شوان زنكنة يكتب| فتوى بخصوص لعبة “لوتو العراق”
عراقيون| مقالات رأي
رخَّصتْ وزارةُ العمل والشؤون الاجتماعية لشركةٍ خاصةٍ إنشاءَ مشروعٍ للعبةِ يانصيبٍ باسم “لوتو العراق”، على غرار لعبة الـ(لوتو) العالمية المعروفة، تحت غطاء تخصيص قسمٍ من واردات هذا اليانصيب لدعم الفئات المستفيدة من خدمات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كالأيتام، والمعاقين، والعجزة، والأرامل.
ما هي لعبة اللوتو
هي ورقةُ اختيارٍ مكوّنة من 8 شبكات، يشتريها اللاعبُ من مكتبٍ تابع للشركة، ثم يقوم بِتعبئَتها، وذلك باختيار 6 أرقام للشبكة الواحدة، ثم يستلم بها بطاقةً من المكتب المُرخّص تُثبّتُ اختياراته، وتكون هي الوثيقة التي يحصل بها على الجائزة إذا توافَقت اختياراتُه مع السَّحبَة التي تجري مرّتين في الأسبوع.
بمعنى: هي سحبٌ عشوائي لأرقامٍ يشترك فيه عددٌ غفير من الذين اشتروا ورقةَ الاختيار، ويفوزُ فيه الذي يتوافق اختيارُه مع ما ظهر في السحب، من بين كافة المشتركين، وتجمعُ الشركة عائدات المبيعات، فتدفع منها الجوائزَ، ونسبةً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وتستحوذُ هي على الباقي.
تصوّرُ المسألة
واضح مما سبق أن أركان اللعبة تتكون من:
1- شركةٌ تبيع بطاقاتِ السحب، وتديرُ عَمليَّتَه، وتتصرفُ بوارداتِه.
2- عددٌ غفير من اللاعبين الحائزين على بطاقات السحب.
3- عددٌ محدود جدًّا من الفائزين في السحب.
4- معاملةٌ مالية تجري من خلال عمليةِ سحبٍ عشوائية.
أركانُ اللعبة تشيرُ بوضوحٍ إلى:
جمعُ مبلغٍ من المال من عددٍ غفير من المواطنين، وتوزيعُه من قبل طرفٍ ليس له حقُّ التصرفِ الشرعي فيه، وحقُّ توزيعِه على جهات محدّدة بغير وجه حقٍّ، من خلال سحب أرقامٍ بشكل عشوائي، قائمٍ في الأساس على الحظِّ، وليس من خلال توظيفٍ شرعي واقتصادي للنقد في عملية تنموية إنتاجية، مما يدفع بالكتلة النقدية المُجَمَّعةِ إلى التراكُم لدى جهاتٍ، لا لشيءٍ سوى حظوظ توافق الأرقام، من دون ممارسة أي نشاط اقتصادي، الأمرُ الذي سيتَسبّبُ بخللٍ في التوازن الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، وبشرخٍ عميقٍ في النسيج الاجتماعي والاسَري.
التكييف الشرعي
تَتكيَّفُ هذه المسألةُ من عدّة أوجهٍ، وتأخذُ حكمها بموجبها:
1- من جهةِ جريان أصلِ المعاملة: معلوم أن مَن يشاركُ في هذا السحب من اللاعبين، يُخاطر باحتمالية فوزٍ ضئيلة، في ظلِّ مشاركةٍ ضخمة، فالمعاملةُ من هذا الوجه، معاملةُ قِمَارٍ ومَيسِرٍ، وهو لَعِبٌ على مالٍ يُدفَعُ للفائزِ، في نشاطٍ غيرِ اقتصاديٍّ، ولا يقوم على الغُرْمِ بالغُنْمِ، ويَعتَريهِ الغَرَرُ والغَبْنُ، وهو محرَّمٌ بنصِّ الكتابِ والسنةِ، فقد قال تعالى: ” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ * فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ”. (المائدة: 90)
وروى البُخاريُّ عن أبي هريرة، أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَن حَلَفَ فقالَ في حَلِفِهِ: واللَّاتِ والعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ومَن قالَ لِصاحِبِهِ: تَعالَ أُقامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ”. (البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، طبعة جديدة، كراتشي: جمعية البشرى، 2016م، 2196)
وقد عرّفه الشيخ السعدي بقوله: وهو جميعُ المُغالبَات التي فيها عِوَضٌ من الجانبَينِ، كالمُراهَنة ونحوها. (السعدي، عبد الرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن، ط1، بيروت: دار الرسالة، 2002م، 243)
ويمكننا القولُ أن المَيسِر بمعناه الاصطلاحي في القران الكريم يشملُ كلَّ معاملةِ تضمّنتْ مُخاطَرةً أو مُراهَنةً أو مُقامَرةً، أو غَرَرًا، فيشملُ بيوعَ الغَرَرِ والقِمَارِ.
