رمضان حمزة يكتب: النيل بين التاريخ والتنمية وتثبيت الأمر الواقع على الأرض .. “سد النهضة” مثالاً
لا تكمن مشكلة سد النهضة في توفير او تقليل مياه كافية للسودان ومصر، بقدر ما تكمن المشكلة في الدور الذي بدأت اثيوبيا تلعبه في المنطقة وظهورها ٍندٌ للدور التاريخي الذي كانت تلعبه مصر في المنطقة للتعامل مع دول المنطقة، وبتراجع نفوذها الإقليمي في السنوات الأخيرة، وبالتالي اصبح تأجيج الصراع هو سمة العلاقات بين الدول الثلاث ( مصر ،السودان وإثيوبيا) بدلاً من البحث الجدي عن حلول تؤمن مصلحة الجميع بما في ذلك مشكلة سد النهضة المثير للجدل، لذلك تبقى الخيارات محدودة للغاية إذا لم تتوفر إرادة سياسية لحلّ بنّاء يعتمد المفاهيم العلمية في تشغيل وصيانة سد النهضة، بدل الإندفاع نحو حلول عسكرية، ولن يكون الوقت متأخر إذا حصل تغير في المواقف وخاصة التاريخية بشكل أساسي، وإن شكًل ذلك مفاجئًة للنمط التقليدي الذي يسود المواقف الراهنة.
لذلك لا ينبغي أن يتم إضاعة الوقت والطاقات في انتقاد هذه الدول بعضهم البعض ويتطلب التركيز أكثر على كيفية زيادة الزخم الدبلوماسي والتفاوضي لمحاولة توقيع إتفاقية ملزمة بين الدول الثلاث. وخاصة ان الموقف السياسي، وليس الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، أصبح المحور الذي يحرك جميع الملفات ومن بينها ملف ” المياه” ، وكون السياسيين يركزون على التعامل مع التهديدات بدلاً من التعامل مع الفرص.
لذلك اللجوء إلى تسوية بالتفاوض من خلال إستخدام نهج دبلوماسية المياه ومن خلالها يكون من الممكن التوصل الى إتفاق أو معاهدة تضمن حقوق الجميع ، وهذا يعدُ من الأمور التي تتطلب الحكمة. ولكن بغياب توفر الإرادة السياسية للدول الثلاث للسير بهذا التوجه فان الحقائق على الارض تتغير بسرعة ، فخطط إثيوبيا في التنمية وسد النهضة هي في اولوية هذه الخطط مما يعزز دورها التنموي وبالتالي قد يكون لاثيوبيا الدور الأساس في كيفية إدارة تدفق المياه والتحكم بها. وان كانت هذه الممارسات غيرمقبولة دولياً بشأن التعامل مع الأنهار الدوالية المشتركة العابرة للحدود السياسية، وهذا سيضع الدول الثلاث والمنطقة أمام خيارات صعبة.
عليه فان مسألة المياه يجب أن تجمع المصالح المشتركة وتسبعد فيها المصالح المتضاربة. الواقع الحالي وتطور التكنولوجيا ، اصبحت إثيوبيا تطمح الى تنمية وتطوير، وهذا أمر يجب أن لا ينكر عليها وسد ألنهضة يعدُ لها المحور. بينما دولة السودان التي كانت تعاني من الفيضانات ومواسم الجفاف كانت دائماً ترغب في تنظيم تدفق المياه لتجنب بلادها الفيضانات والجفاف، وهذا ممكن أيضًا مع توفير التنمية لإثيوبيا. بينما مصر كدولة مصب تحتاج الى زيادة تدفقات المياه من نهر النيل كونها تشهد زيادة متسارعة في النمو السكاني، وهذا ممكن أيضًا حتى مع تزويد إثيوبيا بالكهرباء من أجل التنمية، ومع تنظيم المياه في السودان.
مشكلة المياه في المنطقة العربية تكمن أن جميع منابع الانهار تقع في دول غيرعربية مثل تركيا وإيران لنهري دجلة والفرات والدول الإفريقية وبالأخص إثيوبيا بالنسبة الى نهر النيل ، ولهذه الدول مصالح وتطلعات قد تكون غير مشروعة في بعض الأحيان. لذا يجب ان نعرف كيف نتعامل مع هذه الدول لتحقيق علاقة أفضل ولكن بضمان الحصص المائية المشروعة لدول الوسط والمصب، وبالتالي تحقيق الاستقرار في المنطقة.
إذن تبقى الحكمة والإرادة السياسية الرشيدة للدول الثلاث في ضمان تحقيق أهدافهم بعيداً عن إستحضار الجانب العدائي من التاريخ، بل اللجوء الى الجوانب المضيئة في ضمان مستقبل مشرق للمنطقة وخاصة قارة إفريقيا التي تشهد بشكل عام تطوراً تنموياً ملحوظاُ وخاصة في بعض من دولها التي عانت من ويلات حروب اهلكت الحرث والنسل.