سعد سعيد الديوه جي يكتب: من يدفع ثمن الغرور السياسي
عندما يكون العدو ذكياً وقوياً يجب ان يُدرس القرار السياسي ضده من كافة الجوانب عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً ويؤخذ رأي أهل الإختصاص.
والخطأ السياسي يتبعه كارثة عسكرية أو اقتصادية أو كلتيهما على الأغلب وما يعقب ذلك من دمار أو احتلال ومعاهدات ذل وهوان ناهيك عن الخسائر الفادحة في الممتلكات والأرواح والشواهد التاريخية كثيرة جداً.
وفي التاريخ العربي الحديث تراكمت الأخطاء من قبل اصحاب القرار السياسي واصحاب العنتريات الفارغة المعتمدة على اثارة المشاعر القومية والدينية وبدون دراسات واقعية وتحت ضوضاء الهتافات والتصفيق، والشعور بنشوة الانتصارات الكاذبة تتساقط علينا الهزائم والمصائب تترى فلا نكاد نفيق من إحداها لنقع بأسوأ من سابقتها، ثم نرقص على انغام النصر الكاذب!.
وينبري اصحاب الاقلام المأجورة فيحولون الهزائم الى نكسات بسيطة ولا غير!.
ففي عام 1967م وكمثل حي على ما نقول كانت إسرائيل تنتظر الفرصة للإجهاز على العرب المجاورين لها والتوسع على حسابهم وهم يتوعدونها بالويل والثبور، وتؤيد وسائل الاعلام الطين بلة بتهديد إسرائيل وإلقائها بالبحر، وعندما اصدر الرئيس عبد الناصر قراراً بإغلاق مضائق تيران في خليج العقبة امام الملاحة الإسرائيلية في (مايو 1967م)، اعتبرت إسرائيل الأمر اعلاناً للحرب وقد منا لها التبرير لذلك وكان ما كان من ضياع سيناء والضفة والقدس والجولان، وكان تلك فاجعة لم ندفع ثمنها كاملاً لحد الآن!، ولم تكن الدول العربية مستعدة للمواجهة بتاتاً كما يعرف الجميع.
ذكرنا ذلك كمثال على سلسلة الكوارث التي حلت بالبلاد العربية على مدار اكثر من اربعة عقود وسنأخذ على ما مر به العراق كمثال على ذلك بدءاً بالحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988م)، ثم فاجعة حرب الكويت (1991م)، ثم فاجعة الاحتلال عام (2003م)، والذي لا نزال نعيش فوضاه الخلاقة الى حد الآن.
وقد عرض الموضوع الأستاذ داؤد الفرحان بشيء من التشويق في مقال له في جريدة الشرق الأوسط اللندنية العدد 15470 بتاريخ 6/4/2021م، وبالإعتماد على كتاب اسمه “قصة الأمس” للسياسي المخضرم العراقي الدكتور نبيل نجم سفير العراق في عدة بلدان والمشهور عنه بعقلانيته وتواضعه.
خرج العراق من حرب ايران بترسانة من الأسلحة هائلة وأكبر من حجمه بكثير، ناهيك عن اكثر من عشرين فرقة عسكرية، حتى ان بعض المصادر قدرت عدد الدبابات والمدرعات بأكثر من 4500 قطعة من احدث الانواع، وعدد الطائرات ثابتة الجناح والهليوكوبتر بحوالي 840 طائرة، وكذلك بقية الأسلحة كالمدفعية حيث قدر عددها بحوالي 3850 قطعة، والناقلات حيث قدرها بعض الخبراء بأرقام اكبر من ذلك وبأنها أكثر مما يمتلكه حلف شمال الأطلسي، ومعظمها مدفوعة الثمن من دول الخليج والمملكة العربية السعودية على الأغلب، أو بالدفع الآجل، ناهيك ان اعداد الجنود والضباط بلغ حوالي مليون و200 الف عسكري.
