حمزة رمضان يكتب : بين تحكم دول الجوار المائي بحصصها المائية باجندات سياسية وتقادم عمر سدودها الخزنية وتغيرات المناخ وضعف الإدارة المائية..مستقبل العراق المائي الى أين؟
يبقى الملف المائي في العراق هو المفصل الاساس والمحرك الرئيس لنجاح إدارة الدولة العراقية من عدمه، مما يتطلب حل الإشكالات مع دول الجوار المائي كل تركيا، إيران وسوريا، وكذلك العمل الجدي على تحسين إدارة المياه والتربة في الداخل العراقي، باعتبار أن معرفة الأبعاد الحقيقية للمشكلات المائية بين البلدان المتشاطئة سيمهدُ السبيل للوصول إلى وضع تصورات قد تسهم في إرساء الاستقرار والفهم المشترك.
إنخفاض تصاريف الأنهار الدولية المشتركة والعابرة للحدود السياسية الى العراق من كل من تركيا وإيران تثير مخاوف العراقيين من النقص الشديد في حجم هذه التصاريف التي أصحبت كلً من تركيا وإيران يتحكمان بها بشكل كامل تقريباً، حيث تصاريف مياه نهر دجلة إنخفضت إلى نصف الكمية، بعد أن بدأت تركيا بتشغيل سد إليسو الذي انتهت من بنائه في يناير/كانون الثاني 2018.
وبعد إكمال سد الجزرة 2022 ستكتمل المنظومة بحيث سيزيد من انخفاض منسوب المياه بشكل اكبر وفي المستقبل القريب، بينما بلغت تصاريف المياه في نهر الفرات الثلث ، ومن جانب آخر حولت إيران أيضاً مجارى روافد نهر دجلة التي كانت تساهم بتزويد العراق بالمياه، ومجموع هذه التصاريف التي تشكل مياه نهري دجلة والفرات من تركيا وإيران قدرت بحوالي 70 في المئة.
تغييرات المناخ هي الأخرى أصبح لها تأثير كبير وملموس على الوارد المائي في العراق كون الأمطار تشكل حوالي 30 في المئة من موارد العراق المائية، وكذلك تأثير تذبذب الأمطار وقلة تساقط الثلوح في دول المنبع ،عليه فإن بناء السدود لتخزين المياه من قبل كل من تركيا وإيران على مجرى هذين النهرين بدون إتفاق مسبق مع العراق إلى جانب هطول الأمطار غير المنتظمة أدى إلى انخفاض مستوى المياه في الأنهار الرئيسية في العراق بنسبة 40 في المئة على الأقل، مما وضع العراق أمام مشكلة حقيقية.
هذا من جانب ومن جانب آخر فان منظومة الخزن الإستراتيجي في العراق تواجه مشاكل جمة منها تقادم عمر سديً دوكان ودربنديخان الذي مضى على إنشائهما اكثر من ستون عاماً وبلغا مرحلة الشيخوخة،وأصبح حالة السدين وخاصة بعد تعرض سد دربنديخان الى هزة أرضية قوية قبل سنوات ضمن”البنية التحتية المتقادمة للخزن المائي والتي تشكل خطرناشئ” يجب تداركه قبل أن تتفاقم المشاكل الجيوهندسية لهذين السدًين، حيث تعد السلامة العامة ، وتكاليف الصيانة المتزايدة ، وزيادة حجم الترسبات في خزانات السدود، من بين الأسباب التي تدفع إلى التفكير الى بناء سدود بديلة لهما ليتم تشغيلها ضمن التطور التكنولوجي،” وبشكل عام ، يجب أن يُنظر إلى إيقاف تشغيل السدود على نفس القدر من الأهمية مثل بناء السد في عملية التخطيط الشاملة لتطويرالبنية التحتية للتخزين الإستراتيجي المياه في العراق.” وخزان سد الموصل الذي كان يعولٌ عليها سابقاً ، الآن لا يستطيع تأمين خزين إستراتيجي كافٍ للعراق وخاصة بعد أن يتم إكمال منظومة سد إليسو- الجزرة الخانق للعراق، أما خزان وبحيرة الثرثار فهي الاخرى اصبحت مهددة لقلة الوارد اليها ولعدم معالجة وعزل الطبقات الجبسية التي تشكل اجزاء من قاع وجوانب الخزان، حيث أصبح من الصعوبة بمكان أن يمد نهر دجلة عبر ذراعها بحيرة الثرثار بالمياه لقلة الوارد المائي في عمود نهر دجلة بالأساس، لذلك على العراق تعزيز الإدارة المائية بدبلوماسية قوية لغرض حل نزاعاتها مع كل من تركيا وإيران وفق آلية تضمن حقوقها المائية المكتسبة من خلال استخدام ورقة التجارة للضغط على ايران وتركيا حيث ان معظم تجارة العراق هي مع هاتين الدولتين حيث تغزو بضائعهم الاسواق العراقية بينما ليس لدى العراق ما يصدره اليهما وبذلك فإن هذه الدولتين هما المستفيدان ويبقى العراق الخاسر في هذه المعادلة، لذلك إذا لوًح العراق الى وقف الاستيراد والاتجاه الى دول اخرى في تجارته منهما، فانه سيلحق الضرر الاقتصادي بهما كما يفعلون اليوم بالحاق الضرر بسكان العراق من خلال إستخدام المياه كورقة ضغط ضمن الإجندة السياسية لكل من تركيا وإيران، ولمنع توسيع القاعدة الانتاجية وتطوير الصناعة والزراعة في العراق والإستمرار بحرق الغاز وعدم تصنيعه بل ليقوم العراق باستيراد الغاز منهم وبالتالي عدم السماح ليتحول العراق الى بلد منتج زراعي يضمن سلة غذائه وذي قاعدة صناعية ومصدر هام للغاز وبموازاة ذلك أن يتم إلزام دولتي الجوار المائي تركيا وإيران الى الجلوس على مائدة المفاوضات والطلب منهم بتشكيل لجان لتقصي الحقائق لتثبيت الواقع وإذا لم تأتي هذه الخطوات بنتائج ملموسة على العراق اللجوء الى التحكيم الدولي والعمل على تسوية مشاكلها المائية بالتسوية القضائية ،وعرض الموضوع على محكمة العدل الدولية او التحكيم. كون الاجراءات التي تتخذها كل من تركيا وإيران في حوضي دجلة والفرات بحق العراق كدولة مصب ولها حقوق تاريخية مخالفة صريحة للقانون الدولي .