة وخاطفة، تتم التهيئة لها من خلال فتح طريق سوريا أمام أفراد التنظيم الإرهابي من أجل تأمين انسحابهم إلى الرقة.
فما الذي جرى هناك لكي يبدأ الحديث عن حرب، قد تستغرق زمنا طويلا، علما أن الولايات المتحدة تقود تلك الحرب بنفسها، مستعينة بعدد من حلفائها، مما يلقي بظلال من الشك على قدرات الجيش العراقي القتالية؟
بالتأكيد وبناء على كل المعطيات الواقعية فإن الجيش العراقي لن يتمكن من تحرير الموصل وحده. ما يقوله الإعلام الرسمي العراقي هو شيء وما تقوله حقيقة المؤسسة العسكرية التي هشمها الفساد هو شيء آخر.
ما أسفرت عنه السنوات الماضية من وقائع يؤكد أن ذلك الجيش يصلح لقمع المتظاهرين والمعتصمين المدنيين غير أنه لا يصلح أن يكون سورا للوطن، كما تقول الأغنية العراقية التي كنا نسمعها واختفت، كونها جزءا من مخلفات العهد البائد. كانت الاغنية التعليمية تقول “الجيش سور للوطن”.
وكما يبدو فإن العراق لم يعد في حاجة اليوم إلى سور.
البلد في حقيقته هو محمية أميركية ولا يزال خاضعا لشروط الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فهو لذلك بلد ناقص السيادة. يمكنه أن يكون من غير جيش. لم تجر تعبئته بالميليشيات الإيرانية إلا من خلال موافقة أميركية. في مقابل أن يتم اختراقه من قبل تنظيمات إرهابية لعبت دورا كبيرا في تدمير البنية الاجتماعية في المناطق التي سيطرت عليها، ومنها الموصل.
ما كان من الممكن أن تتحول معركة تحرير الموصل إلى حرب طويلة الأمد لو لم يتم اخضاع المدنيين في تلك المدينة المشهورة بوطنيتها إلى تجارب مختبرية من أجل تدمير وطنيتهم وهدم ثوابتهم القومية.
العراقيون في كل مكان كانوا قد تعرضوا لعمليات منظمة لهدم وطنيتهم وتدمير ثوابت انتمائهم العربي. هذا ما لا ينكره أحد. غير ان ما تعرض له المقيمون في المناطق التي احتلها تنظيم داعش من جحود ونبذ وإنكار وطني هو بمثابة مقياس لما انتهى إليه العراقيون من خواء على مستوى التفكير بشراكتهم الوطنية التي لم تعد ممكنة.
لذلك فإن جيشهم الذي قيل إنه يقف عند حدود الوطن لم يكن في حقيقته وطنيا. كان ذلك الجيش عبارة عن ميليشيا طائفية. وهو أمر، لا يمكن تقبله في كل الاحوال. فالجيش بالنسبة لكل الشعوب هو خزانة ضميرها الوطني وهو حارسها المؤتمن وهو أملها في الخلاص والإنقاذ في اللحظات الحرجة.
بعد أن كشف رئيس الوزراء حيدر العبادي عن وجود عشرات الالاف من الجنود الفضائيين، هل يمكن أن يثق العراقيون بجيشهم؟
حرب الموصل ستكون طويلة لأنها لا تُدار عراقيا.
ذلك هو السر الذي لن يتورط أحد في الكشف عنه.
يكمن لغز تلك الحرب في معرفة الجهة التي تقاتل داخل الموصل.
إذا ما اتضح أن تنظيم داعش قد تمت التغطية على عملية هروبه بنجاح فإن من يقاتل في الموصل هم شبابها. وهو ما يعني أن الخيانة المزدوجة قد ألقت بأولئك الشباب في جحيم هاويتها.
فبعد أن خذلتهم القوات العراقية ها هو داعش يضعهم في فوهة المدفع وينسل بعيدا عن جبهات القتال. ما يتوقعه الأميركيون من صمود انتحاري إنما يكتسب مصداقيته من تلك الخيانة المزدوجة.
إنسانيا يمكن تفهم أسباب تلك الحرب الطويلة ولكن على المستوى الوطني فإن الخسائر كبيرة.