الشركات الخليجية بالعراق على محك أزماته السياسية والامنية
بعض الشركات تلجأ للتحكيم الدولي لنزاعات الاستثمار لتسوية خلافاتها مع العراق وتتأهب للخروج باستثماراتها لأسواق بديلة أكثر استقرارا.
زين أبرز المتضررين
تواجه شركات خليجية صعوبات في استثماراتها بالعراق، ما دفعها إلى التحكيم الدولي للحصول على حقوقها وإلزام الحكومة بتعاقداتها.
وقال خبراء ومحللون اقتصاديون إن تزايد العقبات والتحديات أمام استثمارات الشركات الخليجية في العراق، قد يدفعها للخروج من استثماراتها هناك وضخها في أسواق بديلة، في ظل المصاعب الاقتصادية التي تعانيها تلك الشركات.
ويعاني العراق من عدة مصاعب سياسية واقتصادية وأمنية، بفعل حربه ضد الإرهاب، إضافة إلى تراجع أسعار النفط الذي أدى إلى اختلالات وعجز قياسي في الموازنة العامة.
وقال إبراهيم الفيلكاوي، الخبير الاقتصادي لشركة الدراسات المتقدمة بالكويت، إن بعض الشركات الكويتية تواجه مصاعب كبيرة في استثماراتها بالعراق، أبرزها شركة “أجيليتي” للمخازن العمومية و”زين” للاتصالات.
وأعلنت شركة “أجيليتي”، التي تمتلك الحكومة الكويتية حصة 20 بالمئة منها، الخميس الماضي، إنها تقدمت بطلب تحكيم إلى المركز الدولي لنزاعات الاستثمار لتسوية نزاع استثماري مع دولة العراق، مشيرة إلى أن الطلب بخصوص “مصادرة حكومة العراق بشكل غير مباشر” لاستثمارات الشركة بقيمة 380 مليون دولار في قطاع الاتصالات العراقي.
وقالت “أجيليتي”، في بيان صحفي ، إن الحكومة العراقية لم تحترم التزاماتها وفقا لاتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، والموقعة من قبل العراق والكويت.
من جهته، قال مسؤول عراقي، إن شركة اتصالات عراقية تابعة للقطاع الخاص صادرت استثمارات الشركة الكويتية، بعد رفض هيئة الاتصالات والإعلام (مؤسسة حكومية) الموافقة على إتمام شراكة بين الطرفين.
وقال ناظم كاظم رئيس لجنة الخدمات والإعمار في البرلمان العراقي، إن “شركة أجيليتي الكويتية وشركة كورك للاتصالات العراقية عملتا على تأسيس شراكة بينهما في مجال الاتصالات داخل العراق”، مبينا أن “شركة كورك لم تلتزم بضوابط وشروط هيئة الاتصالات والإعلام بتوسيع عملها جنوب العراق وتحسين خدماتها، لذا تم رفض إتمام الشراكة بين الشركتين”.
وأوضح كاظم أن “شركة كورك للاتصالات العراقية حصلت على قيمة المبلغ من شركة أجيليتي كونها مبالغ مستحقة على الشركة لصالح كورك” مؤكدا أن “الخلاف حصل بين شركة كويتية وشركة عراقية تابعة للقطاع الخاص وليست شركة حكومية”.
ونهاية العام الماضي، أكد وزير العدل العراقي حيدر الزاملي على ضرورة إتباع كل السبل المشجعة على جذب الاستثمار في البلدان العربية وخصوصاً في ما يتعلق بمواضيع التحكيم التجاري وتسوية المنازعات.
وأضاف الفيلكاوي، أن هذه النزاعات تؤثر سلباً على استثمارات الشركات الكويتية في العراق، مما قد يدفع هذه الشركات للخروج باستثماراتها وضخها في أسواق بديلة، تحقق لهم عوائد مجزية.
وفي يناير/ كانون ثاني، قالت شركة الاتصالات المتنقلة “زين الكويتية”، إن وحدتها التابعة في العراق استلمت مطالبة من هيئة الإعلام والاتصال العراقية، لسداد غرامة تبلغ قيمتها 100 مليون دولار.
وأضافت زين، أكبر شركة مشغلة للهاتف المحمول في البلاد من حيث عدد المشتركين، في بيان نشر على بورصة الكويت وقتها، أنها قررت تقديم طعن أمام المحكمة التجارية العراقية، وإثارة مسألة عدم دستورية المادة في قانون الاتصالات التي تحصن قرارات المجلس من الطعن، مؤكدة أنها ستقدم بالطلب إلى المحكمة بقرار يمنع الهيئة بالقيام بأي إجراءات تنفيذية لتحصيل المبلغ حتى الانتهاء من قضية الطعن.
وترجع تفاصيل الأزمة إلى قيام الهيئة العامة للضرائب العراقية، بمطالبة زين العراق بسداد ضريبة أرباح رأسمالية قيمتها 187 مليون دولار ناتجة عن شراء عراقنا بقيمة 1.2 مليار دولار.
وعلى غير العادة حاولت الحكومة فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية على زين العراق، كمشتر للأصول بدلاً من فرض تلك الضرائب على البائع وهو في هذا الحالة أوراسكوم للاتصالات التي جرى تغيير اسمها في وقت لاحق إلى غلوبال تليكوم.
وقال مروان الشرشابي، مدير إدارة الأصول لدى شركة “الفجر” للاستشارات المالية “رغم تزايد استثمارات الشركات الخليجية في العراق لكن ما تزال هناك عدة شركات تواجه تحديات جمة، تهدد استثماراتهما وينبغي على الحكومة العراقية سرعة حلها”.
تهديد مباشر للاستثمار
وبحسب إحصائيات غير رسمية، يبلغ عدد الشركات الخليجية في إقليم كردستان بالعراق نحو 69 شركة في 2016، غالبيتها سعودية وإماراتية وكويتية، تعمل في مجالات الإسكان والسياحة والنفط والصناعات المعدنية، كالحديد والصلب وغيرها، مقابل 42 شركة في 2015، بارتفاع بلغت نسبته 64.2 بالمئة.
وتتركز الاستثمارات الخليجية فيما تُعرف بالمناطق الخضراء، وهي المناطق البعيدة عن خطوط القتال مع تنظيم الدولة الإسلامية عشرات الكيلومترات.
وأضاف الشرشابي، إن “الأوضاع الأمنية في العراق تمثل أيضا تهديداً مباشراً لاستثمارات الشركات الإقليمية والعالمية”.
وفي تصريحات سابقة، أكدت هيئة الاستثمار الوطنية (حكومية)، إن الحكومة أصدرت رزمة تشريعات وتسهيلات خلال العامين الماضيين، لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، مع العودة التدريجية للهدوء في عديد المناطق.
واستقبلت الهيئة في أغسطس/آب، رابع وفد غربي من رجال الأعمال وممثلي شركات استثمار أوروبية وآسيوية مختلفة خلال شهر واحد، بهدف الاطلاع على فرص الاستثمار المتاحة في البلاد التي تكافح من أجل الاستقرار المنشود.
وبحسب هيئة الاستثمار الوطنية، فإن أربعة وفود وصلت إلى بغداد منذ مطلع أغسطس/ آب، للاطلاع على الأوضاع ومعاينة فرص الاستثمار المتاحة، سواء في المدن المحررة من الدولة الإسلامية أو المدن الخاضعة أصلا لسيطرة الدولة.
في سياق مواز، قال باتريك ألمان، الرئيس التنفيذي لشركة “دانة غاز” الإماراتية (خاصة)، إن شركته تترقب صدور حكم إيجابي من هيئة التحكيم الدولي في نزاعها مع حكومة إقليم كردستان العراق.
وكانت دانة التي تقود كونسورتيوم شركات يضم “نفط الهلال”، و”بيرل بتروليوم”، بما فيها “أو. ام. في” النمساوية، و”ام. او. ال” الهنغارية، أقاموا دعوى أمام محكمة لندن للتحكيم الدولي في أكتوبر/تشرين أول 2013، لاستصدار قرار تحكيم ملزم يؤكد على الحقوق الحصرية للائتلاف بموجب العقد المبرم مع إقليم كردستان في عام 2007 وللحصول على المبالغ المستحقة عن إنتاجها.
وأضافت ألمان، في بيان رسمي نشر على موقع بورصة أبوظبي “لم يتم تحديد موعد الجلسات الأخيرة التي ستعالج مطالبات الائتلاف بشأن تأخير عمليات التطوير بطريقه غير قانونية ولكن من المتوقع أن تعقد هذه الجلسات في شهر سبتمبر/أيلول عام 2017”.
ويذكر أن حكومة كردستان ما تزال في حالة إخلال بقرار هيئة التحكيم المؤقت، الصادر في أكتوبر/ تشرين أول 2014، بسداد 100 مليون دولار لائتلاف الشركات كدفعة مرحلية، مما اضطر ائتلاف الشركات إلى طلب تنفيذ هذا القرار من قبل محكمة لندن.
ويقول صندوق النقد الدولي، وفق مذكرة بحثية صدرت عنه أواخر 2016، أن العراق واجه أزمتين متزامنتين منذ النصف الثاني لعام 2014، وهي التمرد الذي يقوده تنظيم الدولة الإسلامية، وصدمة أسعار النفط.
وأضاف الصندوق “كان لهاتين الأزمتين آثار شديدة على الاقتصاد، وتفاقمت مواطن الضعف والاختلالات الهيكلية. وأدت هاتان الأزمتان مع عدم الاستقرار السياسي في عام 2014 إلى تراجع وتيرة الاستهلاك والاستثمار في القطاع الخاص، وتقييد الإنفاق الحكومي، لاسيما على المشروعات الاستثمارية”.