تحذيرات رئيس إقليم كوردستان الخاصة بالعراق وكوردستان
عراقيون/متابعة
لم يُخفِ الرئيس نيجيرفان بارزاني قلقه العميق من الوضع العراقي الراهن. فقد بدا هذا القلق واضحاً في البيانات الثلاثة التي صدرت الشهر الماضي عن رئيس إقليم كوردستان والموجهة إلى القوى السياسية العراقية وعبر من خلالها بوضوح وصراحة عن استعداد إقليم كوردستان للتوسط وتبديد المخاطر.
في الواقع، إن أكبر مصادر قلق رئيس إقليم كوردستان هو عدم اكتراث القوى السياسية للأوضاع العراقية الراهنة الماضية صوب الهاوية، وعدم حمل مخاطر هذه الأزمات على محمل الجد من جانب الرأي العام. إن إفلات هذه الأزمات في العراق من السيطرة، قادر وبصورة مباشرة على تخريب الأمن والاستقرار الداخلي لإقليم كوردستان. هذه حقيقة خطيرة لا يبدو أن الرأي العام يحسب لها حسابها. الأنموذج البارز لهذه الحالة، اتضح بظهور داعش، فرغم استهدف وسط العراق أول الأمر، لكنه سرعان ما مد أذرعه إلى داخل كوردستان وخلق عقبات كبرى لأمن إقليم كوردستان ونموه الاقتصادي، وهذا ما جعل رئيس إقليم كوردستان يقول إن أمن البصرة هو أمن أربيل والموصل أيضاً.
في الحقيقة، إن الأرضية الآن ممهدة لمواجهات عسكرية بين الأطراف العراقية أكثر من ذي قبل، خاصة بعد انتخابات 2021 والغياب العسكري الأميركي (تقرير ناتو: كانون الأول 2021). لكن المانع الرئيس، الذي يبدو أنه يحول حتى الآن دون حرب أهلية وتدهور أمني نهائي في العراق، هو أسعار النفط المرتفعة وغياب العامل الخارجي (فريق الأزمة الدولي: آب 2022). يجني العراق سنوياً من عائداته النفطية وغير النفطية نحو 150 مليار دولار (مصرف النقد الدولي: نيسان 2022). للأطراف الأوليغارشية العراقية ومعها القوى الإقليمية مصلحة أكبر في استمرار هذا المورد المالي الضخم الذي يمكن لحرب أهلية أن توقف تدفقه بلا شك وتلحق الضرر باقتصاديات هؤلاء.
لكن المراهنة على سعر النفط، في السياسة، مقامرة كبرى خاصة مع حضور عوامل المواجهة العسكرية في العراق بما يكفي وزيادة: ميليشيات الأحزاب والأطراف، مناكفات الأحزاب السياسية وفي مقدمتها مناكفات القوى الإقليمية في داخل العراق، خاصة بعد رحيل القوة العسكرية الأميركية (كينيث بولاك: أيار 2022).
كل هذا أثار قلقاً بالغاً لدى رئيس إقليم كوردستان، الأمر الذي جعله لا يكتفي بالتعبير عن الاستعداد للوساطة، بل شدد أكثر من المرات السابقة على دعم القوى الدولية للعراق وطالبها بمساعدة العراق على حل مشاكله.
خلال السنوات الثلاث الأخيرات، أدرج الرئيس نيجيرفان بارزاني مسألة موقع ومكانة إقليم كوردستان في العراق ضمن البرنامج السياسي لرئاسة إقليم كوردستان.
وكان رئيس إقليم كوردستان يعي أنه بدون إعادة صياغة العلاقات بين أربيل وبغداد وخلق نوع من الثقة مع القوى العراقية بعد انتهاء الحرب على داعش، سيكون الحفاظ على سيادة إقليم كوردستان وحقوقه الدستورية صعباً. لذلك ضمن مساندة إقليم كوردستان لحكومة الكاظمي وبدأ سلسلة حوارات مع جميع القوى العراقية في بغداد.
يرى رئيس إقليم كوردستان أنه كان أمام العراق طريقان: استمرار الأزمات أو اتفاق جديد. فقد كان معلوماً جداً لرئيس إقليم كوردستان أن العراق وإقليم كوردستان لا يستطيعان الاستمرار في الأوضاع المتأزمة التي تلت 2003، وحذر أكثر من مرة من أن التوترات ستقود العراق إلى الهاوية عاجلاً أو آجلاً. لهذا اقترح رؤية مشتركة ومصالح وطنية مشتركة واتفاقاً جديداً بين الأطراف السياسية العراقية وبين العراق وإقليم كوردستان.
الاتفاق الجديد كان يتمثل في أداء الواجبات الدستورية كافة من جانب إقليم كوردستان، بما فيها المرتبطة بمسألة النفط والطاقة، لقاء مشاركة إقليم كوردستان في الحكم في دولة العراق، التي وصفها رئيس إقليم كوردستان بالدولة المشتركة للكورد.
هو يرى أن الفكرة السياسية التي تظن أن حزباً واحداً، ديناً واحداً، ثقافة واحدة، وقومية واحدة يمكن أن تكون لها اليد العليا في العراق وإقليم كوردستان إلى النهاية، على أنها وهم مخيف. فهو يرى خلاف ذلك ويعتقد أن العراق وإقليم كوردستان يمكن أن تكون لهما دولة وحوكمة صحيحة فقط في ظروف تشارك فيها القوى كافة وبصورة متوازنة في السلطة وفي الحكم ويكون حق المواطنة المتساوي فوق كل انتماء سياسي، ديني، عشائري وقومي. لهذا لم ير رئيس إقليم كوردستان من البداية أن حكومة الأغلبية وانقسام القوى العراقية والكوردستانية على معسكرين سياسيين في بغداد، أمر إيجابي. فقبل بروز الأزمات وخلال المحادثات، حذر من أن تهميش أي طرف في تشكيل الحكومة الجديدة سيعزز الأزمات القاتلة التي يعانيها العراق.
والتوترات القاتلة التي شهدتها بغداد والبصرة الأسبوع الماضي دليل صادم على صحة تلك التوقعات والمخاوف