هل الدراسات المتعلقة بسلامة وأمان السدود التركية والإيرانية مكتملة وأن عامل الأمان الإنشائي يضمن سلامة هذه السدود؟
السؤال الذي يطرح نفسه هل طلب العراق إدراج بند خاص يتعلق بمبدأ سلامة وأمان السدود التركية والايرانية صراحة في أي اتفاق تجاري واقتصادي او سياسي موقع مع كل من تركيا وايران، لذلك يبقى السؤال الذي يطرح بشأن سلامة وأمان السدود التركية والايرانية التي تبنى في اعالي نهر دجلة وروافدها موضوع هام للغاية لضمان عدم حدوث كوارث إنسانية فيما إذا تعرض أحد او اكثر من هذه السدود الى مخاطر زلزالية او تشغيلية.
لذلك كان لزاماً على العراق كدولة مصب أن تطلب أن يتم عرض هذا الموضوع الهام على لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بأمان وسلامة السدود وتقييمها من قبل لجنة من خبراء المجلس العالمي للسدود مثلاً، لتقوم اللجنة بمراجعته التصاميم والدراسات الهندسية الأولية، لأنه من المعروف أن التصاميم والدراسات لمثل هذا المشاريع الضخمة تتطورعلى مراحل قبل أن يتم اعتمادها للتنفيذ. وهل كانت كل من تركيا وأيران ستتجاوب بصورة كاملة وإيجابية مع كل التحفظات العراقية، من قبيل الإهتمام بزيادة معامل الأمان بصورة كبيرة أثناء إعدادها للتصاميم التفصيلية. ليتم تعديل التصاميم الأولية ومن ثم عرض هذه التعديلات على اللجان الفنية العراقية، لتبدي موافقتها على التعديلات مثلاُ.
مما يؤسف له بان سياسة دول الجوار المائي للعراق ظلت تعتمد على المحادثات العامة والعابرة فيما يخص قضية المياه المشتركة والعابرة للحدود السياسية، ولا تحبذ حتى إجراء التفاوض بل تتفادي الدخول في المفاوضات مع العراق كون العراق يعاني من حالة عدم الاستقرارالسياسي. وكانت حصيلة هذه السياسة تكريس الوضع القائم والإستمرار بتنفيذ كافة المشاريع المخطط لهما، فتمددت وتوسعت مشاريعها من إنشاء السدود والمشاريع الإروائية والزراعية على حساب حصص العراق المائية وفي كسب الوقت حتى يتمكنوا من ادعاء الحق التاريخي لهم في المياه كما تطالب العراق بحقوقها التاريخية في المياه. وهذا أصبح الأمرالواقع وبما لا يدع مجالاً للشك، وكنتيجة حتمية لهذه السياسة التركية والايرانية المبنية على كسب الوقت الذي ينتهي دائماً إلى الإبقاء على الوضع الراهن كما أشرنا اليه، ثم القيام بتنفيذ المزيد من المشاريع في أعالي نهري دجلة والفرات وروافدهما، لذ نرى حقيقة هذا الأمرعلى نهر دجلة التي ستفقد أكثر من 50٪ من تدفقها الطبيعي الحالي بسبب منظومة (سد أليسو– الجزرة التركي)، الخانق للعراق، وخاصة بعد إكمال سد الجزرة التنظيمي العام 2023، تركيا ستقوم بتحويل معظم مياه نهر دجلة المياه للاستخدامات الاستهلاكية، الزراعة المروية ، وإمدادات المياه العامة ، وتوليد الكهرباء وأغراض أخرى. وكذا الحال مع ايران التي تحول مسار روافد نهر دجلة داخل أراضيها الى احواض اخرى .
علاوة على ذلك لا يمكن لأحد أن يجادل في حقيقة أن هذه السدود المتعاقبة على روافد وعمود نهر دجلة ستخزن كميات كبيرة من المياه وستلحق أضراراً بالغة بالبيئة من تنشيط الفوالق والصدوع الجيولوجية وبالتنوع الإيكولوجي من خلال تغييرات كبيرة في استخدام الأراضي داخل الأراضي التركية، وسينسحب ذلك على الأراضي العراقية حيث سيتم تغير مورفولوجية النهر ونخر قاعها، وقلة تصاريفها وتلوث مياهها، وفقدان السهل الفيضي والمواد الإنشائية في العراق وخروج سد الموصل من الخدمة وخاصة في المواسم الجافة،إضافة إلى فقدان العديد من الأنواع النباتية والحيوانية وفي مراحل مختلفة تجعلها في حالة مهددة بالانقراض.
هذه هي تكلفة التنمية المجتمعية والإقتصادية وإنتاج السلع الزراعية في تركيا، سيدفعها العراق كونها دولة مصب، مجموعة سدود تركيا المتتابعة على عمود نهر دحلة وروافدها ستساهم بقدر كبير في التغيير العام في هيدرولوجية وموفولوجية النهر والتغيير في البيئة المادية والحيوية للمنطقة، ولكن كل هذا ما يتم تجاهله غالبًا بسبب ضعف موقف الحكومة وتباين وجهات النظر في قضية معروفة الأبعاد.
تركيا تتعامل بمكيالين في مسألة الانهار الدولية المشتركة والعابرة للحدود تطلب من بلغاريا وجورجيا التي تنبع منهما الانهار وتصب في الأراضي التركية توقيع اتفاقيات ومعاهدات لضمان حصصها المائية من الانهار المشتركة مع هذه الدول، بينما تفرض سيادة الدولة على الانهارالتي تنبع من أراضيها وتصب في العراق.
إن تحديات الأمن المائي تتزايد على الصعيد العالمي والأقليمي، وخاصة في العراق كدولة مصب تعاني من سياسية الأمر الواقع المفروض عليها من دول الجوار المائي (تركيا وإيران)، ومن المرجح أن تزيد هذه التحديات من المشاكل الاجتماعية والصحية والاقتصادية الرئيسية اللازمة لتحقيق الأمن المائي والحفاظ عليه من حيث التعقيد والأولوية مع اشتداد تغيرالمناخ، وزيادة متطلبات النمو الاقتصادي والبيئي هذه التحديات كانت قبل COVID-19 ، لذا فإن هذا الضغط الإضافي سيكون أكبر بعد جائحة COVID-19 وهذا يتطلب تعاوناً جدياً بين الدول. حيث لا يوجد وقت أكثر إلحاحًا لمعالجة أزمات المياه الحالية والمرتقبة في المستقبل في العراق مما هوالآن بعد جائحة كورونا ، حيث يتم تذكير الناس ويطلب منهم باستمرار استخدام المياه لمكافحة انتشار فايروس كورونا المستجد.
ولأن أزمات المياه تلوح في الأفق لذلك يجب أن تكون أحد أهم الدروس المستفادة من جائحة كورونا هو البدء بضمان حقوق العراق المائية وبإصلاح قطاع المياه والري والزراعة وصيانة وتحديث البنى التحتية لمشاريع المياه والسدود وغيرها.