فواز الطيب يكتب | الليونة ومتطلبات السياسة في واقعنا الحالي
عراقيون | مقالات رأي
المدرسة الواقعية في السياسة تقوم على نقطتين أساسيتين هما القوة والمصلحة، والسياسة فيها تتطلب شيئاً من الليونة في بعض المنعطفات بإدراك واعي لمعنى المصالح ومقاصدها وغاياتها، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الفئوية الخاصة وهذا الأداء يتطلب وجود طينة معينة من رجال السياسة الذين يرتقون إلى مصاف رجال الدولة، أي أولئك الذين لا يطلبون شيئاً لأنفسهم ، ويكرسون حياتهم السياسية في سبيل الخدمة العامة ، مع الحفاظ على الإعتبارات الأخلاقية في مسارات العمل بجلب الفائدة والصلاح للمجتمع ، بعيداً بكل تأكيد عن الإنتهازية والوصولية .
وأمثلة ذلك كثيرة منها مواقف حدثت مؤخراً بين رؤساء السعودية وايران ، وتركيا والإمارات وواشنطن وطهران ، ومحليا بين الفرقاء السياسيين لها مواقف عديدة نسبية ما بين المصلحة العامة والفئوية منها موقف السيد مسرور بارزاني مع القيادات في بغداد وكسره لحواجز التقاطعات لمصلحة عامة ، ومن أمثلتها المحلية القريبة لي فوز النجيفي الشاب ” عبدالله ” بشراكات وتحالفات جديدة ، وبعد مخاض عسير على خلفية أحداث مواقف متشددة ، فهي واحدة من المواقف اللينة التي دخل بها الى الواجهة السياسية وكسر الحواجز فيها مع أغلب الفرقاء السياسيين دون أن تعني هذه اللينة لهذا الطرف أو ذاك أو الركون لفكرة الابتزاز السياسي ، بل الجنوح نحو سلوك مسارات إنقاذية تظهر للرأي العام فعلأً من هي الأطراف المعطلة ومن هي الأطراف التي تسهل الحلول السياسية ومعضلاتها ، ولو أنه ليس هناك من عصا سحرية ، ولكنه على الأقل يتيح إعادة الاعتبار للجهات الوطنية والباحثة عن تطبيق القانون والدستور بدون انتقائية.
والليونة في السياسة تهدف وتسعى لتحقيق نتائج محددة ، وتقوم بتسويغ السياسات التي اتبعتها بناءً على النتائج العملية الناجحة ، مع الحفاظ الأخلاق السياسية في الوعود والإتفاقات ، فالأخلاق والحصافة السياسية تجتمعان عند رجال الدولة الحقيقيين ، وإلا سنقع في مطب الانتهازية وتغليب المصالح الشخصية والفئوية على حساب المصالح العامة للناس ومصيرهم ، ومن أمثلتها ما يقع في سنجار من أحداث واتفاقات بعيدة عن القانون والدستور وهيبة الدولة والجنوح فيها لتغليب مصالح وأجندات خارجية وفئوية وبدوافع غير اخلاقية .
والسياسي الملتزم تراه منسجم مع أخلاقه في كل تصرفاته وسلوكه ، ويتحمل في سبيل ذلك الوفاء كثيراً من الضغوط والمغريات ، وفي تجاربنا الحديثة رأينا سياسيين أدخلوا السجون ، ومنهم من لفق عليه ملفات سياسية وصلت بعضها حد الإتهام بالارهاب ، ومنهم من هرب وأنزوى ، وعليه فإن العمل السياسي يغدو راقياً إذا اختلط بنبل الأخلاق والإنسانية.
وعندما تتنازل عن انسايتك وأخلاقك قد تتبنى سبل القوة والقهر وفرض الإرادة في سبيل تحقيق الفائدة والهدف ، وهذا الأسلوب السياسي يرفع شعار الغاية تبرر الوسيلة وأن مقتضيات الضرورة لا تخضع للقانون، أي إباحة كل الأساليب والسبل لتحقيق الغاية والوصول إلى الهدف بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية والمثل الإنسانية ، وصولا للإزدواجية والنفاق السياسي ، وواقع عالمنا اليوم مليء بالأمثلة والأفعال المشينة التي تندرج تحت هذا الفصل وهذا العنوان ، وكمثال تطبيقي آخر ما حصل مع تولي نوفل العاكوب ومن ناصروه لمنصب محافظ نينوى وكيف أسس لمنظومة فساد أهلكت البلاد والعباد نعيش تبعاتها وآثارها الى اليوم ، وتوج بها مع البعض بالسجن والذل والهوان .
إن الإنسان مكره على العيش في عالم لا عقلاني يتعذر فهمه ، وإن محاولاتنا لإدراك الحقيقة الموضوعية قد تبوء بالفشل ، ولذا يجب النظر إلى مختلف التجارب العملية وإلى الأفكار الإجتماعية والقيم الأخلاقية نظرة أداتية ، أي من وجهة نظر منفعتها في تحقيق أهدافنا والحفاظ على كرامتنا بعيداً عن الانطباعات الخاطئة التي يرسخها الإعلام المضاد ، فإن ما ينفع الإنسان هو ما يعود عليه بالنجاح والعز ولو بعد حين إذا كان هناك ثبات على المواقف.