الموصل: الآف الضحايا بلا إهتمام حكومي ودماء تنتظر من يكشف عنها
تحقيق : شهاب الصفار
تمر علينا الذكرى التاسعة لمجزرة تنظيم داعش الإرهابي بحق ٢٠٧٠ مغدور من أهالي محافظة نينوى بينهم مجموعة من النساء، في يوم ٧ آب عام ٢٠١٥ افجع أهلهم عندما عُلِقت أسمائهم على جدار الطب العدلي، قوائم أسماء بتسلسلات حملت في طياتها الكفاءات وخيرة من أنجبتهم نينوى ولا زالت جثثهم مجهولة المكان ومصيرهم عند الدولة مجهول لعدم إمتلاكها المعلومات عن مصيرهم او كيفية إختفائهم بعد أن عجزت السلطات العراقية عن تشخيص المقابر و دخولها لإنتشال رفاتهم وتشخيصها، أو إمتلاك قاعدة بيانات رسمية لفرز الجثث وإعادتها معززة مكرمة لذويها بدل تكديسها تحت التراب فوق بعضها البعض، واغلبهم اليوم بلا حقوق واستحقاقات او حتى شهادة وفاة .
السلطات المحلية حددت أماكن ( 111 ) مقبرة جماعية اكتشفت حتى الآن منذ بدء عمليات تحرير الموصل حسب مصدر من الحكومة المحلية في نينوى ، هذه المقابر تنتشر في مناطق متفرقة من المحافظة أغلبها في أطراف الموصل وفي الجزء الغربي في سنجار وتلعفر وبعاج .
ومن أشهر المقابر الجماعية والتي يقال بأنهم تضم آلاف الضحايا تم تشخيصها حتى الان وبحسب بعض الشهود هي ( الخسفة ) او ما تعرف بخسفة داعش، مقبرة جماعية لأهالي الموصل بلا قاع كانت تعرف بالسابق باسم “حفرة الجن”، تقع جنوبي غرب مدينة الموصل، من جهة حمام العليل، وهي تبعد عن الموصل بنحو ٢٠ كيلومتراً .
ومن المقابر الشهيرة التي جاءت بالتصنيف بعد الخسفة بحسب شهود عيان كذلك هي مقبرة وادي ” علوعنتر ” في قضاء تلعفر (٧٠ كيلو متر غرب مدينة الموصل) واغلب ضحاياها من الإيزديين والتركمان، والتي فتحت الشهر الماضي وتم انتشال اكثر من 100 جثة منها, والحفرة تقع على أطراف مدينة تلعفر إلى الطريق المؤدي لناحية العياضية، وتبعد عن مركز تلعفر نحو (٦ كم) شمالاً، فيما تبعد عن الشارع العام بنحو ٦٠٠ متر، حيث تقع في مساحة فارغة من السكان والزرع ، في عمق الصحراء، قرب قرية تسمى (بكَي قوط) ، وفي الأصل تسمى هذه الحفرة ببئر الحمائم حيث أن سرب الحمام يعلوه عادة .
مع هذا لا يزال “بكر باسم” (25 ) سنة ينتظر العثور على جثة والده الذي اعتقله تنظيم الدولة، لانه كان مرشح لانتخابات عام 2014، ومازال بكر يتذكر ذلك اليوم الحار من أيام شهر آب/ أغسطس من عام 2015، الذي علق فيه تنظيم داعش قوائم بأسماء 2070 موصليا أعدمهم مسلحوا التنظيم الإرهابي بدم بارد.
المئات من سكان الموصل ومن بينهم بكر ، كانوا مجتمعين أمام الطب العدلي ومقرات التنظيم لمعرفة مصير ذويهم المعتقلين لدى داعش، وكانت أصوات النواح ترتفع بين الحين والآخر عندما يقرأ أحدهم اسم ابنه أو شقيقه أو والده او أحد أقاربه بين أسماء المعدومين .
يقول “صفوان غانم” والده كان موظف في مفوضية الإنتخابات ، طلبت جثة أبي من مسلحي التنظيم، لكنهم طردوني وحذروني من تكرار هذا الطلب مجدداً وإلا سألقى مصيره، وأبلغوني أن أبي كان مرتدا ولن ينال مراسم دفن مثل المسلمين .
الشيخ “علي الحديدي” يؤكد ، أن تنظيم داعش احتال على الناس باعلان عفو من الخليفة ” ابو بكر البغدادي ” وعلى منتسبي الأجهزة الأمنية أو الموظفين في دوائر الانتخابات وأعضاء مجالس محلية ومحامين وقضاة مراجعة مراكز التوبة لتزويدهم بهويات التوبة لكي لا يعترضهم أحد ، واكتشفنا فيما بعد انها كانت مصيدة وتم القاء القبض فيما بعد على اغلبهم وتم قتلهم ورميهم في الخسفة او المقابر الجماعية .