(موسوعة التفسير الموضوعي، الْمَيسِر، (www.modoee.com
2- من جهة القائمين بالمشروع: لا شكَّ أن لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية الحقَّ، قانونا، أن تُنوِّعَ مصادرَ دخلِها، لِترفعَ حجمَ دعمها الاجتماعي، ولكن؛ يجبُ عليها، أثناء قيامها بواجباتها هذه، مراعاةُ حقوق المواطنين، وتحقيقُ العدالة الاجتماعية، وعدمُ التسبّب بإثراءٍ غير مشروع، شرعًا وقانونًا، لبعض الجهات، وتحت غطاءٍ إنساني، يَستغِلُّ المشاعر والعواطف، ناهيك عن ضرورة تجنّبِها من أن تكون وسيلةً لترسيخ نشاطٍ اقتصادي واجتماعي مُضِرٍّ ومُحرَّمٍ.
فقد رَوى البخاريُّ عن خولة بنت قيس الأنصارية، بخصوص القائمين بشؤون الناس، أنّها سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: “إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ”. (البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، طبعة جديدة، كراتشي: جمعية البشرى، 2016م، 1454)
و”يتخوَّضون بغير حق” يعني: يتصرّفون في مال المسلمين بالباطل.. ووزارةُ العمل والشؤون الاجتماعية، بمشروعها هذا، تُروِّجُ القمارَ والميسرَ، وتضيّعُ أموال الفقراء والمساكين، الذين سيكونون أكثر المشاركين في هذا اليانصيب، على أمل ربحٍ سريع، وتُثري الجهات التي تُديرُ، والتي تُساهِمُ في إدارة هذا العمل المحرّم، في حين، هي سوف لن تُضيفَ دعمًا ملموسا إلى أنشطتها الاجتماعية، سوى مبالغ زهيدة لا تأخذ إلا حيزا محدودا جدا من ميزانيّتها الاجتماعية.
3- من جهة توظيف النقود: ليس الغَرَرُ هو الإشكالُ الوحيد في مشروع “لوتو العراق”، وإنما الإشكالُ الأكبر هو توظيفُ المال في نشاطٍ غير تَنمويٍّ أيضًا، فكما حرّمَ الشارعُ تجارةَ الخمر لكونه مالًا غيرَ مُتقَوَّمٍ، ولا يمكنُ استهلاكُه شرعًا، وبالتالي لا يكون جزءً من عمليةٍ تنموية، حرّمَ كذلك، وقياسًا عليه، توظيفَ المال في أنشطة لا تنموية، ناهيك عن أن هذا التوظيفَ مقرون، دائما، بالغَبن الذي يلحقُ بأحد طرفَي الميسِر، وهو أكلٌ لأموال الناس بالباطل، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ * وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ * إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” (النساء: 29)، فالربح والزيادة الناتجة عن النشاط الاقتصادي المتمثّل بالتجارة والإنتاج والتنمية، هي التي حَثَّ الشارعُ عليها، وأحلَّها لأطراف العملية الاقتصادية، وأما الزيادة المتولِّدة عن عملياتٍ غير تنموية، زيادةٌ رِبويّةٌ محرَّمة شرعًا، لأنها تتسبّب في زيادة كتلة نقدية لا يقابلها إنتاج من السلع والخدمات. وهذا سيؤدّي، حتمًا، إلى التضخم، وغلاء الأسعار، وانكماش النقود، وإثراءٍ للبعض بغير حقٍّ، وإفقارٍ لآخرين بالباطل، ناهيك عن آفة الإدْمان على القِمار.
