محمد صالح البدراني يكتب|جدلية الحداثة .. سقوط المدنيات الحداثية
عراقيون | مقالات رأي
المدنية حالة متطورة ترفض الثبات والموثوقية وإنما منهج علمي يرتكز على مبدأ الصح والخطأ لكونها نتاج بشري وليس من ماهية الإنسان الحسن المطلق.
لقد قامت دولة مدنية تحمل عقلية لقيم إسلامية ترافق عملية التطور المدني بدرجة ما، وانتشرت عبر العالم لتغير الموازين، ومن الطبيعي أن يكون هنالك رفض في بقاع العالم للتغيير خصوصا وان له صبغة دينية لكن ما في العالم من قوى مضادة عاجزة عن صد تقدمها وهي تتصاعد في الانتشار تماما كما يعجز عالمنا اليوم عن التصدي لمخرجات الحداثة الشاذة سلوكيا أو أي منها، لكن تقدم الحداثة الإسلامية بدأ يأخذ طابع الثقة والغرور ونوع من التمكين بدرجة أن لا ينظر إلى العدو بجدية أو يرى ضرورة التطور ليتفاجأ بتطور الأسلحة المواجهة كما الالتفاف عليه من الشرق ليس الهند ودول شرق آسيا تمثل هذا الالتفاف كليا، بل الاختراق الداخلي غير المسيطر عليه في الاقتصاد.
صحيح أن الحداثات الغربية سدت تلك الثغرات التي اخترقت بها الدولة العثمانية وغيرها من الدويلات التي تمثل حالة التمزق الممثلة للترف والغفلة وضيق الأفق من الحكم الوراثي المنتشر آنذاك رغم تعدده الذي لم يك إيجابيا قطعا بل كان ينخر بعضه والجميع منشغل عن تقدم الغرب في شرق آسيا ولذي منه بدأ احتلال البلاد العربية بجنود هنود أصلا، وكان يمكن أن يحدث تلاقح ثقافي ممتاز يوقف حالة الصراع التاريخية التي استمرت ولحد الآن في تصاعد عندما افرت عصبة الأمم الانتداب المباشر على العراق مثلا، لكن مراوغة بريطانيا وتحويل إدارتها إلى إدارة الهند الشرقية خلق اضطربا في الداخل العراقي فالهنود متدربين كتكنوقراط وليس متدربين على إدارة احتلال، وهنالك انفه عند العراقيين كان يمكن أن تعالج بالإقناع لو تولت بريطانيا الانتداب مباشرة، وبدأت مرحلة التطوير والمشاركة مع العراقيين الذين يمكن أن يضيفوا الكثير للحداثة المشتركة وكان يمكن أن يبقي بريطانيا في المقدمة، كخط ثاني مقارب لها بالحجم وذو ثروات، وهذا لا يترك أمريكا تتفوق لتحل محل بريطانيا ثم لتكون بريطانيا شبه تابع للقرار أو تأخذ دور الأسماك المرافقة للحيتان أو القرش.
اليوم الحداثات تتهاوى لاصطدامها ببعضها فلا قيمة تجمعها وإنما هنالك القيمة الأساس وهي النفعية ما يفرقها حتى وان بدت مجتمعة، حتى التوجه بنفس مسيحي لم يخطط له إحيائيا وإنما نوع من العصبية بلا فهم كمظهر يبرز الفشل، الإنسان أصبح عمليا عبدا للدولة، وباتت المنظومة القيمية أمرا حتميا للإنسان، معاداة الغرب للإسلام ظنا انه ضد الحداثة هو انطباع أتى من زمن حروب الفرنجة والتحشيد بتصوير الإسلام شر مطلق لتبرير التحشيد الذي اتضحت مراميه وبما ثبته التاريخ لكن لم ينعكس ما اكتشف على تقييم السلوكية الغربية تجاه الإسلام لانهيار المنظومة ولم تعد تشكل اكثر من خطر يصطنع عند الحاجة لحاجة منظومة الحداثة إلى تحديات كي تستمر ونلاحظ حذا وانتقال التحديات في حرب القرم الحالية.
ما يهدد الحداثة من المسلمين هي الصورة المشوهة التي حولت إلى واقع على الأرض كحالة الكل يعلم أنها شاذة وغباء من يشيطن الإسلام لمجرد انه مخالف له، لكن لو تركت الأفكار المستنيرة باستقراء للواقع والمستنبطة للحلول فان هنالك ما سيعود على الإنسانية بخير كثير لان الإسلام بأصله لا يرفض المخالف بل يحمي المعتقدات الأخرى وما نراه اليوم من التطرف عكس هذا بل المخالف فئة واسعة هي المسلمون انفسهم وتطورت إلى كل ما لا يفكر بطريقهم، وتضييق الواسع ليس فهما صحيحا، فغاية الإسلام العدل وغاية المسلمين تهيئة البيئة لامتلاك الإنسان أهليته وقراره وهو مسؤول عن قراره وليس فرض أي صيغة أو منظومة حكم إلا مما اتفقت الأمة عليه.
عندما تتحول العلمانية أو محاولات التميز بالدين وكأن الحقيقة عدمية وتتخندق فهذه من معالم التخلف والانحدار الفكري ولابد أن نفكر جميعا بالارتقاء الفكري لأنه المقدمة الصحيحة نحو حداثة من نوع آخر تتناسب مع تقارب المسافات والزمن في صناعة حياة تحترم الآدمية والكرامة الإنسانية ذلك لان ما يعرف بمصطلح الحداثة اليوم بات يعاني من التيه والهرم؛ فلابد من رؤية جديدة تقود الواقع كقيمة أخلاقية ليس لخلق العدو بل لإيقاف الانحدار في الآدمية.