كيف يلحق حظر السفر الذي فرضه ترامب الضرر بمحاربة “داعش”؟
في عموم العالم العربي، يقوم حظر السفر بنزع الثقة الحاسم لتقاسم الاستخبارات، بينما يشعر القادة والمقاتلون الذين خاطروا بأرواحهم بالانضمام إلى التحالف بقيادة الولايات المتحدة بالحرج بشكل متزايد.
* * *
قيام الرئيس ترامب بفرض حظر مؤقت على السفر من سبعة بلدان إسلامية، يلحق ضرراً بالقتال ضد “داعش”، وينقض جهد عامين من العمل في ميدان المعركة وخارجه، كما يقول خبراء. ويبرز معه سؤال مركزي: هل تستطيع الإدارة اعتماد ما يراه المسؤولون العرب “حظراً على المسلمين” عندما تعتمد الولايات المتحدة بشكل منفرد تقريباً على الدول والمجموعات والحلفاء المسلمين لمحاربة “داعش” في عموم الشرق الأوسط؟
من العراق إلى سورية إلى ليبيا وما وراء ذلك، يشعر القادة والمقاتلون المسلمون الذين خاطروا بأرواحهم للانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالحرج بشكل متزايد بسبب السياسة التي يعتبرونها مهينة، والتي تقلل من قيمة تضحيتهم وتعاقبهم فردياً وجماعياً. وفي كل أنحاء العالم المسلم، تهدد هذه السياسة أيضاً بنزع الثقة المتبادلة التي تسمح بتقاسم المعلومات الاستخبارية الحاسمة.
ويقول كلينت واتس، الزميل الرفيع في معهد أبحاث السياسة الخارجية الذي يتخذ من فيلادلفيا مركزاً له، وعميل مكتب التحقيقات الفدرالية السابق: “إن هذه السياسة على السطح -وربما تحت السطح- معادية للإسلام، (و) تجعل من الصعب على أي بلد مسلم أن يكون شريكاً منفتحاً مع الولايات المتحدة”. ويضيف: “حتى بينما تكون إدارة ترامب مترددة أيضاً في نشر قوات في المنطقة، فإنها تقوم في الواقع بالحد من الخيارات في ميدان مكافحة الإرهاب”.
من بين البلدان المستهدفة بالحظر، العراق، حيث يوجد نحو 5.000 جندي ومستشار أميركي بصحبة القوات العراقية التي يقدمون لها المشورة والدعم في القتال لتحرير الموصل من “داعش”. وقد ألحق حظر السفر الضرر بالتعاون، كما يقول الخبراء، وأعطى دفعة دعاية غير مقصودة للجهاديين الذين يستشهد داعموهم بهذا الحظر في وسائل التواصل الاجتماعي.
كانت بعض تداعيات الأمر التنفيذي مباشرة. فقد أصبح برنامج تدريب يجري في أريزونا لعشرات من طياري (ف-16) العراقيين موضع شك، حيث لم يعد بمقدور المتدربين السفر إلى الولايات المتحدة، كما حذر السناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا ، جون مكين. وقالت وزارة الدفاع الأميركية أنها ستعمل من أجل الحصول على استثناء للطيارين، مع أن المسألة ما تزال تنتظر الحل.
وهناك تداعيات أخرى شخصية. فقد ذكرت شبكة (سي بي أس) التلفزيونية الأميركية أن الحظر أفشل خططاً للجنرال العراقي طالب الكناني، الذي يقود قوات مكافحة الإرهاب العراقية المدربة أميركياً، للسفر في وقت مبكر من هذا الشهر للالتحاق بعائلته التي انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حفاظاً على سلامتها.
وقال كناني للشبكة التلفزيونية: “توجد قوات أميركية كثيرة هنا في العراق. بعد هذا الحظر، كيف يفترض فينا أن نتعامل مع بعضنا البعض”؟
“شق في الصفوف”
من الممكن أن يواجه العشرات -إذا لم يكن المئات- من ضباط الجيش العراقي الذين يعملون مع الولايات المتحدة منذ أعوام ويقودون القتال ضد “داعش” مأزقاً مماثلاً الآن. والشعور هو أن حليفاً وضعوا حياتهم من أجله على المحك أصبح يعاملهم الآن بشكل ليس أفضل من الإرهابيين المشتبه بهم.
وفي سورية، يؤثر الحظر أيضاًعلى قادة قوات سورية الديمقراطية –الائتلاف الذي يضم مقاتلين أكراداً وعرباً سنة، والذين تعول عليهم الولايات المتحدة لإلحاق الهزيمة بـ”داعش” وطرده من الرقة، عاصمة الخلافة المعلنة ذاتياً. وفي ليبيا، أصبحت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من جانب الأمم المتحدة والتي حررت المليشيات التابعة لها مدينة سرت قبل شهرين وما تزال على خطوط النار تقاتل فلول المجموعة الجهادية، أصبحت هذه الحكومة تحت سهام النقد.
