محمدصالح البدراني يكتب | السياسة وإدارة الموارد المائية

عراقيون / مقالات رأي

أين المشكلة: هنالك تغييرات تحصل بما يمكن تسميته بيئة الموارد المائية، اضطراب مناخي، سدود تنشأ في دول المنبع، إدارة ضبابية للمياه في العراق حيث تصدر تصريحات بها نوع من الغرابة في المعايير العلمية وهي أخبار بان هنالك عجز وكوارث محتملة وان مشاكل كثيرة في الأفق متوقعة منها الجفاف في العراق بعد بضع سنين، وكلمة الجفاف مبالغ بها حتما.

المحللون والجهات المهتمة تسارع إلى التحليل وإبداء الراي بلا دراسة معمقة أو استبيان الأمور، وغالبا ما تلجأ إلى الحل الأسرع والأسلم والوحيد وهو إلقاء اللوم على دول المنبع بانها تحجز المياه، وفي ذات الوقت تعبر عن الشحة والاضطراب المناخي وكأنه في العراق فقط، وهذا امر طبيعي أن يتجه الإنسان إلى ما يرد إلى ذهنه، لكن من غير الطبيعي أن بلدا يمر به نهران، ليس فيه دراسات استراتيجية حقيقية وان كان هنالك تسميات، لكن لو كانت فاعلة لرأينا حلولا وليس أوهاما أمام واقع سياسي في المنطقة ليس طبيعيا وليس مستقرا.

مازلنا نفكر في الأهوار بأسلوب تقليدي وكذلك في البحيرات الطبيعية التي كانت ملجأ المياه الفائضة وهي ممالح بمجملها ومسطحات للتبخر، وتسمع كثيرا كلاما يفتقر للمهنية والعلمية.

حديث الفانتازيا الذي تصفق له العامة:

مفهوم الراي العام عندنا مفهوما سياسيا بان الناس يجب أن تعرف التفاصيل، لكن ما تعرف الناس من تقنيات الموارد المائية وإدارتها والعلاقات الدولية وصيغة المعاهدات وهل هنالك التزام لمن نريد أن نفرض عليه التزاما في الزمن الصعب والفوضى السياسية والمناخية والإدارية في المنطقة، حتى ما له علاقة في سد النهضة الأثيوبي على سبيل المثال لا الحصر.

العراق ليس بينه وبين الجوار إلا ما ورد في اتفاقية الجزائر مع إيران، وهذه المعاهدة المعنية – لا تعلم إن كانت فاعلة أم ملغاة – 54% من واردات دجلة تقريبا محسوبة كواردات داخل العراق ، لان أساسها هو سياسي، وتبقى خاضعة للتفسيرات مالم يحصل تفاهما عليها، أما تركيا فلا يوجد اتفاق حول المياه أكثر من المشافهة ومعالجة ظروف آنية ونتيجة زيارات ولقاءات لساسة البلدين، أما الحديث عن إجبار الجوار على معاهدة ما، فهو نوع من كلام بلا خلفية أو سند.

واقع المياه في دول المنبع والمصب:

دول المنبع كناية عن المنابع التي تشكل البحيرات الأم أو الروافد من منابعها في ايران وتركيا، هذه الدول لديها احتياجاتها المائية ومتعرضة للاضطراب المناخي والشحة وبالتالي فهي لا تصنع المياه أو تنتجها صناعيا وترسلها انهارا، وهذا يعني بالمجمل أنها بغياب اتفاقات دولية تسد حاجتها وتطلق المتبقي مع ما تخرجه سدودها نتيجة التوليد للطاقة وبرنامج الخزن والتفريغ السنوي وفق الفصول سد جزرة مثلا والذي سعته النشطة وفق اكثر التقارير منطقية(لا تتوفر معلومة دقيقة) هي 88مليون م3 هو ضروري لتنظيم إطلاقات أليسو البالغة 1200م3/ثا من المحطة بطاقتها الكلية فقط.

فامتلاء سد جزة خلال زمن=  ساعة بلا تصريف واشتغال محطة أليسو كاملة، فالإطلاق سيكون (مقدار إطلاق اليسو – الضخ للري) كمعادلة تقريبية لتشغيل اليسو وجزرة؛ اقل ما سيطلقه هو سعة تشغيل محطته تحت أي ظرف والتي ستحتاج لتصريف عالي لمعادلة قلة فرق الارتفاع (h) في معادلة حساب القدرة الإنتاجية لان ارتفاع السد التصميمي الكلي 40 م فقط.