4- من جهة الآثار الاجتماعية الناجمة عن هذا المشروع: لا شك أن معظم المشاركين في اليانصيب هذا، هم من ذوي الدخل المحدود، ومن المشمولين بالرعاية الاجتماعية، بسبب الرغبة والاشتياق إلى الغِنى والإثراء السريع، على أمل أن يدقَّ الحظُّ بابَهم.
(وقد تتعرّض الأسَرُ الكثيرة للخسائر المالية بسبب القمار واليانصيب، ولا يكون الفائزين بالجائزة كُثرًا، لذلك ينتج الكثير من الدُّيون التي تؤدّي إلى الكثير من التوتّرات العائلية. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدّي الإدمانُ على القِمار إلى العُزلة الاجتماعية، ويمكن أن يؤدي اليانصيبُ إلى إذكاء الأمل الزائِف في الفوز والغِنى، وربما التفكير في التوقّف عن العمل أو الاعتماد على هذه الأنشطة كمصدر للدخل). مدونة السعودية، اليانصيب، www.blog.sauditr.com
5- من جهة استغلال المشاعر الدينية والإنسانية: تخصيص نسبةٍ معينة من واردات المشروع (حوالي الثلث) للرعاية الاجتماعية، ليس إلا غطاء لتمرير هذا المشروع التجاري، إذ سيذهب معظمُ الواردات إلى الجهة المنفِّذة والفائزين، وجهاتٍ أخرى غير معلومة، فاستغلالُ المشاعر لتحقيق مكاسبَ مادية، عملٌ غيرُ أخلاقي، وغيرُ شرعي، وهو التفافٌ على القانون.. وتسخيرُ وسائل الإعلام للترويج لهذا المشروع بالتركيز على أنه مشروع خيري، خداعٌ، وتلاعبٌ بالمشاعر، وما هدمُ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم مسجدَ ضِرار، إلا دليل صارخ على منعه استغلالَ المشاعر الدينية لتحقيق مكاسب شخصية أو مآرب مَخفيّة.
الحكم الشرعي
نظرًا لِوجود الغَرَرِ والمُخاطَرةِ، ولِوقوع الغَبْنِ حقيقةً على عددٍ غفير من الناس، ولِتصرّف وزارةِ العمل والشؤون الاجتماعية في أموال الناس بغير حقٍّ، ولِلتوظيف غير الشرعي للنقود، ولِسوء الآثار الناجمة عن إدمان المَيسِر، ولِاستغلال المشاعر الدينية والإنسانية لتحقيق مكاسب شخصية، واستنادًا إلى الأدلة المُساقَة بهذا الصدد، فإن حُرمَةَ لعبة “توتو العراق، ثابتةٌ شرعَا، وهي من الرِّبا المُحرَّمِ. والله أعلم
الخاتمة
وفي ختام الفتوي، أوصي بما يلي:
1- قيامُ كافة المجامع الفقهية، والمراجع الدينية، المحلية والعالمية، السنية والشيعية، بتناول هذا الموضوع في لجان الفَتوى، وإصدار الفتوى الشرعية المناسبة بهذا الخصوص، وبالسرعة الممكنة، وذلك تفاديًا لوقوع الملايين من المسلمين في الربا.
2- قيامُ المؤسسات الاقتصادية، كالغُرف التجارية، واتّحادات المقاولين ورجال الأعمال، والمُنضمات المدنية بعقد الندوات بهذا الخصوص لبيان الأضرارِ الاقتصادية والاجتماعية الناجِمة عن هذا المشروع، وآثارِها السلبية على الأسرَة والمجتمع.
3- قيامُ الرئاسات العراقية الثلاث بالتدخّلِ العاجل لمنع هذا النشاط المُضِرِّ والمُحرَّم، اجتماعيا، واقتصاديا، وشرعيا.
4- قيامُ وسائل الإعلام الوطنية ببيان وتوضيح ضَررِ وحُرمَة هذا المشروع، وتوضيح الآثار السلبية، الاجتماعية والاقتصادية، على الأسرَة والمجتمع العراقي.
5- عدمُ مشاركة المواطنين العراقيين في هذا الميسِر، فهو رِبًا مُحرَّمٌ شرعًا، ومعاملةٌ مالية مُضرَّةٌ من الناحيتَين الاقتصادية والاجتماعية.