رمضان حمزة يكتب : الماء في التراث الثقافي للشعوب “العراق أنموذجاً”
الماء هو مصدر الحياة وسبيل ديمومتها،لذلك ترتبط كافة المواقع الأثرية والتاريخية والعديد من الصُروح ارتباطاً مباشراً بتوفرالماء؛ وبالتالي ترتبط أيضاً هذه المواقع والصروح منذ بواكير التاريخ العراقي بإدارة المياه. وبسبب وَفْرَة الماء في المواقع التي ما تزال محفوظة جيداًوالبيئات التقليدية الطبيعية المحيطة بها إضافة إلى التطورات التقنية والتقاليدعبر آلاف السنين فإنه يمكن توثيق الاستخدام الداخلي ودراسته.
حيث ومن عهدقريب جداً واكَبَت الطرقُ التقليدية في الوصول إلى المياه والري والتصريفلمعظم احتياجات البلاد من التزويد المائي. هذا الإرث الممتد منذ آلاف السنينجديرٌ بالصون وإعادة التأهيل وتطوير استرا تيجيات لإدماجه في التقنياتالحديثة المصمَّمة بشكل أفضل كثيراً ولكن على المدى الطويل لأن البُعدُغيرالملموس للتراث المائي يُمَكِّن الوصول من خلاله إلى المعتقدات الغامضة والسلوكيات المقدَّسة للمجموعات الاجتماعية. مثل تقديم القرابين للجداول والأنهار في مختلف مناطق العالم. كذلك يصل تأثيرُ العديد من هذه العناصر إلى العلوم وتمثيلاته كما في أنواع “المياه الشافية” و”أعواد اكتشاف المياه”. بالتالي يَحِقُّ القول بوجود عالَم ثَريّ غير ملموس مُرتبطٍ بتراث الماء يقتضي تحليلاً للوصول إلى تثبيت قِيم المواقع.
تَتمثَّلَ التعامل مع التراث المائي من المَسقط المائي وصولاً إلى تخزين المياه،مبيناً قِيَمها الرمزية، من معرفة تاريخ استخداماتها وتحليل أساطيرها. وهذا يعدُ تراث ثقافي رئيسي موروث من حضارات الماضي خاصة تلك التي قامتوعُمِّرَت على أراضي شَحَّت فيها المياه فيما بعد كما هو الحال في العالمالعربي ، ويرتبط موضوعُ التراث ارتباطاً مباشراً بالواقع الحالي خاصة المتعلق بالتنمية المستدامة. ولبيان التواصلية بين الماضي والحاضر. حيث مَكَّنتالوسائلُ التقنية البسيطة جداً لكن التي حُسِّنَت استعمالاتُها عبر قرون منالخبرة العملية أجيالاً متعاقبة عديدة من العيش بتناغم مع بيئتها الطبيعية. حديثاً وخاصة منذ الطفرة النفطية تضافرت سلسلةٌ من العوامل لتُضاعِفَالصعوبات في مجال المياه واستخداماتها ومنها النمو السكاني، الزيادة فيالاحتياجات المرتبطة بتغير أنماط الحياة، الزيادة في الاستهلاك للغاياتوالإستخدامات الزراعية. وللمياه خَواص ثقافية متباينة، لكن في نفس الوقتهناك ثمة ثوابت فهي تستخدم في إسكان السكان وتحسين الحياةالإجتماعية. وعامل محدد لتخطيط وعمارة المدن. و كمُدْخل في الزراعة والريوصيد الأسماك وغيرها. وكذلك لتوليد الطاقة الهيدروليكية والصناعة وغيرهما. ووسيلة النقل في البحار والقنوات وغيرها وهناك العديد من المُحَدِّدات وكيفية السيطرة على المياه الطبيعية كما في المناطق الجافة أو القاحلة وإدارة النقصالمائي والحلول التقنية والاجتماعية لذلك. وتوفير مياه الشرب، او السيطرة على مياه الفيضان، والأمطار الغزيرة، او التصريف من المناطق الرطبة كالاهوار،وكذلك دورالمياه في تعزيز الصحة العامة من خلال تحديد نوعية المياه بمعرفةمفاهيم نقاء المياه والنظافة كون المياه كعامل نظافة وصحة عامة فيما يتعلقبمفاهيم الجسم والصحة والمنتجعات السياحية وغيرها. ودورالمياه كناقلللأمراض عند تلوث المياه. وكذلك دورالمياه وما يرتبط بها من معارف ودرايةتطبيقية في تحليل أساطير ورموز المياه كمسألة علمية ومسألة تقنية. او من خلال توقعات الموارد المائية والتنبؤ المائي. وللمياه دور اساس كرمز وموضوعديني كذلك. ولكن هناك في المدن، يتعرّض التراث المائي لخطر التوسّعالعمراني العشوائي الذي قلّما يهتم بذاكرة المكان. مما يستوجب صون وإدارةممتلكات تراث الماء علماً من انه حتى الآن لم يُنفَّذ استقصاءٌ منتظمٌ ومُرَكَّز علىتراث الماء في العراق. على الرغم من أُجرِاء مسوحات أثرية على القنواتالمُقامة خلال الحقبة الآشورية الحديثة. َ في موقِع “خنس” و”جروان” الأثريانالهامان حيث أُبْرِز نظامُ القنوات الذي يرجع غالباً إلى عهد الملك سنحاريب علىأنه مؤهل للإدراج على قائمة التراث العالمي.
مما يتطلب العمل بجدية وخططٌ مدروسة لصون النقوش البارزة في “خنس”. علماً بان الحكومةُ العراقية ” تَقدَّمت بطلب تصنيف أهوار جنوب العراق ومواقع “إريدو” و”أور” وأوروك” الأثرية لتصنف تراثاً عالمياً، وقد صُنِّفت خلال الدورة الأربعين للجنة التراثالعالمي. وهذا يشجع للعمل على وضع خطط من أجل إطلاق مزيد من الأبحاثوتنفيذ مشروعات لصون المَشْهديات الطبيعية والمواقع الأثرية وترويج باتخاذ تدابير صون لأعمالُ ترميمات في جسر “دلال” في زاخو” الأثري.
موقع العراق ضمن المناطق المناطقُ القاحلة وشبه القاحلة جعلها تعتمدُ كلياً علىمياه النهرين الرئيسيين في هذا البلد وهما دجلة والفرات ورافدهما والتي نقع معظمها خارج الحدود السياسية مما يجعل العراق رهينة إلى مواقف هذهالدول من إدارة المياه. تغيرات المناخ الآخِذ بالتحول إلى المزيد من الجفاف فيالعقود الأخيرة أثرٌ كبيرٌ على فرص الري بل إنه يتفاقم ليصبح تهديداً وشيكاًخاصة في جنوب العراق. وبالتالي التهديدُ على منطقة الأهوار العراقية الفريدةوالهشة بل يشمل أيضاً المَشْهديات الطبيعية العتيقة في بلاد الرافدين بشكلعام. وهنا تبرز الحاجة الى من خلال أساليب بسيطة للغاية لكن مردودها كبيركما يتبين من أمثلة عديدة موثقة من فترات ما قبل التاريخ. ومن أهم هذهالأساليب حصاد وتخزين وتوزيع أمطار الشتاء (مياه السيول) التي كثيراً ماتُسبِّب فيضانات موسمية سريعة يمكن لها أن تُحوِّل الأودية الجافة إلى مناطقخصبة. إلا أن الاستخدام البشري للمناطق القاحلة وشبه القاحلة يقتضي إدارةمائية ولكن غالباً ما يتم تجاهل الجوانب التاريخية للمنطقة.