كاميرا خفية تكشف واقع المفاضلة العنصرية بين السياح في الريفيرا الفرنسية
عراقيون/متابعة
قام نشطاء حقوقيون مناهضون للعنصرية بتصوير مقاطع فيديو توثق سلوكيات عنصرية على شواطئ كوت دازور الفرنسية. وتتضمن مقاطع الفيديو تمييزًا في التعامل من قبل العاملين في المنتجعات السياحية مع السياح بحسب لون بشرتهم. ففي إحدى الفيديوهات يتبين أن الخدمات قدمت لرواد المنتجع من أصحاب البشرة البيضاء، بينما تم حرمان أصحاب البشرة السوداء من الخدمات نفسها.
في هذا السياق، يشير النشطاء إلى نيتهم رفع دعاوى قضائية حيال السلوكيات العنصرية التي تمت ملاحظتها على الشاطئ المذكور. وسوف تقوم المنظمة بتجميع المعلومات وإعداد تقارير سنوية بحسب المنطقة لرصد أشكال التمييز الحاصل، وكذلك إعداد ملف وتسليمه لهيئة دفاعية من المحامين المتطوعين لمكافحة هذه الظاهرة قانونيًا، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
وقامت منظمة SOS Racism غير الحكومية، ومقرها فرنسا، بإرسال أزواج من السياح، بعضهم من أصحاب البشرة البيضاء، وآخرون من أصحاب البشرة السوداء، وقامت عبر كاميرات خفية صغيرة، برصد آليات التعامل مع كلا المجموعتين وكيفية استقبالهم وتوفير الخدمات لهم، وبنت استنتاجاتها على هذا الأساس من الملاحظات التي تم توثيقها وتحليلها. قام زوجان، من أصول أفريقية، بطلب كراسي للتشمس، فقيل لهما أن جميع الكراسي محجوزة. وبعد دقائق أتى زوجان آخران، ذوي بشرة بيضاء، وطلبا ذات الطلب، فتم توفير كراسي التشمس لهما في الصف الأول قبالة البحر.
فيما أشار الناشطون الحقوقيون، إلى كون التمييز العنصري يطال أيضًا الأسماء التي تبدو غريبة أو غير محلية أو أجنبية. في هذا الصدد، أشارت صحيفة لوموند الفرنسية، نقلًا عن ناشطين حقوقيين قولهم: “عندما عرفنا عن أنفسنا بأسماء أفريقية، قيل لنا أن جميع الأماكن محجوزة، وعندما عدنا مرة ثانية وعرفنا عن أنفسنا بأسماء فرنسية، حصلنا على أماكن بسهولة”.
العنصرية لا تطاق!
وقالت كريمة السليماني، العضو في منظمة (SOS Racisme)، لتلفزيون فرانس 3 “لقد وجدنا أن التمييز يمكن أن يقوم على الملابس ولون البشرة والمظهر الجسدي وأصل الشخص”، وأضافت “إنه أمر غير عادل ولا يطاق أن ينوجد هكذا سلوك في الحياة”. بينما أشار رئيس المنظمة، دومينيك سوبو بالقول: “هذا الوضع هو نتيجة فشل واضح للسلطات العامة في تجريم التمييز العنصري”، وشدد على أن المنظمة ستراقب عن كثب انتهاكات حقوق الإنسان سيما ما يتعلق بالتمييز العنصري.
تعرف المنظمة المذكورة بأنها تكافح كافة أشكال العنصرية، وقد تأسست عام 1984 ولها فروع عدة في القارة الأوروبية والعالم، وتسعى لرصد الانتهاكات الحقوقية وفي مقدمتها التمييز العنصري. ومنذ التسعينات من القرن الماضي، تجري المنظمة تحريات حول قضايا عنصرية وتسلط الضوء على التمييز الحاصل، وهذه هي المرة الأولى التي تطرق المنظمة باب شواطئ خليج الريفييرا الفرنسية، إذ كشفت أن ثلثي الشواطئ الخاصة تمارس التمييز غير القانوني مع الزبائن، في حين يختار ثلثا النوادي الليلية والحانات زبائنها بشكل غير قانوني بناءً على معايير عنصرية مختلفة.
مرتبة فرنسا ضمن مؤشر التسامح!
