البرنامج النّووي الإيراني يتقدّم والعالم يترقب!
عراقيون / في خضم موجة الاحتجاجات الشعبية العارمة التي تعصف بإيران، أصدر مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” قراراً يدين تجاوزات السلطات الإيرانية لالتزاماتها بموجب اتفاقية الضمانات الخاصة بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ويهدد بإحالة المسألة إلى مجلس الأمن، مع ما يعنيه ذلك من احتمال إطلاق آلية العقوبات المضادة “سناب باك” التي ينص عليها الاتفاق النووي لعام 2015 مع ملاحقه.
إنها المرة الثانية خلال هذا العام التي يصدر فيها مجلس محافظي الوكالة قرار إدانة بحق إيران التي يتهمها – في ما يتهمها – بأنها لم تقدّم حتى الآن تفسيرات مقبولة وذات صدقية فنياً لوجود جزيئات اليورانيوم التي اكتُشفت، وتحديداً في ثلاثة مواقع لم يسبق للإيرانيين أن أعلنوا عنها. يضاف إلى ذلك أن طهران لم توقف خرقها للقيود المفروضة عليها بموجب الاتفاق النووي الذي يحظر عليها تخصيب مادة اليورانيوم إلى مستوى يتعدى 3.65%، فيما بلغ معدل نسبة التخصيب الحالية في عدد من المنشآت، وفي مقدمها “نطنز”، ما يفوق 60%، وثمة تقارير استخبارية منشورة في الصحافة الغربية تفيد بأن الإيرانيين رفعوا في بعض الحالات نسبة التخصيب إلى معدلات أعلى قد تصل إلى 90%، ما يعتبر خرقاً خطيراً، كون النسبة تعني عسكرة البرنامج النووي علناً وعلى مرأى من العالم.
ولم يكتفِ مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بهذا، بل أضاف أن إيران أوقفت معظم أوجه التعاون معها، وهي سبق أن نزعت كاميرات المراقبة التابعة للوكالة، ثم منعت فرق التفتيش من متابعة عمليات التفتيش المباغتة التي تنص عليها اتفاقية الضمانات الملحقة بالاتفاق النووي لعام 2015.
ما تقدم يفيد بأن إيران ماضية في مشروعها الاستراتيجي لتصير دولة نووية في مدى قريب إلى متوسط، في وقت لم تتمكن الدول الغربية الرئيسية المعنية بالاتفاق النووي لعام 2015، وهي الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، ومعها حلفاؤها في الشرق الأوسط والعالم، من صوغ استراتيجية ردع حقيقية لمنع إيران من صنع قنبلتها النووية الأولى. حتى الآن لا يزال الأوروبيون يراهنون على عودة إيران إلى احترام التزاماتها بالنسبة إلى الاتفاق النووي وتطبيقها، ويراهنون على تمسك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بخيار العودة إلى الاتفاق النووي مهما كلف الأمر، فيما يُرجح أن إيران قد تجاوزته، ولن تعود إلى الخلف حتى لو عادت وجلست إلى طاولة المفاوضات في فيينا، أو قررت إحياء إجراءات التعاون مع الوكالة على الأرض.
ولعل سبب ترجيحنا أن إيران لن تعود إلى الاتفاق الأصلي أنها تراهن اليوم على عامل الوقت، إذ إن مرحلة ما يسمى “الغروب” أي بدء انتهاء مهل عدد من القيود اقتربت كثيراً، ولم يعد في ظل المرحلة الدولية المتأزمة التي أسست لها حرب روسيا على أوكرانيا من داع لاستعجال الالتزام بالقيود المفروضة. وتراهن إيران على عدم وجود رغبة أميركية في وضع “الخيار العسكري” على الطاولة، كما تطالب بذلك إسرائيل التي لم توقف مناوراتها وتدريباتها لمحاكاة هجوم على المنشآت النووية الإيرانية ساعة تقتنع بأنه لم يعد من خيار آخر مطروح لمنع إيران من صنع قنبلتها النووية الأولى.
صحيح أن طهران تمتلك قدرات ومهارات تكنولوجية وفنية في مجال البرنامج النووي، ولديها القاعدة العلمية والعلماء لهذا الغرض، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة التصنيع. وثمة في العواصم الغربية، وبعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية، من يقول إن إيران سوف تصل إلى العتبة النووية وتقف عندها، تزامناً مع تحضيرها لمرحلة الإنتاج في أي لحظة تراها مناسبة لذلك.
استتباعاً سوف تواصل إيران المنشغلة بأزمتها الداخلية العميقة ممارسة لعبة “القط والفأر” مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ومن خلفها المجتمع الدولي المنقسم أكثر من أي وقت مضى في ضوء الحرب الباردة الجديدة، تارة تعلن أنها مستعدة للتعاون مع الوكالة، وطوراً تعلن أنها قد تعلّق التعاون رداً على مطالب الوكالة وقرارات مجلس المحافظين.
إن البرنامج النووي الإيراني هو في الأصل برنامج أهدافه عسكرية، ولن يتغير. والشق العسكري السري الذي كان يديره العالم محسن فخري زاده الذي اغتيل قبل عامين في ضواحي طهران على يد “الموساد” الإسرائيلي لم يتوقف يوماً. ولغاية الآن فشلت استراتيجية العقوبات، ثم الاحتواء، ثم الانفتاح، وأخيراً استراتيجية تمزيق الاتفاق من دون وضع “الخيار العسكري” بصدقية على الطاولة. من هنا يوماً بعد يوم ستقترب طهران من تصنيع قنبلتها النووية، فيما العالم، وفي مقدمه الولايات المتحدة، يتفرج من بعيد!