بعد انتهاء مهامها الكشف عن فظائع ارتكبتها حكومة الكاظمي
عراقيون / ترك “مصطفى الكاظمي” كرسي رئاسة الوزراء لخلفه “محمد السوداني”، وبدأت الحقائق تتكشف للرأي العام العراقي، ولمن سانده في الداخل والخارج، لتثبت أن فترة حكمه لم تكن “وردية” بالقدر الذي صورها عليه مؤيدوه.
وترأس الكاظمي الحكومة العراقية بين السابع من أيار/مايو 2020 والثالث عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2022 إثر استقالة سلفه “عادل عبد المهدي”، على وقع التظاهرات العارمة التي عمت البلاد، إحتجاجاً على الفساد وقمع الحريات وإطلاق يد الميليشيات، لتوغل في دماء المتظاهرين والمناوئين للنظام.
وتضمن برنامج الكاظمي الحكومي العديد من الفقرات، من بينها “مكافحة الفساد وحماية ثروات العراق”، وكذلك تولّي “التشكيلات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية مهمة حماية الأمن الداخلي والسلم الأهلي وسيادة القانون وحقوق الإنسان وحرياته”، لكن العديد من المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج، أكدت أن وعوده كلها ذهبت أدراج الرياح.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها، إن فترة حكم الكاظمي شهدت حالات تعذيب وابتزاز وأشكالاً مختلفة من العنف، بما فيها الاغتصاب والعنف الجنسي والاعتقال في سجون سرية، لم تشمل فقط المعارضين للنظام، بل تعدت ذلك لتصل إلى رجال أعمال بهدف انتزاع اعترافات باطلة، وإجبارهم على التخلي عن ارصدتهم. وقالت الصحيفة إن حكومة الكاظمي اهتمت بمصادرة الأموال بدلاً من الملاحقة الفعلية للفساد، فيما أشارت مصادر أخرى لحالات اغتيال حدثت داخل السجون.
تضخم الاموال
وأظهرت التحريات وجود حالات إثراء غير مشروع لعدد من مساعدي الكاظمي، حيث أعلنت الهيئة العليا لمكافحة الفساد التابعة لهيئة النزاهة أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، عن تنفيذ أمر القبض الصادر بحق مستشار الكاظمي”هيثم الجبوري”، ألذي سبق له ترؤس اللجنة المالية البرلمانية. وقالت الهيئة في بيان لها، إن الأمر صدر على خلفية تهم بـتضخم أمواله وإثرائه على حساب المال العام”، وأنها “تمكنت من تنفيذ أمر القبض الصادر عن قاضي تحقيق الجنايات المختص بالنظر في قضايا الهيئة العليا لمكافحة الفساد، بحق رئيس اللجنة المالية النيابية للدورة السابقة، والمستشار السابق في رئاسة الوزراء؛ جراء تهم تتعلق بتضخم أمواله وإثرائه على حساب المال العام”. وأوضح البيان، إن “أمر القبض جاء على إثر عمليات التحرِي والتقصي عن أموال المتهم التي أجرتها دائرة الوقاية في هيئة النزاهة الاتحادية، عن أقيام العقارات والعجلات وكميات الذهب العائدة له، فضلاً عن القروض وراتبه بصفته مسشاراً لرئيس الوزراء السابق”. وبحسب البيان، فقد قدرت الدائرة أموال مستشار الكاظمي بأكثر من 16 مليار دينار (نحو 11 مليون دولار).
من جهة أخرى تغاضى القضاء العراقي عن جرائم اغتيال حدثت داخل السجون خلال فترة تولي الكاظمي رئاسة الوزراء رغم أنها موثقة ومثبتة بالأدلة، فيما أصدر مذكرات قبض بقضايا تتعلق بالفساد المالي، على غرار قضية “هيثم الجبوري”، قالت مصادر صحفية إنها قد تنتهي بعقد صفقة تنتهي بإطلاق سراح المتهمين، مشابهة للصفقة التي أبرمت مع المدانين بقضية سرقة أموال هيئة الضرائب.
من فرق الموت الى زوار الليل
وكشف الكاتب “وائل عصام” في مقال له، عن زيف الصورة التي حاول البعض إضفاءها على الحكومة السابقة، مؤكداً أن “الكاظمي الذي كان ينظر إليه بأنه وحكومته أكثر اعتدالاً وامتثالاً للقانون، وابتعاداً عن عقلية حكم الميليشيات، تبين أن فريقه الأمني استغل صلاحيات لجنةٍ لمكافحة الفساد، ومارس صنوفاً من التعذيب والانتهاكات في سجون سرية، ضد معتقلين في مطار بغداد والمنطقة الخضراء”. وتابع الكاتب القول، إن “حكومتي الجعفري والمالكي ومن بعده العبادي، اتهمت من قبل كبرى المؤسسات الحقوقية الدولية بانتهاج سياسات أمنية قائمة على القمع الممنهج والانتهاكات والخطف والتصفية والتعذيب تقوم على الطائفية، وكانت أشهر التسميات التي أطلقت على تلك القوات والميليشيات الأمنية هي فرق الموت، واليوم تعود الصحف الأمريكية نفسها، لتكشف عن زوار الليل”، في إشارة لتقرير الواشنطن بوست، الذي تطرق لممارسات “اللجنة 29″، ألتي ارتبط اسمها باللواء “أحمد أبو رغيف”.
وكان تقرير الصحيفة الذي استغرق إعداده شهوراً عدة، قد أورد شهادات وأدلة على ضلوع لجنة أمنية أدارها وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات ومستشار الكاظمي “أحمد أبو رغيف” بممارسات تعذيب، وتسببت بوفاة معتقلين.
إغتيالات داخل السجون
وأوردت الصحيفة أمثلة على حالات اغتيال حدثت داخل السجون، منها شهادة أقارب المدير العام السابق للشركة العامة لتجارة المواد الغذائية “قاسم حمود منصور”، ألذي توفي في آب/أغسطس 2021 بعد اعتقاله من قبل لجنة أبو رغيف. وأكدت الصحيفة إنها اطلعت على صور للمجني عليه تظهر كدمات على جبهته، كما أن عدة أسنان قد اقتلعت من فمه، وهي إحدى طرق التعذيب التي تستعملها الأجهزة الأمنية. وقال ذوو المجني عليه في أحاديث تلفزيونية، إنه ذهب إلى عمله في حي المنصور حيث جرى اعتقاله، لينقل إلى المستشفى بعد 15 يوماً وقد فارق الحياة.
والتقت الصحيفة بخمسة محتجزين سابقين لدى الهيئة، وعوائل تسعة معتقلين آخرين، كما أجرت لقاءات مع أحد عشر مسؤولاً عراقياً وغربياً على اطلاع بعمل الهيئة، توصلت من خلالها إلى أن إجراءات المحققين لم تتضمن التحري عن شبهات فساد بقدر ما كانت تنطوي على الانتهاكات والإهانة، واجبار المعتقلين على التوقيع على اعترافات معدة مسبقاً.
وأضافت الصحيفة إن المعتقلين كانوا يقادون “معصوبي الأعين، وتعرضوا للصعق بالكهرباء المتكرر، وضربوا بالعصي، والإيهام بالغرق، وتجريدهم من ملابسهم”، مؤكدة أن رجلين على الأقل أخبرا عائلاتهما وممثليهما القانونيين، أنهما تعرضا للاعتداء الجنسي.