الكل ممكن أن يستفاد بحسن الإدارة ويبقى سليما بالتفكير الاستراتيجي.

التفكير الاستراتيجي:

التفكير الاستراتيجي للمياه يقوم على فرضيتين:

الأولى: فرضية عودة الأوضاع المناخية بعد استقرار حكة لب الأرض والمغناطيسية إلى وضعها الأول فنعتمد استراتيجيات تعاونية.

الثاني: أن يحدث انقلاب مغناطيسي وبها احتمالات منها

  • يحل الجفاف النسبي وتغيير المواسم وشحة للمياه متوقعة
  • فيضانات وأمطار غزيرة تحتاج إلى إدارة ضد الكوارث

ممكن أن يتوقع العلماء أنماطا لكن تأكيدها وفق حسابات معهود بيد إنني أرى أن هذا تغييرا في النظام العام للأرض ينبغي الاستعداد لدراسته بشكل إنشاء قواعد بيانات للحالة المتغيرة، وهذا ليس معلوما متى يستقر بسنة أم عشرات السنين

توضيح الفرضيات والتفكير خارج الصندوق

الفرضية الأولى تستوجب تعاونا وإدارة مشتركة بين دول المنبع والمصب ووفق مؤسسة موحدة ومعرّفة المهام تساعدها تنفيذيا الوزارات في البلدان المرتبطة بهذه المؤسسة من حيث إنشاء السدود وبرامج التنمية الزراعية والثروة الحيوانية والاستفادة من تفعيل الموارد البشرية، فنحن نحتاج إلى معرفة بأمان سدود تركيا من حيث الزلازل والإنذار المبكر وهو ما نخشى منه أكثر من حجز المياه، وبحاجة إلى اتفاقات إدارة المياه ومعالجة سياسية تحويل مجرى الأنهر التي تتبعها إيران وهي معنية بنصف واردات دجلة وحياة شمال شرق العراق

كذلك إحياء مشاريع بتصاميم جديدة وأهداف جديدة كمشروع الأنابيب من نهري سيحان وجيحان وشبيهتها مع تركيا والتعاون مع إيران بطريق مرضية.

الفرضية الثانية: العراق لابد أن يتجه إلى منظومة خارج المعروف، كالاتجاه لتحلية المياه وتخزينها وضخها بشبكة أنابيب تشمل كل تجمع سكاني، واعتماد الطاقة الشمسية بشكل واسع في العمل ومحطات الضخ والتقوية لتبقى المياه آمنة ونظيفة ومتاحة دون مفاجآت.

علينا أن نخرج من صندوق الحصص المائية وليس معنى هذا التوقف عن التفاوض حوله لكن الجمود عليه مضيعة للوت وانكشاف أمام الكوارث، كما أن الرثاء والعتب والاتهامات والكلام عن مؤامرات كلها تصب في خانة العجز… فالمطلوب التوجه نحو الحلول وبمديات متعددة ووفق الاحتمالات كافة:

  1. فليس معقولا أبدا ما يتحدث عنه تراثيا حول مسطحات مائية كالأهوار وهي تستنزف بالتبخر أرقاما عالية جدا من المياه أو نتحدث عن خزين استراتيجي في ممالح طبيعية كالرزازة والثرثار دون السعي لتصميم أرضية الثرثار مثلا بإبدال التربة وصب الأرضيات وكل ما يمنع ملامستها لما تلامس المياه اليوم، العملية مكلفة لكننا نحصل على سد مرن وناظم ولدراسة الجدوى الفصل.
  2. نقول علينا تغيير الأساليب التقليدية في المياه التي تهدر الموجود ونجلس دون تخطيط لذلك أو إعادة تدويرها.
  3. دراسة المياه الجوفية في المنطقة الغربية وما بين النهرين “كاحتمال وجود مجرى” أكثر من كونه خزين بحكم طبيعة الجيولوجيا من تكوين قنوات وفوالق وإقرار نظام للاستفادة من استثمار الأرض لسد حاجة النمو السكاني وفرصة المدى العمري الحالي للعمر الفاعل.
  4. إنشاء مراكز دراسات وتأهيل للتطوير الإداري والفني استشرافية بحثية عملية منفردة ومتشاركة مع دول أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *