نديم الجابري يكتب| الأهداف المحتملة للتحركات العسكرية الاميركية
عراقيون| مقالات رأي
تباينت التحليلات السياسية حول التحركات العسكرية الاميركية في المنطقة . و قد تراوحت تلك التحليلات ما بين التمنيات و القراءات الموضوعية التي يعتد بها .
و لعل اهم تلك التحليلات كانت قد تمثلت بالربط ما بين تلك التحركات و عملية اسقاط نظام الحكم في العراق على غرار ما حدث في عام 2003 .
واقعا ، و ان كان ذلك امرا غير مستبعد وفق تقلبات السياسة الاميركية و اسلوب تعاملها مع حلفائها بيد ان هناك ما يفند هذا الاحتمال . و لعل اهم المعطيات التي تفند هذه الوجهة ما يأتي :
1 – ان نظام الحكم في العراق تم تأسيسه على يد الولايات المتحدة الأميركية و التي لا تزال راعية له لأنه لازال محافظا على المصالح الاميركية في المنطقة و لم يتقاطع معها بشكل يستوجب تغييره .
2 – ان الظروف الدولية الراهنة قد اختلفت ، الى حد كبير ، عن ظروف عام 2003 . فالنظام الدولي كان نظاما احادي القطبية عام 2003 و لذلك من السهل تطويعه نحو الوجهة الامريكية بسهولة . اما النظام الدولي الحالي فقد اصبح ثلاثي القطبية لذلك من الصعب تطويعه نحو الوجهة الامريكية خصوصا بعد الغزوة الصينية الاقتصادية التي حدثت في جدة و الغزوة الروسية العسكرية في اوكرانيا .
عليه ، و ضمن هذه الحسابات الدولية يصبح امر اسقاط النظام في العراق من الخارج و بموجب هذه التحركات العسكرية امرا مستبعدا على المدى المنظور .
3 – و الراجح ان الولايات المتحدة الاميركية ليست بحاجة الى الخيار العسكري لإسقاط النظام في العراق لأن تكلفته قد تكون باهظة من جهة ، و لأن لديها خيارات اخرى غير مكلفة ممكن ان تسقط النظام في العراق من خلالها . و لعل أهم تلك الخيارات ان توفرت لديها القناعة لإسقاط النظام في العراق هي :
أ – اذا كانت ترغب بإسقاط النظام في العراق عن طريق الثورة الشعبية فيكفي انها تقوم بتجفيف منابع الدولار عن الحكومة العراقية عند ذلك سينهار كل شئ و تنتهي اللعبة .
ب – أما اذا كانت راغبة باسقاط النظام في العراق عن طريق الانقلاب فإنها ستكتفي بدعم مغامر مدني أو عسكري يضطلع بهذه المهمة و ينهي قواعد اللعبة بأقل تكلفة ممكنة .
عليه ، فان الربط ما بين التحركات العسكرية الاميركية و اسقاط النظام في العراق أمرا مستبعدا على المدى المنظور .
و ربما تكون هناك احتمالات أخرى اكثر واقعية لتفسير تلك التحركات العسكرية منها احتمالين اساسيين هما :
1 – الاحتمال الاول يكمن في عملية عسكرية قد تستهدف اسقاط النظام السوري لأن الولايات المتحدة الاميركية منزعجة من قصة صمود النظام السوري و قدرته على البقاء رغم قدراته الاقتصادية المحدودة . اذ ان هذا الصمود قد يكون ملهما لدول اخرى مستهدفة امريكيا . فضلا عن قدرة النظام السوري على المناورة التي وضعته في المحور الروسي الأمر الذي لن تقبله الولايات المتحدة الاميركية اطلاقا بحكم الموقع الاستراتيجي لسوريا و حالة الجوار مع اسرائيل .
2 – الاحتمال الثاني لهذه التحركات العسكرية قد تكون عملية تستهدف المملكة العربية السعودية . و ذلك للأسباب الآتية :
أ – لأن السعودية بتأثير من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بدأت باتخاذ خطوات جادة لتحديث المملكة و بنائها من الداخل وفق منهج سليم يتجاوز ارث الماضي و مسوغات التأسيس على أمل أن تكون قائدة للمنطقة بحدود عام 2030 حسب الرؤية السعودية المستقبلية .
ب – حدثت في الآونة الاخيرة خلافات ما بين السعودية و الولايات المتحدة أزعجت الاخيرة كثيرا . لعل اهمها الخلاف حول زيادة تصدير النفط السعودي و الصلح السعودي الايراني الذي تم بوساطة روسية صينية و تسوية نزاعها مع قطر و الازمة الاوكرانية و مساهمتها في اعادة الحكومة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد الى جامعة الدول العربية و غيرها من الملفات التي ازعجت الولايات المتحدة كثيرا لأنها تمت خارج الحسابات الاميركية. لذلك كله فان المملكة قد تكون هدفا لتلك التحركات العسكرية .
ج- و يلاحظ ان الولايات المتحدة منزعجة من الدور السعودي الذي ساهم بإعادة صياغة النظام الدولي و تحويله من نظام أحادي القطبية الى نظام ثلاثي القطبية . اذ ان السعودية هي التي فتحت ابواب الشرق الاوسط أمام القطب الصيني . و لعل مؤتمر قمة جدة العربية الصينية كان مصداقا لذلك . كما انها انفتحت على روسيا و تعاطت معها بوصفها قطبا دوليا جديدا الأمر الذي أزعج الولايات المتحدة كثيرا . و قد يدفعها لاستهداف المملكة.