مونديال قطر يحيي شرف العروبة والاسلام
لأننا نعيش في عصر الصورة وتجلياتها في التأثير والإدراك، فقد استوعبت قطر الشقيقة مفاهيم العصر وأدوات التأثير فيه، واستخدمته في تقديم صورة أكثر إشراقاً للحضارة العربية والإسلامية وبحرفية عالية في تنظيم مونديال كأس العالم.
إنه التحدي الكبير أن تقام مناسبة دولية هي محل أنظار مئات الملايين من البشر في دولة صغيرة، شنت ضدها العديد من الحملات الغربية للتشكيك في إقامة المونديال بسبب حرب روسيا وأوكرانيا، تارة بعلة عدم القدرة على التنظيم الجيد، غير ان قطر حملت سلاحي الثقة بالنفس والقدرة على الإنجاز وفاجأت العالم بقدرة غير مسبوقة على تنظيم المونديال.
ونجحت قطر بعزيمة في تحويل المونديال من مجرد مسابقات دولية على أرضها إلى حالة دولية وعالمية وانسانية تتخللها فضاءات السياسة والثقافة والدين والحضارة والابهار الفني في مزيج مبدع استطاع ان يثير دهشة شعوب العالم شرقاً وغرباً.
وهذا يعني من جانب الأمل الكبير في استعادتنا لحيوية الامة مجدداً بعد ما عانته من تشظ وتمزيق وفتن طائفية.
اتنزعت قطر فرصة تنظيم المونديال من فم الأسد قبل 11 عاماً، وأثبتت للعالم جدارتها تنظيماً وادارة وفناً وثقافة وحضارة، ولم تقدم قطر في تجربة مونديالها صورة مكررة من مونديالات سابقة، بل قدمت صورة العربي والمسلم على الوجه الذي يمثلها ويمثلنا جميعاً دون تقليد أو محاكاة لأحد، فحققت معنى التفرد والابداع والدهشة.
في تقديري ان تنظيم هذا المونديال بقطر في هذا التوقيت الدولي وتحدياته السياسية والدينية والاجتماعية، هبة من الخالق العظيم لكشف حقيقة الجينات العربية وقدرتها على الحفاظ على هويتها رغم نجاح الغرب في تصدير ثقافته إلينا وإلباسنا إياها، لكننا مع أول فرصة لخلع هذا القناع المزيف كشفنا عن معدننا وحقيقة ثقافتنا الغارقة في الإنسانية والفضيلة.
قطر أكدت عملياً حقيقة انه اذا كان الغرب قد نجح في تقديم حضارته وثقافته وتصدرها للمشهد العالمي وهذا حقه، فإننا نحن أيضاً كعرب من حقنا أن نوظف حدثاً دولياً في تقديم هويتنا وإزالة كل الصورة الذهنية السلبية التي صنعها أعداؤنا لتصويرنا متخلفين أو ارهابيين.
فالرسالة التي قدمتها قطر تقول فيها للغرب بوضوح ان شروطك الثقافية والاجتماعية في المأكل والملبس واختيار الهوية والجنس ليست ملزمة لنا، وان ما تعتقده في بلادك من قوانين اجتماعية وحضارية من الصحة، فانها بالنسبة لنا كعرب ومسلمين ومسيحيين ليست صحيحة، وانه من حقي على أرضي العربية ان أقدم للعالم هويتي وثقافتي ومرتكزاتي الحضارية.
والحقيقة الواضحة للعيان ان قطر قد نجحت في تقديم هذا النموذج للعالم عبر المونديال بشكل راق ومحترم جداً ودون اية اساءات للفكر الغربي، على منهج لكم دينكم ولي دين، فوجدنا المنع لمجتمع الميم، في مقابل آراء تؤيد حق مجتمع الميم من التعبير عن نفسه.
والمتابع للمونديال يجد ان قطر تحولت إلى ساحة تختلط وتشتبك فيها الافكار والثقافات والحضارات، ولكن الملفت بحق ان الغرب قد رأوا الوجه الحقيقي للإسلام على أرض الواقع وليس على شاشات التلفاز .
شاهدوا كيف نربي أطفالنا حتى يشبوا عن الطوق، كيف نصنع المستقبل ونخلق قيادات قادرة على المنافسة العالمية، وتعرفوا على فكرنا الاقتصادي، وكل ذلك قد انعكس في الفكر الهندسي الذي تم به تصميم المباني والمنشآت الخاصة بالمونديال، وكافة الفعاليات الثقافية والفنية من أغاني وفنون يدوية ومستوى الخدمة المقدمة لضيوف المونديال وغيرها من تجليات البيئة العربية الحضارية التي أفرزتها.
أثبتت قطر للعالم ان كاتالوج الغرب ليس هو الأصلح لقيادة العالم، وان هناك كاتالوجاً آخر عربياً وإسلامياً جديراً بالتعرف عليه واحترامه واحتذائه بحفاظه على فطرة الإنسان وكرامته ودينه الذي يتمم له مكارم الاخلاق.
وإذا لم تحصد قطر جائزة المونديال الكروية فانها قد حصدت جائزة شرف الدفاع عن الدين والهوية واثبات حق العربي في صون معتقده وثقافته وفخره بها، من خلال النموذج الحضاري الذي قدمته قطر في احترام الخصوصية الذاتية لوطنها وعروبتها مع احترام خصوصية الآخر وثقافته.
ومن الوهلة الاولى عمدت قطر على اضفاء الروح العربية على المونديال من خلال اختيار التميمة التي تدعى “لاعيب” فهي عبارة عن العمامة العربية الشهيرة، تداعب كرة قدم.
والحماس والدعم العربي والإسلامي لاقامة البطولة في قطر قد ترجمه حضور الرؤساء والملوك والزعماء العرب كما ترجمته الشعوب في لحمة واحدة بحضور جلالة الملك عبدالله ملك الأردن، والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس، والرئيس التركي طيب أردوغان، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الذي كان حضوراً مبهراً لتمثيل السعودية.