في الفترة بعد نهاية الحرب في 8/8/1980، تملكت القيادة العراقية نشوة النصر، في حين كانت الولايات المتحدة ودول الغرب التي ساندت العراق بشكل أو آخر تراقب الوضع عن كثب وأهم دافع لذلك القلق على أمن إسرائيل والحفاظ على التوازن الأمني في المنطقة بعد ازدياد الكلام عن تهديدات لإسرائيل كثيرة.
في أبريل نيسان 1990م، و قبل دخول الجيش العراقي الى الكويت في (2آب1990م)، قدم للعراق وفد من الكونجرس الأمريكي يتكون من خمسة أعضاء برئاسة السيد السيناتور روبرت دول واجتمع مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في مدينة الموصل.
كانت مهمه روبرت دول حساسة ودقيقة لأنها تتعلق حول مسألة أسلحة الدمار الشامل على الأغلب، وقدم السيناتور روبرت دول رسالة للرئيس العراقي مكتوبة وموقعة من أعضاء الكونجرس الخمسة جاء فيها كما ورد في كتاب “قصة الأمس”، “عزيزنا السيد الرئيس، ان وفدنا يمثل الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة وانطلاقاً من قناعتنا ان العراق يضطلع بدور رئيس في الشرق الأوسط و بما اننا نرغب في ان نشهد تحسناً في العلاقات الثنائية بين بلدينا فمن الواضح اننا لن نتمكن من حل الخلافات الخطيرة القائمة بيننا اذا أهملناها أو اخفقنا في الاستفادة من الفرص المتاحة امامنا بالاتصال الواضح، ولهذا السبب نعتقد انه من المهم ان تسمعوا قلقنا العميق بشأن سياسات معينة لحكومتكم (على الأغلب بشأن أمن إسرائيل) التي تمثل حاجزاً كبيراً امام علاقات متطورة بين بلدينا”.
وواضح من الرسالة ان القلق الأمريكي كان بسبب تلك الترسانة الضخمة من الأسلحة، التي اخذ الرئيس العراقي الراحل يُهدد بها في الفترة الواقعة بين نهاية الحرب مع ايران والى قبل دخوله للكويت، وانه يجب عدم استخدامها عشوائياً.
وبعدها استفسر السيناتور دول عن إمتلاك العراق للأسلحة الجرثومية، فنفى الرئيس العراقي إمتلاكها ولكنه اقر بإمتلاكه للأسلحة الكيمياوية، وأبلغ الوفد بأن العراق لديه نفس القلق الذي لدى الولايات المتحدة، وعندما استفسر السيناتور دول من الرئيس صدام، هل هناك أي رسالة يمكن ان ينقلوها الى الرئيس بوش الأب، رد الرئيس العراقي “سلموا لي عليه”!!!.
بهذا الغرور لا يمكن التعامل مع قضية خطيرة جداً بين بلدين غير متكافئين، فكان ما كان من تكملة القصة الحزينة بالنسبة لأهل العراق عندما وقعت حرب الكويت التي اشتركت بها 34 دولة واستمرت من 17 كانون الثاني – 28 شباط، بقصف جوي لم يعرف العالم له مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية وفقد فيها العراق معظم ترسانته العسكرية وبنيته التحتية وحوالي مئة ألف شهيد و75 ألف جريح وحوالي 80 ألف أسير، وقرارات من مجلس الأمن حول الحصار الاقتصادي الذي أنهك البلد ومزقه، وقرارات ملزمة بتعويض الكويت خسائر الغزو وترسيم الحدود، …الخ، وأعقب العملية التي سميت “عاصفة الصحراء”، عملية “درع الصحراء” بإرسال القوات الأمريكية الى قواعد في المملكة العربية السعودية والخليج العربي، وتغيرت معظم الأمور اللوجستية والعسكرية في المنطقة، ليعقبها إحتلال العراق وتبدل موازين القوى لأننا إستبدلنا السياسة والحوار بجملة “سلموا لي عليه”.
ان التعامل مع الدول العظمى يحتاج للسياسة والكياسة والحكمة قبل التحدي والقوة، خصوصاً اذا كنا محاصرين في حيز محدود!.