شوان زنكنة يكتب| مرحلة الاصطفافات وتغيير التحالفات
عراقيون | مقالات رأي
اسفرت الزيارات المكوكية بين أنقرة وواشنطن وبغداد في الأشهر القليلة الماضية عن تصريحاتٍ لأردوغان بخصوص الطوق الأمني المُزمع فرضه على الحدود العراقية التركية وبعمق لا يقل عن 40 كم، مع حلول الصيف القادم.
وتزامنت مع هذا التصريح مقابلةٌ صحفية لمراد قره يلان، القيادي في حزب العمال الكردستاني، مع وكالة فرات الخبرية، قبل أيام، حيث صرّح فيها أنه، وحزبه، سيقدّمون بشرى سارة للشعب الكردي، وسيعلنون عنها في نوروز القادم، أي بعد أيام، ولكنه لم يفصح عن فحوى هذه البشارة.
ويبدو من خلال حديثه في المقابلة، أن البشارة، وكما أعتقد، ستتضمن ثلاثة محاور:
1- دعوة كافة الأحزاب الكردية إلى الوحدة والتضامن، لتحقيق المصالح القومية العليا في المنطقة، والتصدي المشترك للمخطَّط التركي الساعي إلى التوغل في عمق إقليم كردستان، بهدف إنهاء تواجد حزب العمال الكردستاني فيه.
2- في مقابل ذلك، سيعلن حزبُ العمال عن استعدادَه للبدء بمشاوراتٍ جادّة حول تحقيق السلام في تركيا، والمنطقة كلها، بالتزامن مع المباحثات السرية بهذا الخصوص بين جهاتٍ داخل الدولة التركية وأطرافٍ من الأكراد في تركيا.
3- تحسُّبا من احتمالية الانسحاب الأمريكي المتمركز في سوريا والعراق، بعد الانتخابات الأمريكية نهاية هذا العام، سيعلن حزب العمال الكردستاني تغييرَ تحالفاته في المنطقة، إذ سيقوم بتعزيز تحالفه مع روسيا وإيران وسوريا، ضمن المشروع الروسي في سوريا، وسيستند إلى هذا التحالف في التصدي الشرس للتوغل التركي في إقليم كردستان العراق.
ما فهمتُه من مراد قره يلان، في حديثه مع وكالة فرات الخبرية، هو أنه يدّعي أن أية تفاهماتٍ في المنطقة، لا تأخذُ حزبَ العمال الكردستاني بنظر الاعتبار، سينالها الفشل الذريع، وأن الحزب يودّ لمَّ شملِ البيت الكردي، وصياغتَه بما يتناسب والأوضاع الجديدة التي طرأت، والتي ستطرأ بموازاة أحداث غزة، وأن حزب العمال غير محكوم بتحالف معين، ثابت، وأن تغيير تحالفاته أمر طبيعي، بل وضروري أحيانا، وسننظر في تحليل حديث مراد قره يلان، وبشارته للشعب الكردي بعد إعلانه عنها في يوم نوروز/ 21 من هذا الشهر.
ولا أعتقد أن تركيا ستعير اهتماما بتلويحات حزب العمال السلمية والحربية، ولن تلتفت لغصن الزيتون في يده اليمنى، والبندقية التي في يده الأخرى، بل ستستمر، بجدٍّ، في مخططها، الرامي إلى توسيع نفوذها في شمال سوريا والعراق، ما لم تتطور محادثات السلام الداخلية، أو ما لم تتحرك الحكومة العراقية بإبعاد العناصر المسلحة لحزب العمال عن الحدود التركية، وهو أمر استبعده في ظلّ الدور الإيراني في المنطقة، بل وأَعْزُو تشدُّدَ لهجةِ المسؤول الكردي، مراد قره يلان إلى الدعم الواسع، واللامحدود من قبل إيران لهذا الحزب، ومن طبيعة تحالفه الجديد الذي يبدو أنه دخله من أوسع أبوابه.
ستكون للتوغل التركي في إقليم كردستان العراق، آثار سيئة جدا على المنطقة، إذ سيسخن الصراع الخفي على النفوذ بين إيران وتركيا، وستتجلى هذه السخونة في الصراع العسكري الذي سيقع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، الموالي لتركيا، والمدعوم من قبلها، وحزب العمال والاتحاد الوطني الكردستاني والمتحالفين معهما، الموالين لإيران، وقد بدأ الضغط، فعليا، ومنذ فترة، على حكومة الإقليم، والحزب الديمقراطي الكردستاني من قبل السلطات المركزية من جهة، والحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى، بهدف إضعافهما، أو إنهائهما.
وستنتقل هذه الآثار السيئة إلى مدينة كركوك، وستلقي بظلالها على الوضع الأمني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي فيها، وستستغل أطرافٌ داخليةٌ، وخارجيةٌ هذه التطورات لتقوم بإحياء داعش وتحريكه كأداةِ فوضى وإرهابٍ في المدينة، وستنتقل هذه الأحداث الفوضوية إلى الموصل والمناطق السنية، وإلى وسط العراق وجنوبه، وستتشكل تحالفات جديدة، وفق التطورات بهذا الاتجاه.
وسنشهد في المدى المنظور، تغييرات ملموسة في التحالفات السياسية في العراق، وتغييرات ملموسة في تحالفات الدول، في العالم، وستتزايد وتيرة التغييرات مع ارتفاع سخونة الأحداث العالمية، والصراعات في البؤر الساخنة.
ومعلوم، أن مرحلة الاصطفافات، وتغيير التحالفات، هي المرحلة الأولى من مراحل الحروب العالمية، والتأريخ يشهد على ذلك.