أربع سنوات على الاحتجاجات العراقية: الخيبة كبيرة
عراقيون/ متابعة
يحيي الناشطون المدنيون في العراق، اليوم الأحد، الذكرى الرابعة لأوسع احتجاجات شعبية عفوية شهدها العراق في مثل هذا اليوم في عام 2019، من خلال النزول إلى ميادين العاصمة بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد، لتأكيد رفضهم للأحزاب الحاكمة وشكل العملية السياسية التي تدير البلاد بوضعها الحالي، ورفع المطالب بخصوص ذلك، ووقف هيمنة الفصائل المسلحة والأحزاب الدينية على المشهد السياسي والأمني.
وبدأت التظاهرات العراقية في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوبي العراق ووسطه. وشهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، لا سيما بعد دخول جماعات مسلحة، وُصفت بـ”الطرف الثالث”، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 25 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة في هذه الأعمال.
أربع سنوات على الاحتجاجات العراقية
وبحسب توقعات ناشطين في الحراك المدني العراقي، فإن اليوم الأحد، سيشهد خروج الآلاف من العراقيين لإحياء الذكرى الرابعة للتظاهرات الشعبية في ساحتي النسور، والتحرير الرئيستين ببغداد، للمطالبة بوضع حد لحكم السلاح ونفوذه، ورفض ممارسات الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني التي “تنسجم مع الأحزاب النافذة وتهمل مطالب الشعب”، بحسب تعبيرهم. وسيدعو المتظاهرون إلى محاسبة المسؤولين الفاسدين والمتسببين بسقوط محافظات عراقية بيد تنظيم “داعش”، على رأسهم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، فضلاً عن مطالب أخرى تتعلق بالخدمات وتحسين الوضع الاقتصادي والصحي.
ويؤكد الناشطون أن “الوضع العراقي لم يتغير” خلال السنوات الأربع الماضية، بل إن سلطة الأحزاب الدينية زادت على مفاصل الدولة، مع ضياع واضح لملامح الدولة القوية في ظل التجاوزات الكثيرة من قبل الفصائل المسلحة، واتباع ذات الطرق المرفوضة في توزيع المناصب على الشخصيات النافذة، تقابله زيادة في الأزمات الاقتصادية و”التبعية لدول الجوار”، مع التضييق المستمر على المدنيين والصحافيين والناشطين.
وشهدت الأشهر الماضية، حالات انتهاكات ضد المحتجين السابقين وبعضهم ممن اختار الترشح في الانتخابات المحلية (انتخابات مجالس المحافظات) المقررة في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل. ودهمت قوة أمنية في مدينة البصرة (جنوب) منزل الناشط المدني، عمار سرحان، واعتقلته واقتادته إلى جهة مجهولة، من دون معرفة أسباب الاعتقال. وفي مدينة النجف، تعرض الناشطون زيد محمد وحيدر جواهر وعلي حسين، إلى محاولة دهس مطلع الشهر الحالي، من قبل سيارة سوداء اللون من دون لوحات تسجيل، أثناء خروجهم من أحد المقاهي، وأسفر الحادث عن إصابة أحد الناشطين بجروح في اليد والقدم، فيما فرَّ المعتدون إلى جهة مجهولة.
غياب التغيير في العراق
في السياق، قال النائب المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي، إن “الحراك المدني لم يلمس أي تغيير على مستوى الخدمات والحريات خلال السنوات الماضية، إضافة إلى شكل إدارة الدولة الذي لم يتغير، مع تناوب الأحزاب على المناصب الهامة بطريقة المحاصصة المرفوضة شعبياً”. وأكد السلامي في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أن “الأحزاب الكبيرة تخشى كثيراً من الاحتجاجات الغاضبة ضد الطبقة الحاكمة، لذلك تعتمد على التخويف من خلال الانتشار الأمني الذي يسبق كل تصعيد شعبي، بالإضافة إلى محاسبة الصحافيين والناشطين الذين يعلقون علناً ضد الممارسات الحكومية والوزارية وحتى النيابية”.
وأضاف السلامي، أن “الظروف الحالية لا تختلف عن السابقة، بالتالي فإن فرص الاحتجاج والتظاهر ضد الأحزاب التي تسيطر على الحكومة، متوفرة في كل الأوقات”، مشيراً إلى أن “الوعي السياسي للعراقيين تصاعد بشكلٍ كبير، ولم تعد حيل الأحزاب تنطلي على المتظاهرين، وأن الحكومة لا تريد أن تساعد نفسها في تنفيذ مطالب الشعب العراقي، التي تتلخص بحصر السلاح بيد الدولة ورفع هيمنة الأحزاب الدينية عن المؤسسات الرسمية والوزارات وغيرها، والكشف عن قتلة المتظاهرين والمتسببين بسقوط مدن كبيرة بيد التنظيمات الإرهابية”.
من جهته، أشار المتحدث باسم حركة “وعي” (حزب سياسي مدني) حامد السيد، إلى أن “احتمالات الغضب الشعبي واردة في ظل الهدوء الذي تشهده الأوضاع الحالية، وهو هدوء وليس استقراراً بطبيعة الحال”، موضحاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الوقفات الاحتجاجية لا تؤثر على السلطة وقد يكون هذا النوع من الاحتجاج هو الوسيلة الممسوكة من قبل السلطة نفسها، وغير مستبعد أن نشهد خلال الشهر المقبل تيارين لتشرين، أحدهما متفاهم مع المعادلة الحاكمة وتابع لمخرجاتها، والثاني معارض لها ويقود مقاطعتها ومقاطعة القوى المدنية والليبرالية التي تراجعت عن رفضها للمجالس المحلية وتنوي المشاركة في سباقها بقانون (سانت ليغو) المحور”.
من جانبه، أشار رئيس حراك “البيت العراقي” محيي الأنصاري، إلى أن “العقل الحاكم في العراق، ما يزال ينظر إلى أن المدنيين والناشطين والصحافيين والأصوات الحرة، جميعهم يمثلون خطراً على الوضع السياسي والسيطرة الحزبية على الحكومة والنظام، لذلك فإنهم يستخدمون التخوين والتخويف والشيطنة مع الحراك المدني”، معتبراً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “ذكرى احتجاجات تشرين لن تشهد أي تصعيد، لكن في الحقيقة لا أحد يعرف إلى أين سينتهي الغضب الكامن عند العراقيين، وكيف سيكون شكل انفجاره في المرحلة المقبلة”.
أما الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، فقد أكد أن “المحتجين انقسموا إلى أكثر من قسم خلال السنوات الأربع الماضية، مع تطور أفكارهم وهناك من بات يلجأ إلى التغيير السلمي عبر الاشتراك بالعمل السياسي، لكن على الأغلب لن يصمدوا أمام المغريات والأموال والمناصب، وبعضهم سقط في فخ الأحزاب الدينية من خلال شرائهم بصورة علنية، وهناك قسم آخر يعمل بصمت عبر فضح ممارسات النظام، من خلال العمل في مجال المجتمع المدني”.
وأضاف الركابي في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “هناك شريحة غاضبة جداً من الشباب العراقيين، وتحديداً شريحة الخريجين الذين لا يملكون قوت يومهم، ولا تتوفر لهم فرص عمل سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، وهؤلاء يمثلون قنبلة موقوتة، قد تنفجر في أية لحظة، لا سيما وأن ملف التعيينات الحكومية حصرته الأحزاب فيما بينها فقط”، مؤكداً أن “عودة الاحتجاجات قد تتم في أي لحظة، مع تكتيكات ومطالب جديدة، ربما سيكون أبرزها إسقاط النظام بالكامل”.