الموظف في ديوان محافظة نينوى “ و . ز” يقول هناك مطالبات كثيرة للكشف عن مصير المغدورين من قبل تنظيم الدولة ولكن هي خارج إمكانيات الحكومة المحلية وقدراتها ويوضح ان منظمة ” هيومن رايتس ووتش ” ، المعنية بحقوق الإنسان، قد كشفت في تقريرها الأخير ، عن أن تنظيم الدولة أعدم قرابة 25 ألف شخص في مقبرة الخفسة ، وطالبت المنظمة في تقريرها السلطات العراقية بتحويلها إلى نصب تذكاري وتعويض أسر الضحايا حسب ما وصلنا من مكتب حقوق الإنسان .
بحسرة والدموع تغرق وجنتيه يعبر ” عمر علي” عن استياءه من عدم رفع جثث أقربائه الثلاثة مع اقتراب الذكرى التاسعة لغدر ٢٠٧٠ مواطن من نينوى ويشتكي من إهمال الحكومة والمنظمات الدولية في البحث عن جثثهم لمعرفة مصيرهم رسميا والمطالبة بحقوقهم ويعبر كذلك عن امتعاضه عند مراجعة الدوائر والمطالبة بشهادة وفاة أو ان المعاملة ( ما تمشي ) ويتم تحويل القضية للمحاكم التي تطالب بأدلة وإعلان جرائد وهذه العملية قد تستغرق سنوات طويلة.
كنا انا وأبي الذي قتله تنظيم الدولة نزور قبر اُمي كل عيد لنضع عليه اكليل الزهور ونروي ترابه بدموعنا، امسيت اليوم بلا اب او قبر له أو رفيق لي، هكذا حدثنا الشاب ” تميم وليد” والذي أعدم تنظيم الدولة اباه الذي عمِل تدريسيا ومربيا للأجيال في الموصل الحدباء واتلف جثته في حفرة الخسفة، يقول تميم عُدنا إلى الموصل بعد تحريرها لكن عائلتي فقدت ركيزتها برحيل والدي هكذا ختم كلامه معنا.
“محمد الاعرجي” ، لسان حاله يطالب باخراج الجثث وتسليم الضحايا لعوائلهم، بعد إجراء تحليل (DNA) ، ليتسنى لهم دفنها وزيارة قبورهم واستحصال حقوقهم، فهم حتى اليوم ” لا يمتلكون شهادات وفاة ” ، وتحليل DNA يستخدم في الفحص الجنائي للجثث مجهولة الهوية بأخذ عينة منها وتحليل الحمض النووي لها مع اخذ عينة من ذوى المفقودين ومضاهاتها والتعرف على هويتها.
علي أياد ( ٣٠ ) سنة يسكن اربيل حاليا، عقب اجتياح تنظيم الدولة وقع ابن عم لي ( ضابط عسكري ) تحت أيدي مسلحي التنظيم ، وبعد أيام معدودات وصلنا خبر مفاده أن التنظيم قام بقتله ورمي جثته في حفرة الخسفة سيئة الصيت ، حسب معارف لنا في الموصل وبعد ذلك سمعنا قصص كثيرة من هذا النوع الوحشي في الممارسات والقتل بلا جناية وبتحقيق من قاضي جاهل كما يقال وخلال دقائق يأمر برميه بالرصاص او بشنقه وهناك قصص ذبح وحرق واغراق الماء يشيب لها الولدان عند سماعها .
أما “منى” الفتاة الجامعية حالياً، تسرد قصة أخاها الأكبر ( مدرس ) وتقول وبينما نحن نجتمع في ( الهول، غرفة المعيشة) كعائلة لتناول العشاء اقتحم المنزل مسلحون بأزياء لم نكن نألفها في المدينة وطلبوا منه مرافقتهم بذريعة ان المدرسة التي كان ينتسب لها مقر انتخابات وهو المسؤول عن ادارتها ، ومنذ ذلك اليوم انقطعت اخباره ولا نعرف مصيره هل قتل ورمي في حفرة الخسفة أم مقبرة جماعية ، لا ندري انقطع الأمل بنا ولم نترك باب الا طرقناه ولكن دون فائدة ولا يسعني إلا ان أقول الا حسبي الله ونعم الوكيل .
“محمد مصطفى” ذاك الشاب اللطيف الملتزم دينيا وأخلاقياً، أو كما يصفه أخاه الأصغر “قتيبة الخباز” (٣٤ سنة) والذي روى لعراقيون بحزن كيف أن تنظيم الدولة إقتحم بيتهم الصغير المفعم بالحنان في ليلة ظلماء عابسة ليعتقل أخاه الأكبر بذريعة تحشيد الجمهور الشبابي ضد منهجية التنظيم، لنتفاجئ بعد أيام قليلة بعد أيام قليلة لنُفجع بوجود اسمه ضمن قوائم كان قد علقها التنظيم على أبواب الطب العدلي في مدينة الموصل ليمتنع عناصره عن تسليمنا الجثة بذريعة الردة وعدم الدفن في قبور المسلمين، هل ستنصف الحكومة اهل نينوى وتساعدهم في العثور عن جثث أبنائهم التي تبخرت من وجه الأرض وكأنها رافقت الأرواح نحو السماء، متى تتوقف الحكومة المركزية عن الكيل بمكيالين كأن تُنصف شريحة وتظلم او تتجاهل أخرى كما انصفت ذوي سبايكر وغضت البصر عن اكثر آلاف المفقودين في نينوى .