محمد صالح البدراني يكتب | التَعَلُّم ما بين الطبيعة والتطبّع

عراقيون / مقالات رأي

سمة التغيير طبيعة آدم:
المستطلع لما أخبرنا الله جل وعلا عن آدم، نجد انه يتحرك بغريزته، فان عقل ما فعل أناب، نعم هو بالمجمل لم يجد الله خالقه له عزما، أعطاه المعرفة وجعل ماهيته التفكير والاستنباط بعد استقراء، بيد انه لم يفعّل هذا ويفكر وإنما اتبع غريزته ففشل حين نسي، وهكذا نجد الكثير من الفاشلين اليوم عندما تأتيهم المعلومة ولا يداوروها ويتبعون غرائزهم وما تملي لهم الغرائز من اتباع خاطئ سواء العصبية نتيجة التدين أو النوع أو التملك أو السيادة بمعاييرها وأدواتها، لذا فالإنسان ابن حاضره ما كان هذا الحاضر إيجابيا ولابد أن يقبل بهذا الحاضر وهكذا فهمت الناس (الإسلام يجب ما قبله) أي يحجب ما قبله عندما يتغير مسار المنظومة العقلية وفق منظومة قيمية معدلة أو يفهمها ويعتنقها فتدخل في السلوك.

ولعل الغزالي رغم انه بقي في المعروف في عصره ولم ينتج مسارا إلا انه نموذج للتغيير الفكري في الإنسان وهي عادة تكون حالة انقلابية قد تمر بمرحلة انتقالية وقد لا تمر، لكن الأغلب أن يمر بحالة انتقالية يحتاج فيها الإنسان لاختبار ما نتج عن فكره والإنابة كما أناب آدم عن سوء تفكيره وقراره وفعل بإرادته، الحق أن آدم جعله الله لنا مثلا عندما نريد التفكير والحكم على تغيير سلوك الآخرين وانتقالهم من الشر إلى الخير وبالعكس.

الإنسان يبحث عن ذاته بعد تحسسه الواقع ويستطلع الفكر وكل الأفكار المستنبطة من الإسلام أو الشيوعية أو الرأسمالية بما حوت من آليات وتطبيقات ونمط حياة؛ كلها جميلة ومغرية في ظاهرها وفق درجة الفهم والتفاعل ومدى سلطة الغريزة واستعمارها لمنظومة العقل.

التطبع عبر الزمن:

في مهرجان الربيع في الموصل الذي نشأت فكرته عام 1969  من متصرفها علاء البكري حينها حضرت الفرقة القومية للفنون الشعبية في مصر، وفي لقاء للتلفزيون المحلي للمدينة، كانت الفنانة مشيرة وهي الراقصة الأولى في الفرقة قبل أن تتحول للتمثيل لاحقا، تعبر عن اندهاشها لتفاعل الجمهور الموصلي مع رقصة البمبوطية، رغم أن أداءهم في لوحات أخرى لا يقل عن هذه اللوحة ولم يك هنالك تفاعلا معها، علما أن البمبوطية وهي تسمية محورة عن (Boatman) المراكبي أي الرجل الذي يركب القارب ليعرض بضاعته على السفن الراسية قرب الشاطئ، هي ليست من بيئة مدينة الموصل ولا يعرف جمهورها معنى البمبوطية أو ما هم وما معنى الحركات فعلا في الرقصة هذه حتى لو عرضت في البصرة حيث الميناء البحري فلا يوجد هكذا مهنة أصلا في العراق لهذا سميت بالبحارة كتسمية مفهومة، ومع هذا تفاعلوا بشدة والحقيقة انهم يتفاعلون مع انطباع الألفة وهذه الرقصة التي كانت تعرض قبل المهرجان  ولسنين طويلة بعد المهرجان، أي هي ما ألفوا الارتياح له فلم يك إلا قناة تلفزيون محلية واحدة فتفاعلوا مع انطباعهم وتطبعهم على السرور إن رأوها وهم يرونها حية ملموسة وليس كعالم افتراضي لذلك الزمان (الشاشة الصغيرة).

