بعد إحراق 100 ألف كتاب فيها: شعراء وكتاب يحيون “روح الموصل”
عراقيون / متابعة
سلطت صحيفة “الجارديان” البريطانية الضوء على الجهود التي يقوم بها مثقفون وفنانون عراقيون في مدينة الموصل التي احرق تنظيم داعش فيها 100 ألف كتاب عندما احتلها، لكنها تعاود الازدهار فنيا وثقافيا وتسترجع “روحها” الآن بما يساهم في استعادة تماسكها الاجتماعي وعودة مركزيتها الثقافية القديمة.
وأشار التقرير البريطاني الذي ترجمته عراقيون، إلى أن مجموعة من الشباب العراقيين يتجمعون يوميا مع غروب الشمس، في قبو “مؤسسة تراث الموصل” لخوض نقاشات في الفلسفة والأدب، وهو بمثابة نادي القراءة الوحيد في المدينة، وذلك داخل الحي القديم الذي دمرته الحرب على الضفة الغربية لنهر دجلة.
ونقل التقرير عن الشاعرة رحمة صلاح الجبوري (29 عاما)، وهي ايضا معلمة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، قولها ان “النادي يسمح لي ولغيري من الشباب بمناقشة أفكارنا بصوت عالٍ بلا خوف من المجتمع”، مضيفة “احب التفكير بصوت عال، الا ان المجتمع العراقي تقليدي للغاية، وليس سهلا أن نتحدث عن مشاكلنا أو أفكارنا.”
وبحسب التقرير، فإن الجبوري، مثلها مثل بقية الحاضرين في النادي، تعزز شغفها بالأدب خلال السنوات ال3 التي احتل فيها داعش الموصل من العام 2014 الى العام 2017.
ونقل التقرير عن الجبوري قولها إن النساء خسرن “كافة حقوقنا في ظل داعش حيث كان كل شيء يخضع للرقابة القاسية: ملابسنا، وقدرتنا على العمل، وحتى القدرة على شراء الهواتف”.
ولفت التقرير الى ان الجبوري تطوعت خلال معركة الموصل التي استمرت 9 شهور بين عامي 2016-2017 لتحرير المدينة، للمساعدة في إخلاء المدنيين الهاربين عبر نهر دجلة الى الجانب المحرر من المدينة.
وتابع التقرير ان الجبوري خلال مرحلة الفوضى والدمار هذه، وجدت عزاءها في كتابة الشعر ليلا في غرفتها. ونقل التقرير عنها قولها أن “مشاهدة هؤلاء الأشخاص اليائسين للحصول على المساعدة، دفعتني الى الاستمرار في الكتابة التي صارت أكثر عاطفية بسبب تراكم الألم والحزن”.
واشار التقرير الى ان الجبوري أصدرت في العام 2021 مجموعتها الشعرية الأولى تحت عنوان “ما بيننا.. أنت” وذلك بعدما عثر والدها على كتاباتها وشجعها على نشرها على مشاركتها مع العالم. وتابع ان الجبوري منذ ذلك الوقت قدمت اعمالها الادبية في مهرجان الموصل الشعري، كما أصدرت مجموعتين شعريتين اخريين، وستصدر المجموعة الشعرية الرابعة في وقت لاحق من العام الحالي.
وتناول التقرير تجربة أخرى يمثلها محمد العرب (30 سنة) وهو كاتب، وموظف حكومي، ويتردد كثيرا على على نادي القراءة الاسبوعي منذ بدايته في العام 2022، في حين تعزز اهتمامه بالأدب بعد احتلال داعش للمدينة، مشيرا الى ان العرب نشر في أيلول/سبتمبر 2023، روايته الرومانسية الاولى تحت عنوان “النظرة الاخيرة”.
ونقل التقرير عن العرب قوله إن “الكتّاب يتغذون أحيانا كثيرة من آلامهم”، مضيفا ان “لكل واحد منا قصة فريدة غير قابلة للوصف. لم نتمكن من الدفاع عن أنفسنا، وهذا ما دفعنا (نحن الشباب) للتعبير عن احزاننا العميقة وكفاحنا، من خلال الكتابة”.
وبحسب التقرير،فإن العرب مثله مثل الجبوري، يرى أن النادي يؤمن مساحة كافية لمشاركة أفكاره مع الاشخاص ممن يحملون تفكيرا مشابها، وذلك في تماهٍ مع التقاليد الأدبية الطويلة والثرية للموصل. ونقل التقرير عنه قوله “نحن نبذل أقصى ما يمكن الجهد للحفاظ على التراث الأدبي للمدينة لنتمكن من نقله إلى الأجيال الآتية”.
