سعد سعيد الديوه جي يكتب|هل القرآن سرياني – آرامي …؟
عراقيون/ مقالات رأي
لم يتعرض كتاب للتجريح والتشهير مثلما تعرض له القرآن الكريم منذ نزوله والى حد الآن على ألسُن مبغضيه، ولو إستعرضنا هذه الأمور لأحتجنا الى مجلدات، رغم أن القرآن بحد ذاته معجزة لفظية وبيانية وعلمية، ناهيك عن ما يحتويه من معتقدات تخص التوحيد الخالص، الذي يدعيه أهل الكتاب وغيرهم.
وفي هذا الموضع سنقف على إدعاءات يقول بها أعداء القرآن، وهو عبارة عن كتاب سرياني – آرامي لما يحتويه من مصطلحات من هاتين اللغتين.
وهم من خلال طروحاتهم لا يعرفون أي شيء عن أصول هذه اللغات وصلتها باللسان العربي المبين الذي نزل به القرآن الكريم، وبمجرد وجود مفردات مشابهة للسريانبة أو الآرامية فهذا يعني أن القرآن سرياني ولا غير.
فالدراسات اللغوية المقارنة تشير الى أن اللغة الأكدية (ليشان أكدي) التي أستخدمها الأكديون في وسط وجنوب العراق منذ أواخر الألف الرابع قبل الميلاد هي أم وأصل لغات الأقوام اللاحقة، وكان الأكديون قد أتوا من شبه الجزيرة العربية، وحلت لغتهم محل اللغة السومرية، وعليه فالأكدية هي أُم المجموعة اللغوية التي تشمل العربية بفروعها والعبرية والآرامية والكنعانية والسريانية، والفينيقية، والآشورية والبابلية، …الخ.
ويمكن أعتبار هذه اللغات لهجات (ألسن) من اللغة الأُم تبلورت مع مرور الزمن فصارت كلغات مستقلة، أطلق عليها الغربيون مصطلح عائلة اللغات السامية (Semitic Languages)، وسميت الأقوام التي تكلمت بها بالأقوام السامية (Semites)، وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو العالم النمساوي شلوتزر (schlozer) عام 1781م، معتمداً على ما ورد في سفر التكوين، وهو أول أسفار العهد القديم على أن هؤلاء الأقوام من نسل سام بن نوح (ع)!.
إن التأثير المتبادل لهذه الألسن نتيجة الأصل الواحد لم يكن خافياً على متتبعي هذه المسألة من المسلمين، حتى أن الفيلسوف الاندلسي الشهير إبن حزم (ت456هـ)، يقول “… فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن إختلافهم إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الزمان وإختلاف البلدان، ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصول”.
وهناك حقيقة بين المؤرخين أن اللغة الآرامية بخطها الأبجدي البسيط وهي من اللغات الجزرية العربية (السامية)، ظهرت على مسرح الحدث في الشرق منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وأزاحت من أمامها معظم الألسن الأخرى ذات الأصل المشترك، حتى الفرس استخدموها كلغة مراسلات بينهم.
وبعد إنتشار المسيحية وتنصر بعض الآراميين صاروا يسمون أنفسهم سوريين (سرياناً) نتيجة الى سوريا وتمييزاً لهم عن الآراميين الذين ظلوا على وثنيتهم، وعرفت لغتهم بالسريانية التي أصبحت أداة للتبشير المسيحي ووسيلة لنقل العلوم والمعارف اليونانية الى الحضارة العربية الإسلامية، وبانتشار اللغة العربية بعد الفتوحات الإسلامية أُزيحت السريانية الى حد كبير كلغة كتابة وتخاطباً، ومع ذلك ظلت السريانية كلغة تخاطب في مناطق شمال العراق وسوريا وإيران وبمصطلحات قريبة جداً من العربية والى الوقت الحاضر.
ومما لا شك فيه أن الأقوام العربية في كل من تدمر والأنباط والحضر قد استخدمت الآرامية في التدوين والمعاملات، حيث لم تكن العربية قد وجدت طريقها للتدوين بعد.
والى هذا الأصل تعود اللغة العربية بلهجات عديدة، كما احتفظت بظاهرة الإعراب، وهي ظاهرة موجودة في اللغة الأكدية، وكذلك تعد اللغة العربية من أكثر اللغات الجزرية (العربية القديمة) ثراءاً بالمفردات اللغوية وقابلية الاشتقاق للتعبير عن الجديد من الأفكار والمستحدث من وسائل الحياة.
وعليه فوجود مئات المصطلحات المتشابهة والمشتركة أمر حتمي لا نقاش حوله، ولا يعني أن القرآن هو سرياني وآرامي وهو استنباط متهافت جداً، وحيوية أي لغة لا بما تعطي فقط وإنما بما تأخذ وتطوعه في قالبها.
فعندما يقول تعالى ((إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٢﴾ يوسف))، وقوله تعالى ((لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴿١٠٣﴾ النحل))، وقوله تعالى ((لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿١٦﴾ القيامة))، وقوله تعالى ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٤﴾ ابراهيم)).
ففي الآيات نرى أن القرآن الكريم استخدم مصطلح اللسان ولم يستخدم مصطلح اللغة، فاللغة تشمل عدة ألسن (لهجات)، وأما اللسان فهو لغة خاصة لقوم معينين، فكانت لهجة قريش التي نزل بها القرآن هي أكثر اللهجات صفاءاً بين أخواتها الأُخر في اللغة العربية، وبهذا يقول تعالى ((وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴿١٠٣﴾ النحل)).
إن وجود مصطلحات من خارج أي لغة الى لغة أخرى لا يعبر عن ضعف اللغة الآخذة وإنما يعبر عن حيوية الإستيعاب، وإمكانية الأخذ تعبر عن حيوية قوية تمتلكها بعض اللغات ومنها اللغة العربية.