أميركا وإيران: تعاون أم مواجهة؟ سلام السعدي
ربما يبحث دونالد ترامب عن تحقيق استفادة قصوى من تطبيع العلاقات النسبي مع إيران، وذلك بمفاوضتها على إمكانية فتح الباب أمام الشركات الأميركية للتنافس على الفرص الاقتصادية الجديدة.
تبدي روسيا، ومعها نظام بشار الأسد، ارتياحا حذرا بفوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وهو الذي وعد بتحسين العلاقات معها وقطع الدعم عن المعارضة السورية المسلحة. غير أن ذلك الارتياح يغيب عن الحليف الإيراني وهو يترقب بقلق تشكيل الإدارة الأميركية الجديدة ومعرفة قرارها بشأن الاتفاق النووي الذي كان ترامب قد هدد بـ”تمزيقه”.
أحد أبرز معوقات شطب الاتفاق النووي الإيراني هو أنه جاء كتتويج لعقد كامل من التعاون السري الأميركي – الإيراني في الشرق الأوسط، والذي انتهى إلى تحسين العلاقات بين البلدين. بكلمات أخرى، ليس الاتفاق النووي معزولا عن العلاقات السياسية والأمنية المتشعّبة بين البلدين، والتي ساعدت في الوصول إلى مرحلة من التقارب والعلاقات الودية، أو غير العدائية.
شهدت العلاقات الأميركية الإيرانية تحسنا ملحوظا خلال السنوات الثلاث الماضية. لم تكن المفاوضات حول برنامج إيران النووي، التي انتهت بتسوية العام الماضي، هي السبب الوحيد. فالعامل الأهم هو تنامي دور إيران الإقليمي خلال العقد الماضي في ظل الانسحاب التدريجي لأميركا من الشرق الأوسط، والذي جعلها بحاجة ماسة إلى تعاون إيران في ما يخص ملفات أفغانستان والعراق.
في مرحلة لاحقة انخرطت أميركا في الحرب على تنظيم داعش في العراق، البلد الذي كان قد أصبح تحت الهيمنة المباشرة لإيران والجماعات الموالية لها. كان ذلك أحد أهم أسباب اختيار أميركا للمسار السياسي التفاوضي في المواجهة مع إيران، والإصرار على ذلك في مواجهة بعض الصقور ومجموعات الضغط الموالية لإسرائيل والتي رفضت الاتفاق.
إيران بدورها، وإن عملت بدأب على توسيع دورها الإقليمي الذي اتخذ طبيعة عدوانية واضحة، كانت مضطرة لكسر الجليد مع الولايات المتحدة والتعاون معها بصورة سرية في العراق وأفغانستان. كما اضطرت طهران إلى الدخول في مفاوضات مباشرة حول برنامجها النووي تخللها تقديم تنازلات مؤلمة، وهو ما لم يكن ممكنا لولا أنها رزحت لسنوات طويلة تحت وطأة العقوبات الاقتصادية في ظل هبوط حاد لأسعار النفط. وأخيرا، أدركت إيران عدم وجود مسار بديل، ذلك أن رفض المفاوضات من المرجح أن يؤدي إلى عواقب أشد إيلاما.
انطلاقا من ذلك، وعلى أعتاب العام 2013، بدت كل من إيران وأميركا محكومتين ليس فقط بالتفاوض على البرنامج النووي الإيراني، بل أيضا بالتوصل إلى تسوية. ليضاف ذلك إلى ضرورة تكثيف التعاون على ملفات المنطقة، وهو ما دفع إلى انتخاب الرئيس الحالي الإصلاحي حسن روحاني في صيف العام 2013 ببرنامج يتبنى الانفتاح والمرونة على صعيد السياسة الخارجية، وعلى صعيد الملف النووي تحديدا.
هكذا، يهدد قيام إدارة دونالد ترامب بشطب الاتفاق النووي الإيراني هذا المستوى من العلاقات الذي يتضمنه تنسيق وتعاون عسكري وأمني بين الطرفين، قسم كبير منه غير معلن، وهو ما يعقد من إمكانية اتخاذ ذلك القرار. وقد انعكس ذلك التعقيد من خلال التخبط في موقف ترامب، وما صدر عن مؤيديه في ما يخص إيران حيث يمكن تحديد اتجاهين في هذا السياق.
الاتجاه الأول هو اتجاه تصعيدي توعّد مبكرا بتمزيق “أسوء اتفاق” توصلت إليه الولايات المتحدة في تاريخها. ذلك أن الاتفاق سوف يمكّن إيران من امتلاك السلاح النووي قريبا، وهو ما سيقود إلى “هولوكوست نووي” على حد تعبير ترامب في إحدى حملاته الانتخابية. الاتجاه الثاني يتمثل في موقف الرئيس الجديد وإدارته من الحرب على الإرهاب والأولويات التي ستتصدر خطة مواجهتها. يصنف ترامب ومستشار الأمن القومي الذي اختاره، مايكل فلين، تنظيم الدولة الإسلامية على أنه أكبر خطر يتهدد الولايات المتحدة.
بناء على ذلك، فإن محاربة من يحارب هذا التنظيم، ويخصان بالذكر روسيا ونظام بشار الأسد، يعتبر خطأ وسذاجة كبيرة. ولكن دور إيران في قتال تنظيم داعش أهم من دور الأسد وروسيا، وتحديدا في العراق، وهو ما يجعل ترامب مهتمّا بالتعاون معها وإن بصورة مؤقتة. يقدم أحد مؤيدي ترامب التعاون مع الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين في الحرب العالمية الثانية ضد النازية مثالا عن التعاون العسكري والأمني المدفوع بالضرورة. وفضلا عن ذلك المستوى من التعاون، ربما يبحث دونالد ترامب عن تحقيق استفادة قصوى من تطبيع العلاقات النسبي مع إيران، وذلك بمفاوضتها على إمكانية فتح الباب أمام الشركات الأميركية للتنافس على الفرص الاقتصادية الجديدة التي أتاحها رفع العقوبات الاقتصادية.
هكذا يبدو موقف نائب ترامب، مايك بينس، مفهوما عندما أكد مؤخرا على أنه سيقوم بالتفاوض مجددا حول الاتفاق النووي الإيراني بدلا من إلغائه بالكامل. مع ذلك، هنالك صعوبة بالغة في التنبؤ بما سيتخذه دونالد ترامب بخصوص إيران. ففضلا عن عدم اكتمال تشكيل إدارته، يخوض الملياردير الأميركي مفاوضات مطوّلة مع الحزب الجمهوري حول الإدارة الجديدة وسياساتها، وهي عوامل يمكن أن تغيّر من سياسته الخارجية التي تبدو هشة وضبابية في الوقت الحالي.