وذكر التقرير أن وفاق أحمد ( 42 سنة)، وهو مهندس مدني ومستشار لمنظمة اليونيسكو، أسس في العام 2022، جمعية “عنقاء” الثقافية التي تضم نادي القراءة، وتستضيف الأمسيات الشعرية والمعارض.
وتابع التقرير، أن النادي كان في بدايته يضم 4 أعضاء فقط، بما في ذلك وفاق احمد، اما الان فان نحو 30 عضوا يحضرون كل جلسة، وقد يصل عددهم الى الى 50 احيانا. وبحسب محمد فإن “المزيد من الناس صاروا مهتمين بالأدب والفنون الآن. وعندما كتبت الأهداف الرئيسية للجمعية، فإنني كنت آمل بالوصول الى 50 شخصا، إلا أننا نتحدث حاليا عن 500 عضو”.
واشار التقرير الى انه في ظل حكم داعش، جرى حظر النشاطات الثقافية المرتبطة بالأدب والفنون والرياضة، كما دمر التنظيم العديد من المواقع الثقافية والأعمال الفنية، بما في ذلك حرق اكثر من 100 ألف كتاب ومخطوطة في مكتبة الموصل المركزية في العام 2015، كجزء من حملة “التطهير الثقافي”.
والان، ينقل التقرير عن أحمد قوله إن “الناس يريدون أن تنهض المدينة مجددا، والكتابة تمثل أبسط سلاح يمتلكه الناس لانقاذ هويتنا وتاريخنا، واستعادة التماسك الاجتماعي”، مضيفا انه “لدينا العديد من الأشخاص الذين يكافحون من أجل استعادة حياتهم وبناء خطوات جديدة للمستقبل”.
لكن التقرير نوه الى ان الامر لا يقتصر على جيل الشباب فقط في اللجوء إلى الأدب من أجل مساعدة المدينة على أحياء ثقافتها. وأشار في هذا السياق الى الدكتور وليد الصراف (59 سنة)، وهو جراح متقاعد، ونشر دواوين شعرية ورواية، حيث يعتبر أن لدى الشعراء والأدباء دور في محاربة ظلام التطرف.
ونقل التقرير عن الصراف قوله أثناء وجوده في “مؤسسة بيتنا”، وههي مركز ثقافي وفني في الموصل، أن “الشعر مهم في الموصل، وإلا فلن يدرك الناس ما جرى، فالشعر يتخطى المباني المدمرة، ويصل إلى أعماق النفس البشرية. لا يمكن أن يرى ذلك سوى القلب، وهذه هي وظيفة الشاعر”.
وبحسب الصراف فإنه “لم يعد هناك داعش حاليا، لكننا ما زلنا خائفين من أن يقرأوا ما كتبناه ويقتلونا. هناك خلايا نائمة. انهم اكثر خطورة لانك لا تعرف من هم أو متى سيأتون”.
كما تناول التقرير تجربة محمد العطار (47 سنة)، وهو باحث يدعو الى تحديث الإسلام، والذي يعتبر أن الكتابة هي بمثابة شكل من أشكال المقاومة والشفاء.
وفي حين لفت التقرير إلى أن العطار بدأ الكتابة بعد اختطافه وتعذيبه في أحد سجون داعش لمدة 105 أيام، نقل عنه قوله “اعتقدت انها آخر ايامي على قيد الحياة. كان هناك نحو 60 سجينا، معظمهم قتلوا”.
وتابع العطار قائلا انه خلال فترة وجوده في قبضة داعش، كان شاهدا على الابادة الجماعية التي تعرض لها الايزيديون، موضحا “رأيت كيف احضروا النساء الايزيديات الى السجن لاغتصابهن واعدامهن. ودفع بعض مقاتلي داعش الأموال للمسلحين للحصول على نساء ايزيديات”، مضيفا أنه “أمر لن أنساه نهائيا، والكتابة هي علاجي”. واضاف “في بعض الأحيان، تدخل زوجتي إلى مكتبي وتراني وانا ابكي أثناء كتابتي”.
ولفت التقرير إلى أن العطار منذ تحرير الموصل، نشر 3 كتب في بيروت، وسينشر قريبا روايته الجديدة “الاعصار الاسود”، والتي تتناول كفاح الناس تحت احتلال داعش.
وبحسب التقرير فإن العطار يأمل من خلال كتابة هذه القصص ألا تنجر الأجيال القادمة في فخ التطرف، موضحا “اريد كتابة قصة الموصل، حتى يعرف الجيل المقبل ما جرى. لقد فعلنا كل ما في وسعنا، وعلى الاقل كتبنا عن ذلك”.