سرمد كوكب الجميل يكتب| التنمية: مسميات وتجارة رابحة
عراقيون| مقالات رأي
منذ عقود وتجارة السياسيين بهذا العنوان البائس التنمية ويبدو كان هناك مُنتجا للمسميات ومستخدما لها، فالاقتصاديون ينتجون وينحتون ما يخطر ببالهم من مصطلحات وينعم السياسيون بذلك لتكون تجارة رائجة ورابحة في مجتمعات التخلف .. واذكركم ببعضها تنمية اقتصادية وصناعية وزراعية ومالية وصحية وتربوية وانفجارية وشاملة و المستدامة واخرها تنمية بشرية وغيرها كثير لا يتسع المجال لذكرها .
نشأ مصطلح التنمية منذ قرون خلت ابان العهود الاستعمارية والتي امتدت من القرن السادس عشر ولغاية القرن العشرين وتطور في القرن التاسع عشر والهدف كان لخدمة المستعمر وتلبية متطلباته في الدول المستعمَرة ولاسيما الزراعة والتجارة واخيرا غلفت بالاقتصادية فاصبحت التنمية الاقتصادية وقد توهم البعض من الدول انها تتضمن الصناعية لاسيما في النصف الثاني من القرن العشرين وبعد هيمنت النظم العسكرية على معظم الدول النامية فقد استلموا الخطاب العالمي للتنمية بانها التصنيع وجاءت التفسيرات من قبل المعنين بالامر في الدول المتقدمة بان تريثوا في فهمكم فالتنمية ليست تصنيعا وبدات منذ الخمسينات من القرن الماضي نشريات المؤسسات الدولية تمطرنا بوابل من المقترحات والمسميات وتجد الدول المتخلفة ما بين مستقبل سلس او معاند او من فهم الامر بشكل معكوس او غير ذلك المهم في الامر ان الرسائل بدات توجه وبعناية، وان تنميتكم ليست اقتصادية حسب بل ينبغي ان تكون اجتماعية ايضا، واخيرا سوقوا المستدامة وكان هذا في ثمانينات القرن الماضي وقد شكل ذلك التدفق المستمر للمصطلحات مدخلا جميلا ومناسبا للسياسيين للترويج لسياساتهم واضافوا للتنمية ما اضافوا من مصطلحات انفجارية شاملة قطاعية قومية فكانت بمثابة شعارات جذابة وتعبوية انساقت وراءها الشعوب وهتفت لها وتفاعلت معها وعلى الرغم من كل ذلك بقيت المجتمعات على ما هي عليه من تخلف ويكاد المرء يلمسها في حياته اليومية كل وقت ومكان وحين ويسال اين ذهبت تلك التنمية الموعودة ؟؟؟
واخيرا وليس اخرا كانت المستدامة ويبدو وبعد قرون وعقود اكتشفوا بان التنمية لا بد ان تستدام !! وان البيئة ينبغي المحافظة عليها بثرواتها الطبيعية وراسمالها الطبيعي فلقد كانت تبعات تلك التنمويات تلوثاوتصحرا وتدنيا مسفرا للغابات شحة في المياه وتغيرا في المناخ والقصة طويلة …اشترك الجميع فيها.
وفي خضم الثلاثة عقود الاخيرة ومنذ بداية عقد التسعينات بدأت قصة المؤشرات والادلة والتقارير لتحكي لنا تصنيفات للدول وترتيبات لها وفق معايير مستمدة من بيانات من الدول المعنية بالامر وغلب عليها الرقم والبيان وغاب عنها المسح الميداتي وايا كان بناء المعيار او المؤشر فقد اعتمد على بيانات تصدرها حكومات ومؤسسات تلك الدول والتي تتسم بالكذب والتلاعب والفبركة لتظهر في النهاية بتقارير تقول انتم في اول القائمة والاخرون في نهايتها وتستمر الحكاية ..
واذ اقرأ واتابع كل او قل معظم ما ينشر ويعلن ويفصح عنه من مؤسسات دولية معنية بالامر وانا في الشارع والمدينة والحي والزقاق وارى النصب والاحتيال والتلاعب والكذب وارى واشاهد الازدحامات والاختناقات المرورية وارى الفقر والبطالة والجهل وارى المرض والمستشفيات العاطلة عن العمل وارى التعليم وقد تردى في اولياته ومتوسطاته ونهاياته وارى البحوث العلمية التي لا يفهم معدها ولا يفهم القارئ مغزاها ومعناها وارى الهمجية بكل صورها تعرضها الشاشات وارى اللاعدالة واللاموضوعية وتدني الذوق وغيرها كثير فاسأل اين الواقع من تلك التنمية التي شغلونا بها عقودا، ويحق لنا القول انها كانت شعارات ليس الا ! وان مجتمعاتنا اليوم ابعد ما تكون عن تلك الدعوات و التنظيرات التنموية باختلاف مسمايتها واوصافها فمتى تستوعب مجتمعاتنا التمييز بين شعارات السياسة والعمل المجتمعي الجاد ….؟