لو تمعنا في الأمر نجد حصة التاريخ في أذهاننا وانطباعاتنا الصورية عن أحداثه لدرجة تفاعلا وجدانيا مع ما يتنزل على الواقع، والتاريخ منهج منتقى بطريقة تعجيزية للجمهور لمثالية شخصية القدوة، لكن القدوة هذه المثالية القوية تخترق الصفوف تضحي بنفسها تقيّة ورعة مجاهدة عنيدة في سبيل الله وتقتل مستشهدة.

 المدرس يقول لطالبه هذه القدوات يجب أن نحتذي بها وعلى المنبر يقول الواعظ من يستطيع أن يصل إلى هذه الشخصيات التي لا تتكرر، هذه المسارات العفوية خلقت انفصالا بين الإنسان الخطّاء وبين النموذج الذي ليس لدى المتلقي أدوات لتحقيق ما يقال حتى المراجع والكتب الفت بطريق نقلية تكرر وتبدع بتأطير البطل الشهيد والمنقذ انطباعا بلا آليات عصرية.

هذه الفجوة المعرفية الانطباعية كالتي ولدتها لوحة البمبوطية عندما تعرض للواقع، فيكفي أن يحصل شحن واستثارة للمظلومية والتدين والغرائز الأخرى ليقاد البشر متطبعا بأقوال تجعل من الفريق نسخة مطبوعة من سطور واحدة ….. وهنا يأتي الفرق بين آدم الانطباعي وبين آدم المفكر، عند خط الشروع الكل متعرض لنفس المعنى والتوجه، لا متنفس إلا طرق توضع أمامهم مصائد للطاقات والنوايا ثم تشحن النفوس بالكراهية فتتحول الإنسانية بتمام الإنسانية إلى مكائن قتل ودم، وهو راض عما يجري، وهذا ليس بدافع الدين وإنما الغرائز بشكل عام والتدين غريزة كما السيادة غريزة كما التملك غريزة، فيتولد الإرعاب (الإرهاب خطأ لغوي)، أي تحقيق ما يظنه حاجة، أو تدينا، أو سلطانا، أو رغبة بالمال المهدور بالعنف الذي هي الوسيلة المتاحة من مخترع تلك المنظمات، ويأتي إليها كل من له معاناة ليتطبَّع وفق سلوكيتها.

الطبيعة:

في طبيعة الإنسان استعدادات لتقبل ترتقي بها التربية البيتية التي يتمرد الشباب عليها لانها تمثل حالات متعددة، إما أنها صدام بين غنى التجربة وتصدر إلى الأبناء كخلاصات وثوابت لا تناقش وهنا خطأ تربوي، أو أنها خلاصات يؤمر بها الأبناء دون توضيح فتنمو الغريزة ويتقلص دور عقل الأمور والحوادث، أو هنالك نوعا من التربية التي تعطي القدوة لكن تسبب التمرد لاختلاف الخلاصات فيذهب الأبناء إلى أن يكونوا ضحية بحثا عن القدوة فيكونون ضحية تخطيط اكبر في واقعنا، لكنهم لا يجدون فيمن يقودهم قدوة كالتي هي أهل لما في فكرهم الذي غالبا يبدأ بالرغبة في الإصلاح وضد الظلم ليجد نفسه أداة للظلم فتنفر العقلية والنفسية إلى الطبيعة فيحدث تعديلا ومخاض وهنا عند الولادة الجديدة لابد من تبني من الصلاح قدوة بعيدا عن استرجاع الإخفاقات في رحلة الحقيقة فهذه الناس قيادية تنظر للمستقبل مؤمنة به تعرف ما تريد ولا تجتر الماضي كتبرير للفشل.

ويبقى هنالك أناس هم الأكثرية لا تفكر فتبقى في سلطة غرائزها ظالمة للغير ونفسها لا تسمع ولا تريد أن تسمع لتعيش في على حافة بركان يغلفها الرماد.

وضعت في هذا المقال مسارا تحليليا واحتمالية استعادة الطاقات إلى البناء، لكن الأمر في تفاصيله يحتاج إلى مختصين يملكون مؤهلات في هذا العلم أكثر مني لبناء آليات ومسارات تفيد الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *