محمد صالح البدراني يكتب | الرأي العام (نحو تعريف جديد)

عراقيون / مقالات رأي



الراي العام: الانطباع عن الراي العام هو الفكرة السائدة عند الجمهور لموقف حكومي أو حدث قطري أو إقليمي أو عالمي، وان كان هذا الاصطلاح استخدمه وزير مالية لويس السادس عشر للتعبير عن سلوك المتظاهرين؛ فالرأي العام موجود قدم منظومة المجتمع البشري، ونلاحظ كيف تشكل الفراعنة والمستبدين الراي العام الذي يحميها في داخل التكتلات البشرية في سلطتها، فعندما دعا فرعون الناس إلى مشاهدة المناظرة بين سحرته وموسى ص، قالوا دعونا نذهب لرؤية انتصار فرعون (مستعبدهم) على موسى (يريد إنقاذهم) … وهذه أمة مروضة بالتربية على جيل ما بعد القرود الخمس ، أما الأمم التي يخضع الراي العام لقوة الاستبداد والفساد فيها فهي القرود الخمس انفسهم.

فالرأي العام المتشكل حول قضية ما في معنى المصطلح الأصلي غالبا متعلق بالدولة والسياسة، بيد إننا اليوم نستخدم مصطلح الراي العام لتبيان الراي بما نجهله، وهذا يسبب اضطراب في التفكير وتشويش وتشويه الوقائع؛ عندما يحلل من لا يسلك قواعد التحليل تختلط عوامل كثيرة فنقرأ أمنياته أكثر من واقع الشيء.

تطور وسائل التواصل:

مع ظهور الإنترنيت وتطور وسائل التواصل ومساحتها الواسعة في إعطاء فرصة ومكانة متساوية للجاهل والعالم بحيث لا يتردد شخص جاهل عن تسفيه عالم وخبير، أو متبحر في امر يضطر أن يواجه ارتجال شخص لا يعرف من الموضوع إلا اسمه بل قد يجند شخص عامي سطحي الراي العام لفكرته الساذجة المليئة بالأوهام لتسفيه خبير في السياسة الدولية أو الجغرافية والاستراتيجية السياسية، والحقيقة أن هذا امر سلبي لابد من النظر إليه بجدية لتغيير صلاحية مناقشة المعلومة من الراي العام، لان انجذاب الجمهور نحو ما يهوون يضيع الحقيقة أو يقمعها على الأقل وينشر فكرة مشوهة رادعة لتطوير العلماء لعلمهم في الأمر الذي جرى حوله الحوار، والمعلوم ضمنا أن المثقف يصبح عالة في هياج العقل الجمعي فلا هو يستطيع توجيهه ولا صده وإنما يحتاج مغامر لقيادته.

العوامل التي تؤدي إلى الاستحواذ على الراي العام:

هنالك عوامل تتحكم بالراي العام ومدى استجابة الجمهور له، فهنالك حاجات وغرائز حاكمة وتأثرها والقدرة في التحرر من المسائلة، ويمكن أن نجمل العوامل الفاعلة بالشخصية كعقلية تشكلها عواملها والنفسية التي تشكلها البيئة العامة وتعرضها للحوادث، كالاحتلال، والقمع وغيرها وتتلخص اغلب العوامل المؤثرة في الراي الفهم للدين (اهو عقلي أم غرائزي أم نقلي انطباعي)، الثقافة العامة (التي تبرز حقيقة التأثر بالعوامل كلها)، الإشاعات والعقلية التي تقبلها وترفضها ووسائلها المتقدمة (الآن تقنيا حيث يمكن أن ترى نفسك تفعل أمرا لم تفكر به أو تقول قولا لم يخطر لك على بال بالذكاء الاصطناعي)، الأحداث ومدى تحريكها للغرائز والغرائز نفسها وتبريرها باستخدام المنظومة العقلية لتسويغ كل السلبيات للنفس وتجريم من لا يوافق عليها.

نلاحظ بشكل جلي أن المؤثر هو الغرائز والحاجات والمشاعر السلبية من الخوف وغيرها.

الرأي العام لابد أن يكون برأي الاختصاص:

الراي العام الذي ذكرناه أعلاه كله راي في السياسة والمجتمع، بيد أن هنالك أمورا يدخل بها الجاهل والعارف بعض المعرفة والكل يشمر عن ستعديه ولسانه لإبداء الراي فيها وبغياب إيجاد آليات وإعادة تعريف لكثير من الأمور ومنها الراي العام يصبح المجتمع في حالة قلق وخوف وجمود حسي بالحياة وان كانت بعض الشعوب تنتج ولا تتعرض للإحباط في العمل، لكن إحساسها بالحياة مثل الشعوب المحبطة التي غالبا تغيب عنها الرفاهية أو يبالغ لتعوض بعض جوانب التيه وضبابية ما يتولد من مشاعر سلبية عندما لايوجد تفسير واضح ولا يميز رأي العالم والجاهل وتحليلات المحللين والمتنطعين.

فالأمور المتعلقة بالعلاقات الدولية، الاستراتيجيات العلوم الخاصة، الهندسة، الطب، وغيرها من نمطها، ينبغي أن يجتمع ذوي الاختصاصات هذه في منتديات خاصة وتناقش الأحداث والمستجدات لتكوين الراي العام في المسألة.

فعندما يناقش العامة ومن غير ذوي الخبرة أو من لم يطلع على التفاصيل موضوع كالسدود ومشاكل البناء والمياه وغيرها مثلا لا حصرا، سيتحدث البعض بخياله وتصوره وهو ليس مدركا لماهية السد ناهيك عن الأعمال التي فيه ومشاكلها وغيرها ورغم هذا يبت في امر لم يبت به العاملون فيه وخبراء الفقرة في المنشأ ويتهم هؤلاء الخبراء بالتقصير وانهم يتآمرون أو بالفساد….. هذا الراي ينتشر في الجمهور وبعملية تجهيليه تصبح وكأنها حقيقة، حتى يضطر بعض المتحدثين في الموضوع من ذوي الاختصاص لكن يبحثون عن القبول الاجتماعي أولا إلى مسايرة هذه الأفكار في التناغم معها إن لم يك تأييدها فتضيع فرصة الخبير على وضع خطة ملائمة ممكن أن تقبل سياسيا لان الموضوع سيحول إلى راي عام شعبي.

من هنا نجد أهمية إعادة النظر في تعريف المفاهيم والمصطلحات لتوسعها، وتحديد مصادر الراي العام لكل موضوع، فما يحصل اليوم أن الناس تتكلم في كل شيء وتسفه الصواب الذي غالبا يحملها المسؤولية وتتبع الراي الشعبوي الذي لا يستند إلا إلى العواطف.

الفكرة المركزية من هذا المقال: أن هنالك راي اختصاص في أمور فنية وإدارية لا ينبغي أن يتناوله العامة من الناس لانها ستشوه الفكرة وتصنع دائرة للشك متعاظمة من فراغ، أما راي العامة فيؤخذ في أولوياتهم وليس بطرق تحقيقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *