ماذا لو استمرّ حكمُ أبيه؟ / علي حسين
عندما أصدر علي الشوك كتابه ” الأُطروحة الفنطازيّة ” عام 1970 ، كان الأمر أشبه بحدث ثقافي غريب : ” كنتُ أُريد أكتب اللامكتوب ” هكذا يخبرنا في مذكراته التي اختار لها اسم ” الكتابة والحياة ” الصادرة عن دار المدى ، أوراق يأخذنا صاحبها للغوص معه في مرحلة مهمة من تاريخنا السياسي والثقافي ، بدأت في واحدة من أجمل مناطق بغداد ” كرادة مريم ” عام 1930 ، ومرت بمحطات كان فيها مصراً على أن يستبدل دراسة الهندسة المعمارية ، بالرياضيات التي عشقها وغيّرت مصيره بالكامل ليتّجه إلى مهنة واحدة هي الكتابة :” في يوم من أيام 1947، اتخذتُ قراراً في أن أصبح كاتباً! أما الرياضيات التي كنتُ أدرسها، فستكون نزهتي في حياتي ” .
في ” الكتابة والحياة ” نحن أمام شخصية تشبه حكيماً قادماً من زمن مختلف، يخشى على بلاده التي غادرها مجبراً بعد تجربة مريرة مع السجن والتعذيب ، ويخفي خشيته بنوبات من الحنين والآسى أحياناً ، على زمن جعل من العراق مجرد ذكرى لحلم يريد له البعض أن يمرّ سريعاً .
لم يشبه علي الشوك في الثقافة العراقية أحداً. عمل في أقصى غرائب الثقافة وعاش حالما باليوتيبيا التي قرر مع أصدقائه ذات يوم أن يقيموا نموذجاً لها في واحدة من مناطق بغداد ، بعيداً عن أعين السلطة ، رائداً بلا منازع في فن الكتابة الأدبية ، وخبيراً بدقائق اللغة، ملمّاً بقواعدها، سابراً أغوار جملها ومفرداتها وحروفها وكلماتها جميعا .
ما زال يؤمن بأن الأدب يمكن أن يسرّب شعاع نور للمحبطين وللحالمين ، ولهذا انتمى في شبابه للحزب الشيوعي، الذي وجد أفكاره مغرية ، لأنها ببساطة تعد بحلّ التناقضات الطبقية ، و تساوي بين الناس ، لا أحد يستغل الآخر ، هذا هو الحلم الباقي حتى بعد انهيار البلدان الاشتراكية .
في المذكرات نحن أمام كاتب يلاحقه شعور بالذوبان في الجسد الكبير للعراق ، عبر شبكة مختارة من أصدقاء، وأحبّاء، لهم في مذكراته مكان متميز .
أعدت مع ” الكتابة والحياة ” قراءة مرحلة مهمة من تاريخنا ، وكلما خيّل إليّ أنني أعرف علي الشوك من خلال كتبه ، أكتشف وأنا أغوص في المذكرات أنني لا أعرفه جيداً . لأنّ العشاق الكبار أمثاله لا يوجدون لحظة واحدة خارج الكتابة والحياة .
في المذكرات توقفت عند حادثة طريفة يذكرها الشوك:” بينما كنت أُلقي الدرس لطلبة الصف الثالث ، كان في مؤخرة الصف طالبان يثرثران ، أحدهما كان أخا مظفر النواب وكان هذا جالساً الى جوار طالب آخر كان يلغو،فزجرت هذا الطالب وامتثل ، ثم انتهى الدرس وخرجت ، هرول أخو مظفر في إثري ، واقترب مني ، ثم قال لي :” هل تعلم أُستاذ من هو الطالب الذي زجرته ؟
– من هو . . قلت
– إنه ابن رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف
– صحيح قل له يوصل احترامي لوالده .
ويختتم الشوك بجملة مؤثّرة :” كم كنتُ أتمنى لو استمر حكم أبيه “