محمد صالح البدراني يكتب: مواضع العدل والمساواة والانصاف
التقيت بمفكر وفيلسوف ليس مشهوراً عند العامة طبعا كأي ايقونة فكر وثقافة في بلداننا، والتي تشع عندما تخرج الى جو نظيف مشمس، لم استأذنه لأذكر اسمه، لكن اثار في فكري ما نبهني لضرورة توضيح التوسع لبعض المفاهيم الفكرية ووضعها في مكانها القيمي الحضاري والتنفيدي المدني وما يمكن ان يغير هذا من نظرة للمعاملات والتنظير للقانون والقضاء وحتى المنظور الفلسفي لأمور يبدو انها لم تحل رغم انها اوضحت في القرآن كالعدل، والحالات التكاملية، بيد انها كلفظ صريح في المساواة والانصاف بقت كقيمة تنفيدية مدنية لكن الأصل هو العدل ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان) .
نلاحظ من الآية انه أمر عام للبشرية وليس مخصصاً، فالبشرية مأمورة بالعدل والاحسان هو الابداع في سبل العدل بما ينفع الانسان والتواصل لإحقاق الحق وهنا يأتي العدل كقيمة انسانية للتفاعل والتعامل والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ثم يضعها البارئ بشكل عظة تنفيذها يوصل للحالة الواقية المميزة عنده جلا جلاله وهي التقوى، ولكن عندما يكون للتطبيق في المجتمع فهنا يأتي كأمانة وتكليف وليس سلوكاً فردياً، فالحكم مجموعة من الأمانات، كانت على عاتق الحاكم، واليوم على عاتق السياسي المنتخب ورئيس الوزراء والقاضي، وحتى الكاتب والصحفي الذي تقرأ له الناس وتثق بكلامه، فهي امانة تؤدى للشعب وليس تشريفاً او جاه يجعل حاملها ينظر من أعلى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)) هنا تخضع للرقابة العليا السميع البصير.
فالعدل قيمة أخلاقية معيارية تشرف على المساواة أمام القانون أو بالعطاء أو بأي أمر يجري توزيعه على الناس، والإحسان هو تعديل لقيمة المساواة ومقاربتها بالعدل، فهو الإنصاف، فلا يمكنك ان تساوي بالعطاء بين غني متمكن وفقير يحتاج لقوته وتحقق العدل، بل هنا يأتي الانصاف بما سنتطرق له.
اذن يمكن التقرير بأن العدل (قيمة معيارية لنجاح نظام )، وان المساواة (قيمة تنفيدية قانونية)، وان الإنصاف (قيمة جودة التنفيد) وشاملة المتابعة لأثر رقابي هو الضمير والأمر بالإحسان وتجنبا للنواهي عن الظلم وما ينكر من فعل أو أمر مضر بالمجتمع مفتضح يترك قدوة سيئة او فقدان الثقة بالنظام المجتمعي فتشيع الفاحشة ويتدهور المجتمع، عندما سلك اليوم البعض من القدوات (الناس المؤثرة في المجتمع) طريق الفساد فأصبح الفساد شائعا وهو مؤشر وواضحة نتائجه بخراب العمران لان الفكرة اصبحت ان ما يتاح لك هو ملكك وتحت اهوائك.
اما المساواة كقيمة تنفيدية، فهي ان تساوي الناس في القوانين العامة، والنمط الحياتي المجتمعي، لكن المساواة لا تحقق العدل وانما الاحسان في ادرة ايصال الامانة والحق لأهلها هو من يحقق هذا وهنا تاتي القيمة التنفيدية الاخرى التي ان لم تراعى سيبقى هنالك خلل ونقاط مستعصية كما وصف ارسطو، فالسارق حين يساوى امام القانون فهذا لا يحقق عدلا، وهو امر مفهوم في القضاء وفق القرآن، فقد ذكر ان عمر بن الخطاب قال لعمرو بن العاص ان جاءني فقير من مصر قطعت يدك، في رده على تعميم عمرو بقطع يد السارق، كما اوقف الحد زمن المجاعة، فالفكرة تحقيق العدل وليس تطبيق العقوبات بشكل حرفي جامد وانما بفهم المثاني ومقتضيات الظرف والعصر.
ومن الانصاف، ان ينظر للسارق لم سرق والمرتكب لم ارتكب؛ وان الحاكم واجهزة الدولة تبحث عن حاجات شعبه ويوصلها لهم دون هدر لكرامتهم وماء وجوههم، وان يدخل التقنيات الحديثة كالحواسيب لتسهيل الاجراءات، وانجاز المعاملات دونما حاجة لتهالك الناس وتدافعها وفقدانها جزء مهم من قيمتها الانسانية في سبيل انجاز سريع لمعاملة ممكن ان تنجز الكترونيا بلا تعرض المواطن للأنواء، وممكن ان تستخدم طائرات الدرون في نقل معاملته المنجزة له، والبنوك ومنافذ الصرف في تسديد الضرائب والاستحقاقات الحكومية للخدمات او تبتدع اساليب تحترم الكرامة الانسانية للمواطن، ونظام مثل GIS تحوي صفحة معلومات تهتم بما يحقق العدل وفق قيمنا كالحالة الاقتصادية وكيفة العلاج هذه كلها من الاحسان في تطبيق المساواة وصولا لمعيار العدل الذي هو واجب الحاكم المسلم، وليس واجبه اجبار الناس على ما لا تريد ان تختار او اعطاء اسماء لدول انها تحكم به، فحكم الإسلام بإقرار الاهلية للإنسان ومن الأفراد يكون المجتمع وثقافته، والفرد أساساً بالخليقة واساساً بالمحاسبة على خياراته هو وليس فهم غيره الذي ولد مجتمعات من النفاق والتدليس والظلم الذي هو أساس البلاء على المظلوم في الدنيا، وعلى الظالم في الحياتين .