مظهر محمد صالح يكتب| النفط و النظام النقدي الدولي، من صدمة نيكسون الى صدمة اوكرانيا

عراقيون| مقالات رأي

تزامن تحرير اسواق النفط والطاقة عموما منذ ماسمي (بصدمة نيكسون Nixon shock ) في أب 1971 بايقاف استبدال الدولار بالذهب واحلال نظام الدولار النفطي petrodollar محل دولار بريتون وودز 1945 الذي شكل الاقلاع عنه بداية التاريخ الجديد في تبدل النظام النقدي الدولي الذي تمثل اساساً بالاقلاع عن استمرار ربط الدولار بالذهب كما نوهنا والتحول فوراً الى ربط الدولار بالاصول السلعية في السوق العالمية ولاسيما بدورة الاصول النفطية وتحرير اسعار الطاقة ليصبح النفط في ظل سوق تسمى احتكار باعة القلة Oligopoly بالغالب مثل منظمة البلدان المنتجة والمصدرة للنفط( الاوبك+ ).وهكذا تشكل النظام النقدي العالمي على عتلة جديدة وهي الدولار النفطي او البترودولار وعده رافعة النظام النقدي البديل لاستمرار نفوذ وهيمنة الدولة العظمى وهي الولايات المتحدة وتكريس اذرعها الاقتصادية عبر العالم وتبدلاتها المتجددة بالعملة النفطية القائدة. و عد الدولار النفطي استمراراً لنفوذ الولايات المتحدة في دعم انتصارها الدائم في الحرب الباردة .

اذ تغيرت الكثير من ثوابت النفوذ والهيمنة المالية العالمية مع ظهور الدولار النفطي ومنها على سبيل المثال استمرار ازمة ديون العالم الثالث التي موّلت سبعينيات القرن الماضي وما بعده بفوائض النفط الدولارية وغيرها اي طوال العقود الخمسة الماضية وظهور تجمع نادي لندن London Club بعد العام 1976 لحل مشكلات المديونية التجارية لبلدان الاستدانة والاقتراض بالبترودولار وهي الفوائض والاحتياطيات المالية للبلدان المصدرة للنفط والمودعة في سوق اليورودولار المصرفية بالغالب .

فالتحكم بمقاليد الطاقة العالمية اليوم كما افرزتها متغيرات الحرب الروسية -الاوكرانية وامدات روسيا المهمة من النفط والغاز الى اوروبا وهي قلب العالم ،قد فرضت واقعا جيوسياسيا(براغماتيا )يتطلب استمرار الحفاظ على توازن الدولار النفطي كصيرورة في الهيمنة على العالم ماليا والحرص على تمويل سلعة النفط بدولار الولايات المتحدة دون ان ان تجعل الحرب القوى المتحاربة المهمة وتحالفاتها بالذهاب الى تبني بديل نقدي للدولار لتسديد وتسوية المدفوعات المالية ذات العلاقة ،مما يؤدي الى تغير قواعد اللعبة الإستراتيجية في النظام النقدي الدولي القائم على هيمنة الدولار حاليا .

فالطلب الفائق على الدولار اليوم لتمويل تجارة النفط العالمية في ظل لهيب الاسعار النفطية يجب ادامته وان لاتؤدي الحرب في اوكرانيا الى التعجيل باستبدال قواعد تمويل التجارة العالمية الى نظام نقدي مهيمن آخر غير دولار الولايات المتحدة الذي يسيطر حاليا على اكثر من 83% من تمويل التجارة والتبادل في العالم قبل ان تلوح منظمة شنغهاي للتعاون بإشارات التحول الى تكتل نقدي ومالي عالمي بديل يعظم من انقسام النظام النقدي الدولي الراهن ، وهو الامر المهدد حقا والذي سيفرض لامحالة توازنات قوية في قبول التسوية السياسة الواقعية real politics واسباغ مساراتها بأطر عالية الدبلوماسية (لاحتواء) نتائج الصراع في اوروسيا حتى لو خسر الغرب اوكرانيا كلها من اجل ان يبقى الدولار على سطوته العالمية .
واخيراً ستبقى سياسة الحفاظ على نظام (البترو دولار )او الدولار النفطي كركيزة للهيمنة على العالم والامساك بالمصالح الاقتصادية الاستراتيجية والتكتيكية للدولة العظمى ( الولايات المتحدة ) دون تبدل لقاء القبول بمتغيرات جديدة وتنازلات في تفكيك قيود العلاقات مع الدول صغيرها وكبيرها دون ان يتغير الثابت النقدي المركزي الاوحد .

ختاماً ،ياحظ ان ثمة انتزاعا او تبدلا ً لمعطيات ومتغيرات مستجدة اخذت تطفو على سطح المصالح الدولية ولمصلحة مجموعات دولية مختلفة داخل النظام السياسي الدولي وحراكه ابتداءً من خليج العرب النفطي وحتى خليج المكسيك في ظل صدمة اوكرانيا وان اوضاعا جيوسياسية جديدة ربما ستفرض واقعا مختلفا للبلدان المنتجة للنفط نفسها ضمن خريطة العلاقات السياسية الدولية نفسها مما تتطلب ممارسات في الواقعية السياسية للدولة العظمى صاحبة المصلحة في الحفاظ على النظام النقدي العالمي وهذا ما اشار الية المفكر ابراهيم العبادي في عموده المهم المنشور اليوم تحت عنوان : العراق مابعد الحرب الاوكرانية.

ختاماً،فبين (صدمة نيكسون 1971 و(صدمة اوكرانيا Ukraine shock الحالية 2022 ) ثمة تحالفات ستظهر وتحالفات ستختفي وتنازلات ستقدم وقضايا سيتم تسويتها بشكل اكثر مرونة وواقعية بغية استمرار واستدامة النظام النقدي الدولي القائم على البترو دولار واستراتيجية الامساك باسواق الطاقة التقليدية من دون توقف او انهيار دواليبهما .

وهو الانتصار الوحيد للعالم الغربي في محصلة حرب اوكرانيا او بالاحرى الفوز في امتصاص صدمة اوكرانيا في الطاقة والغذاء معاً ليس الا…!!!