من جهة أخرى، صدر تقرير عن اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان في فرنسا (CNCDH)، نشر بتاريخ 19 تموز/يوليو من هذا العام، وتضمن معلومات حول الأوضاع العنصرية ومعاداة السامية وكراهية الأجانب في فرنسا. وقد تم تسليم التقرير السنوي إلى وزيرة المساواة بين الجنسين والتنوع وتكافؤ الفرص في فرنسا، إيزابيل روم. ويزعم التقرير، أن المجتمع الفرنسي بات أكثر تسامحًا، وقد صنفت فرنسا وفق مؤشر التسامح عند المرتبة 68 من أصل 100 دولة.
لكن التقرير يثير القلق ضد تحيز المجتمع الفرنسي تجاه المسلمين والغجر وغيرهم من الجماعات، ومع تزايد في وتيرة العنف بدوافع عنصرية. في الوقت ذاته، توصف هذه المشكلة في فرنسا بكونها غير معلنة إلى حد كبير، وغالبًا ما تظهر في سياقات خفية ومستترة وذات حدة خفيفة كالرفض والوصم والنبذ والإقصاء مما يصعب تحديدها وإدانة مرتكبيها والكشف عن ضحاياها. ويوضح التقرير بأن خطاب الوصم والكراهية والعتصرية لم يختف من المجال العام ووسائل الإعلام الفرنسية، وتتزايد حدته في أوقات الاستقطاب السياسي والمواسم الانتخابية وحدوث جرائم يتورط فيها مسلمون.
حمل لواء حقوق الإنسان
لكن اللجنة الاستشارية أوصت بتكثيف الجهود التوعوية في هذا المضمار في كافة المؤسسات الاجتماعية وبدءًا من المدرسة والجامعة والمؤسسات المهنية بغية مكافحة التحيزات العنصرية وخلق وعي جديد أكثر تسامحًا لدى الفرنسيين. وشمل التقرير 55 توصية، يدعو في عدد منها إلى إعادة التفكير في مسائل العنصرية والكراهية وإلى تعزيز الوعي المجتمعي من خلال التدريب والوقاية والتثقيف (نشر ثقافة النقاش) عبر استهداف الأطفال والمراهقين كونهم الفئة الصاعدة والأكثر فعالية والأهم بين الفئات في حمل راية حقوق الإنسان في البلاد.
وفي هذا الإطار، تشير اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان في فرنسا بأن ما يقدر بنحو 1.2 مليون شخص يقعون ضحايا لاعتداءات عنصرية كل عام في فرنسا، بينما لا يوجد سوى ألف إدانة في المحكمة للجرائم المبلغ عنها. يعود هذا الانخفاض في إدانة الجرائم ذات الدوافع والخلفيات العنصرية إلى امتناع الكثير من الضحايا عن الإبلاغ عن الممارسات العنصرية التي يتعرضون لها في البلاد، وإما بسبب صعوبة تقديم شكوى وغيرها من العقبات التي تواجه الأقليات كالعار والخوف من الانتقام والاستقبال غير المناسب في مركاز الشرطة والإجراءات المعقدة وعدم الثقة في الشرطة والنظام القضائي، وكلها عناصر تثبط من عزيمة الضحايا الذين هم بالفعل قادمون من جماعات أقلية مستضعفة.
قانون بليفن
أقر البرلمان الفرنسي قانون بليفن ( Pleven Law) عام 1972، وقد مر حتى الآن خمسون عامًا على إقراره، وهو ما يعتبره ناشطون حقوقيون بمثابة انتصار في معركتهم ضد العنصرية. ينص القانون على تجريم التمييز العنصري وخطاب الكراهية، وأصبح ممنوعًا بموجب القانون التعبير عن أفكار عنصرية واستخدام لغة تتضمن كراهية وتحرض على إهانة الآخرين. وتتضمن العقوبات غرامات مالية وسجن لمدة عام وسحب الحقوق المدنية المتعلقة بالترشح إلى الانتخابات لمدة خمس سنوات ونشر قرار المحكمة في جريدة يومية على العلن وعلى نفقة الشخص المدان.
تشير اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان في فرنسا بأن ما يقدر بنحو 1.2 مليون شخص يقعون ضحايا لاعتداءات عنصرية كل عام في فرنسا
في عام 1997 أدين 88 شخصًا وفق هذا القانون ووصلت الغرامات المالية إلى نحو 10 آلاف فرنك لكل شخص وعقوبات بالسجن. وكان من بين أبرز المدانين جان ماري لوبين، زعيم أقصى اليمين الفرنسي السابق، والد مارين لوبان، وقد أدين بتهم تتعلق بخطاب الكراهية في خمس مناسبات، إضافة إلى شخصيات أخرى بارزة في حزبه.