حكومة ترامب.. الأغنى في التاريخ الحديث سلام السعدي
أعضاء إدارة ترامب لديهم تاريخ حافل في قطاع الأعمال ويعتمدون على حرية التجارة بصورة كبيرة، وهو ما يناقض سياسات ترامب الحمائية.
بدأت معالم السياسة الاقتصادية الداخلية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بالاتضاح مع اختيار طاقم الإدارة الجديدة، إذ اختار الملياردير الأميركي مجموعة من حيتان المال في الولايات المتحدة، وينتظر أن يترأس قريبا أغنى حكومة على الإطلاق في التاريخ الحديث.
وتشير تقديرات بعض التقارير إلى أن ثروة الوزراء الذين اختارهم الرئيس الأميركي الجديد لتشكيل حكومته تصل إلى 35 مليار دولار. ويعادل ذلك ثروة نحو ستين مليون أميركي، أي ما يعادل نحو 20 بالمئة من سكان الولايات المتحدة، وما يقارب أيضا عدد سكان دولة مثل بريطانيا أو فرنسا.
وتعكس صورة أقوى دولة في العالم، صورة العالم نفسه من حيث التوزيع غير العادل للثروة، الذي يزداد حدة وقسوة. فبحسب تقرير لمنظمة أوكسفام في العام الماضي، باتت ثروة واحد بالمئة من البشر في العالم تتجاوز ثروة بقية البشر أي 99 بالمئة من سكان العالم. وأكد التقرير أن ثروة 62 شخصية فاحشة الثراء باتت تعادل ثروة نصف سكان الكرة الأرضية.
يستمد دونالد ترامب بعض سياساته الاقتصادية من الرئيس الأميركي رونالد ريغان الذي أصبح رئيسا للولايات المتحدة في عام 1981 وحكم لفترتين رئاسيتين. وقد أحدث قطيعة اقتصادية مع الإدارة الأميركية التي سبقته وذلك بخدمة مصالح القطاع الخاص وكبرى الشركات الأميركية.
وقد فعل ريغان ذلك من خلال خفض الضرائب بمعدلات كبيرة وغير مسبوقة. كانت القاعدة الاقتصادية التي يستند إليها تقول بأن خفض الضرائب سوف يحفز رأس المال على الاستثمار ويوسع بالتالي قاعدة النشاط الاقتصادي ويوفر فرص العمل، وهي القاعدة ذاتها التي يتبعها ترامب على المستوى النظري.
وتوعد ترامب إلى جانب ذلك بانتهاج مجموعة سياسات اقتصادية تختلف بصورة تامة عن سياسات ريغان، خاصة في ما يتعلق بالسياسات الحمائية ورفع التعريفات الجمركية على الواردات.
لكن ترامب لم يقدم حتى الآن أي أبعاد نظرية أو أيديولوجية لتحقيق تلك الأهداف. وقد أكد ذلك من خلال اختيار أعضاء إدارته الجديدة، الذين لديهم تاريخ حافل في قطاع الأعمال ويعتمدون على حرية التجارة بصورة كبيرة، وهو ما يناقض سياساته الحمائية.
خلال الحملة الانتخابية، وضع ترامب تلك التغيرات الاقتصادية الكبيرة في سياقين؛ الأول يتعلق بتحسين أداء الحكومة الأميركية عبر اختيار شخصيات متمرسة بعالم المال لانتزاع صفقات جديدة لصالح الولايات المتحدة وإعادة التفاوض على اتفاقيات قديمة يراها “كارثية” وتمت عن طريق سياسيين بيروقراطيين وضعيفي الخبرة في عالم المال.
أما السياق الثاني فيتعلق بخدمة الأميركيين وخلق عدد كبير من الوظائف، فضلاً عن منع الشركات الأميركية من مغادرة الولايات المتحدة بحثا عن العمالة الرخيصة.
ويسعى ترامب في هذا السياق لإعادة التفاوض على بعض اتفاقيات التجارة الحرة وخصوصا اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، رغم أنه استفاد بصورة كبيرة، مع بقية قطاع الأعمال، من تحطيم السياسات الحمائية في عهد الرئيس ريغان في ثمانينات القرن الماضي.
وبعكس ما يروج له ترامب، تحظى الولايات المتحدة بموقع قوي في تلك الاتفاقيات، وأحيانا بأكثر مما تستحقه اقتصاديا بفعل تفوقها العسكري.
ومع ذلك، يبدو مصرا على تغيير اتفاق “نافتا” لأن ذلك يخدم أحد دعائم سياسته وهو إيقاف هجرة المصانع الأميركية إلى المكسيك حيث العمالة الرخيصة. يريد تـرامب تحقيق ذلك عبر خفـض الضـرائب في أميـركا لتشكل محفزا على بقاء الشركات، لكنه يريد أيضاً فرض تعرفة جمركية على البضائع التي تدخل من المكسيك والتي تنتجها المصانع الأميركية التي انتقلت إلى هناك. لكن تلك التعرفة تخالف الاتفاقية ولذلك يهاجمها باستمرار ويريد استبدالها.
إذا نجح ترامب في ذلك، فيمكن أن تؤدي السياسة الجديدة إلى توفير عدد كبير من الوظائف، وهو ما سيحقق له استقرارا اجتماعيا واقتصاديا قد يمكنه من البقاء على رأس إدارته ثماني سنوات.
المسألة الثانية التي توعد بها على الصعيد الاقتصادي والتي قد تساعده على تحقيق نوع من الاستقرار المؤقت هي زيادة الإنفاق العام على البنية التحتية. وسيوفر ذلك أعداداً كبيرة من الوظائف، لكنها وظائف منخفضة الأجور وبدوام جزئي أي ليست مستدامة.
ولا يبدو ترامب مهتما بنوعية الوظائف وإنما بعددها وما تخلقه من شعور بالرضا لدى شرائح واسعة من الأميركيين بحيث يستطيع توظيف ذلك سياسياً.
لكن خفض الضرائب سيكون صعبا بالتزامن مع زيادة الإنفاق على البنية التحتية، إلا باللجوء إلى زيادة الدين العام والتمويل بالعجز. وبغـض النظـر عن الآثار الاقتصادية بعيـدة المدى لهـذا الخيار، فهنالك هدف سياسي يسعى دونالد ترامب لتحقيقه وهو استقرار نسبي وشعور عام بالتغيير.
تلك هي خطة الرئيس الجديد، ولكن الواقع قد يسير بطريقة مختلفة. فقد نجح رونالد ريغان في فترته الأولى بخلق هذا الشعور العام بالتغيير وانخفضت معه نسبة البطالة. ولكن الدين العام المتنامي أجبره لاحقا على العودة إلى زيادة الضرائب، ليدخل البـلاد لاحقا في فترة كساد أنهت أحلام التغيير وأعادت الجميع إلى الواقع الأميركي حيث الفجوة بين أصحاب الأجور وأصحاب المال لا تكف عن الاتساع.