البدراني يكتب .. جسور بلا دعامات .. كينونة متصلة منعزلة كالجنين
المثقف متعايش مع مجتمعه ويعيش في فكره وفكره ينمو فيه يتغذى من جسده ووقته وكينونته كاملة بمعاناتها التي تتحول عنده الى خبرة مجردة لا تتجرد عن الاحساس والعاطفة ولكنها تمر بعملية مراجعة وتنقيح (أبستمولوجيا) لتخرج كأفكار عامة تدعو للإصلاح ان وجد الخلل او الى التشجيع كرافعة لعمل وانجاز يتوافق ومهمة المنظومة العقلية عند آدم او حواء، انها من النعم التي رغم جلوسه لفترات لا تدخل الرتابة الى نفسه ليحس بالملل وسعادته في عطائه واستقرار مجتمعه.
الكاتب والمفكر او المثقف الفاعل كلهم بتركيبة خاصة وعقلية ونفسية تتغير اولوياتها عند البشر الاخرين، الحدث او الالم حتى ولو كان شخصيا يدخل معملا بناه الزمن والخبرة واتحد مع الملَكة او الموهبة لينتج مخرجات وخلاصات، فلا شيء شخصي بل هو عام حتى في معاناته، المفكر كينونة متصلة بمجتمعه لكنه مستقل بكيانه كالجنين.
نموذج من سوء الفهم
أحد اخوتنا من المفكرين قبل ان يظهر النقال وتعرف الارقام كتب مقالا يتحدث به عن ظاهرة اجتماعية، قال انها مسالة انسانية وليست حتى وطنية لتكون شخصية من خلال الفوضى التي يعيشها العالم، ليتلقى اتصالا هاتفيا يعتب عليه بشدة انه ترك الدنيا وكتب عن المتصل، يقول بذلت جهدا لأعرف من المتصل وكيف اتفق ان لامسه مقالي فاكتشف انه أحد موظفي القطاع الخاص في شركة شملت بالخصخصة حينها…… يقول لم أركز على اقناعه باني لم اكتب عنه بل ركزت ان أجد علاقة موضوعية بين ما كتبت وبين هذا الشخص، حقيقة ان ما يربط بين المقال وقارئه جسر منهار…..
يكتب الكاتب قصة او ينتقد ظاهرة يراها البعض في زاوية من تفكيره لكن هذا ليس الا توافقا فالمفكر لا يركز على الاشخاص وسلوكهم وانما على المجتمع وما يسود به من ثقافة وظواهر سلبية او ايجابية
جسور مخفية
هذه المشكلة متفاقمة اليوم وبطرق عدة، فالمثقف يطلب منه موقفا واضحا تجاه قضية او شخص او اداء حكومي، لكن عند هذا الحد ينبغي التفريق بين الصحفي والمفكر والمستشار حتى لو كانت مجموعة في شخص واحد، فالمستشار او المفكر يطرح الفكرة التي تناسب الاصلاح لتكون خارطة طريق كما يقال او مسار للسياسي ليصل الى الهدف ومنه الى الغاية ولا يطرح ما يساير ما في عقل السياسي ليصل الى اهداف يظنها صواب، المثقف والمفكر لا يتبع احدا بطاعة وانما يتبعه بالفكرة ليرفعه يحمل سلم الارتقاء ويضعه امامه اما ان لم يفهم هذا او ذاك ويتجاوز سلم المفكر فهذا ليس عيبا فرديا وانما هو قصة تتكرر ومعاناة مستدامة بين منهجين عليهما ان يكونا متصالحين ليفهم احدهما الاخر، منهج القائد لمجموعة وينتظر ان يتبع ويطاع ومنهج المنطق والفكر وفق المعطيات العقلية لا الغريزية في حب السيادة، فان كان من علاقة وفائدة فهي بعلاقة تصالحية ودعم المفكر بوسائل ومعلوماتية ستدخل عنده حتما التمحيص لكن المعلومة قد تغير اتجاه التفكير ومسار التحليل عند المثقف فالمثقف تقوده المعلومة.
في الخلاصة
عندما نقول ان المثقف تقوده المعلومة فالمثقف امام مسؤولية ما يضع في جعبة معرفته، لان امتلاء جعبته بالانطباعات والسطحية وليس الحقائق سيجعل عمقه في خطر والعمق في الرؤية ضمان سلامة المخرجات.
فاذا كثرت الترسبات في المنظومة العقلية ويصبح عمق المثقف ممتلئ بها (ضحلا)تظهر السطحية وكأنها مدعمة بأطر العلم فلا هوية …. وانما يعمل المثقف ككريات الدم البيضاء عندما تفقد الشفرة تعود لمهاجمة الجسد بدل الدفاع عنه.
ازمة المثقف والسياسي متواصلة الى ان يعرف هذا الجسر المخفي بين المياه التي تفصل الجزرتين سيبقى الواصل بينهما جسر بلا دعامات، وازمة المفكر انه لا يميز عند العاملين في السياسة من المثقفين كالمحللين والخبراء الاعلاميين هي ازمة مستدامة مادامت النظرة عند الساسة والعامة من الناس تأتي خلال منهج غريزي بحب السيادة وليس بمنهج المنظومة العقلية المتجردة المتعاملة مع المنطق والمعطيات، ولابد من فهم المفكر انه ليس عدوانيا او منتقدا وانما كالطبيب يتعامل مع المرض واصفا للدواء.