ويشعر حلفاء آخرون من الدول ذات الأغلبية المسلمة والذين لم يستهدفهم الحظر بمزيد من الإحراج. ويقول تشارلي وينتر، زميل البحث الرفيع في المركز الدولي لدراسة التطرف في كينغز كوليج في لندن: “يصنع هذا شقاً وسط المجموعات التي تجتمع للتخفيف من حدة التهديد الذي تمثله الدولة الإسلامية”. ويضيف: “هذه حرب طويلة، وقد أرجعتنا الإدارة الأخيرة خطوتين إلى الوراء: لقد نقضت الكثير من العمل الذي أنجز أصلاً”.
وقد تبطل الضربة الارتدادية منجز سنوات من العمل الذي قامت به واشنطن لتوحيد 17 دولة ذات أغلبية مسلمة في إطار 68 بلداً تشكل التحالف المعادي لـ”داعش”.
ضغوط سياسية جديدة
إذا واصل ترامب العمل لتأكيد الحظر وانتهج سياسات أخرى يمكن اعتبارها معادية للإسلام، فيقول الخبراء أن حلفاء معادين لـ”داعش” قد يصبحون مترددين في الاستمرار بالوقوف إلى جانب واشنطن.
ويقول ريتشارد باريت، الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب في جهاز (أم 16) الأمني البريطاني ومدير شبكة الاستراتيجية العالمية، وهي مؤسسة استشارية تساعد في قتال التطرف العنيف وتتخذ من لندن مركزا لها: “إن التعاون هو أمر أساسي، وسوف يشرع الشركاء في التساؤل: هل هذا التعاون يتعلق بحماية النظام العالمي أم أنه لحماية الولايات المتحدة فقط”؟ ويضيف: “سيشعرون أكثر وأكثر بأنهم يخدمون الولايات المتحدة من دون أي اعتبار لهم أو لمجتمعاتهم”.
وحتى لو رغب قادة مختلفون ورجال قبائل وساسة في الاستمرار في التعاون مع الولايات المتحدة في القتال ضد التطرف، فمن المرجح أن يقعوا تحت طائلة ضغط كبير لقطع الروابط.
من جهته، يشعر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بالحرارة الصادرة عن مجموعات سياسية مختلفة وعن برلمانه الخاص لفرض حظر مماثل على سفر المواطنين الأميركيين. وقد مرر البرلمان العراقي إجراء غير ملزم يدعو الحكومة إلى “الرد نوعياً في حالة عدم سحب الجانب الأميركي قراره”، ودعا رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر والمنافس للسيد العبادي الولايات المتحدو إلى “إخراج رعاياكم خارج” العراق.
“أين الثقة؟”
من جانبها، دعت وحدات الحشد الشعبي العراقي المكونة في معظمها من مليشيات شيعية تدعمها إيران وتضطلع بدور بارز في عملية الموصل، إلى طرد الرعايا الأميركيين من العراق. وبالرغم من أن العبادي وحلفاء ائتلاف رئيسيين آخرين في الأردن ومصر والعربية السعودية تمكنوا من احتواء الضغط المحلي، فإن ذلك يمكن أن يتغير مع استمرار صدور ردود الأفعال على سياسات ترامب في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول خبراء أن الحظر يعيق المشاركة في المعلومات الاستخبارية والتعاون في مكافحة الإرهاب في أغلب المستويات الأساسية. ويقول باتريك سكينر، ضابط الحالة في وكالة المخابرات الأميركية سابقاً ومدير المشروعات الخاصة في شركة التًمين على المخاطر، مجموعة صوفان المتمركزة في نيويورك: “يبنى الارتباط في مكافحة الآرهاب على الثقة، إنه شخص يتحدث ويقول له: ثق بي. أين الثقة عندما يقول رئيس بوضوح أن الجميع في هذا البلد مدرجون على القائمة السوداء”؟
وحتى من حزب ترامب نفسه، حذر السناتوران ماكين وليندسي غراهام من أن الحظر ارتقى إلى درجة “إلحاق الضرر بالذات في القتال ضد الإرهاب”.
تقويض السرد
تم الشعور بأثر حظر السفر خارج ميدان المعركة، حيث يقول خبراء أنه يجري تقويض جهود سنوات من العمل في التصدي لأيديولوجية “داعش”.
وكان مركز الانخراط العالمي في واشنطن قد حول ملايين الدولارات لاستضافة مجتمعات في عموم الشرق الأوسط، ولدعم رجال الدين وزعماء الجاليات والمنظمات غير الحكومية للتصدي لادعاءات المجاهدين الرؤيوية. وكانت مهمتهم الرئيسية دعم الأصوات التي تتحدى ادعاء “داعش” بـ”صدام الحضارات” بين الغرب والإسلام.
ويقول السيد باريت، الضابط السابق في جهاز (أم 16): “السرد المضاد هو: بدلاً من الغرب في مقابل الإسلام، العالم كله في مقابل داعش، الوحشي البربري”. ويضيف: “لكن هذا العمل يقول لجمهورهم: انتظروا دقيقة، ربما يكون هناك شيء صحيح فيما يقوله داعش، وأن هذا الخط المعادي لداعش هو أكثر من دعاية”.
تيلر لوك
صحيفة الغد
متابعة: عراقيون