طلال الفتحي يكتب:قراءة في افاق الطاقة
قطاع الطاقة المتجددة ( الرياح، الشمس، المياه، الهيدروجين، الطاقة الحيوية) سيكون الاكبر نمواً في العشرين عام القادمة، وسيخترق كل قطاعات الطاقة التقليدية ( الفحم والنفط) بسرعة لم تحدث في التاريخ، هذا ما قاله سبنسر دايل (Spencer Dale) كبير اقتصاديين شركة النفط البريطانية BP عندما قدم خلاصة ابحاث bp حول مستقبل الطاقة العالمية بتقرير مفصل تحت عنوان افاق الطاقة ٢٠٥٠ (energy outlook 2050) في ايلول سبتمبر الماضي، هذا المقال سيكون محاولة لتلخيص هذا التقرير المهم ومناقشة لاهم ما ورد فيه خصوصاً فيما يخص مستقبل انتاج واستهلاك النفط اهم صادرات العراق الحالية والمستقبلية، وتأثير ذلك على اقتصاد العراق خلال العقود الثلاث القادمة.
تنبع اهمية هذا التقرير انه صادر من واحدة من اعرق واكبر شركات النفط العالمية، خصوصاً ان هذه الشركات كانت في السابق تضغط للتقليل من نمو وانتشار الطاقات البديلة والمتجددة، وكانت تشكك حتى في الربط بين الاحتباس الحراري وانبعاث الكاربون الناتج من احراق النفط، اما اليوم فإنها تُعلن عن عمليات تحول كبرى من كونها شركات نفط الى شركات طاقة، وتستثمر مليارات الدولارات في الابحاث والبنية التحتية لتصبح شركات منتجة للطاقة بوسائل متجددة غير النفط، bp مثلاً اعلنت انها ستخفض انتاجها من النفط والغاز بنسبة ٤٠% عام ٢٠٣٠، بالتزامن مع التحول نحو الطاقة الخضراء المتجددة.
اسئلة مهمة
حاول تقرير bp الاجابة على ٨ اسئلة مهمة، قال سبنسر ديل ان الاجابة على هذه الاسئلة ليست محاولة للتنبؤ بمستقبل الطاقة بقدر ما هي محاولة لفهم حجم الريبة التي ستواجهنا مستقبلاً في قطاع الطاقة العالمي، وقد وضع التقرير ثلاثة سيناريوهات محتملة قد يسلكها العالم في مسار التحول نحو الطاقة المتجددة.
المسار الاول business as usual هو ان لا يقوم العالم باي جهد يذكر في التحول وتبقى الامور كما هي الان.
السيناريو الثاني rapid او التحول السريع، والذي يفترض ان تقوم الحكومات بالتدخل لتسريع عملية التحول.
السيناريو الثالث net zero والذي يفترض ان تقوم الحكومات بتبني سياسات حبس الكاربون وسياسات اكثر تشدداً من السيناريو الثاني لتسريع التحول وتقليل انبعاثات الكاربون بشكل اكبر.
السؤال الاول
ماذا نعرف الان؟
يجيب سبنسر باننا نعرف ان نسبة مساهمة الوقود الاحفوري ( فحم ونفط وغاز) في مصادر الطاقة العالمية ستنخفض من ٨٥٪ الان الى ما بين ٦٥٪ باعلى تقدير و ٢٠% باقل تقدير عام ٢٠٥٠.
السؤال الثاني
كيف ستؤثر جائحة كورونا على عملية التحول نحو الطاقة المتجددة واستهلاك النفط؟
يجيب التقرير ان جائحة كورونا ستقلل الطلب على النفط بنسبة ٢.٥٪ عام ٢٠٢٥، ثم بنسبة ٣٪ حتى عام ٢٠٥٠، ويفترض التقرير ان بعض التغيرات الكبيرة التي احدثها فايروس كورونا في سلوك البشر وطريقة عيشهم وعملهم ستبقى حتى بعد زوال كورونا مثل اساليب التنقل، والعمل من المنازل، والاجتماعات عبر الانترنت، وغيرها من الاجراءات التي تقلل الحركة وتقلل الحاجة للنفط.
السؤال الثالث
كيف سيتأثر النفط بثورة التنقل الكهربائي والسيارات ذاتية القيادة؟
سينخفض استهلاك النفط ما بين ٥٠-٧٠٪ في حال اعتمدت الحكومات سياسات داعمة للتحول نحو النقل الكهربائي كما في السيناريو الثاني والثالث، وسوف يساهم التكسي الروبوت robotaxi في ايجاد طرق تنقل مختلفة كلياً ويعزز مفهوم النقل التشاركي بعد عام ٢٠٣٠.
السؤال الرابع
ما هو الدور الذي سيلعبه الغاز الطبيعي في مرحلة الانتقال نحو الطاقة البديلة ؟
مستقبل الغاز اكثر اشراقاً من النفط والفحم في جميع السيناريوهات التي وضعتها bp، لانه سيعوض عن النفط والفحم ويساعد في تقليل انبعاثات الكاربون.
السؤال الخامس
ما هي سرعة نمو الطاقات البديلة في المستقبل؟
تنبأت bp بنمو سريع للطاقات البديلة تقوده طاقتي الرياح والشمس التي ستشهد تكاليف انتاجها انخفاض كبير يصل الى ٦٠% بحلول عام ٢٠٥٠، الامر الذي سيوسع وبشكل كبير من انتشارها.
السؤال السادس
ما هو مستقبل الكهرباء؟
سيزداد الطلب على الكهرباء بجميع السيناريوهات المتوقعة، وتقدر bp ان الطلب سيرتفع بنسبة ٨٠٪ حتى عام ٢٠٥٠.
السؤال السابع
ما هو مستقبل الهيدروجين والطاقة الحيوية في معادلة الطاقة ؟
الهيدروجين سيكون مكمل لعملية انتاج وتخزين ونقل الطاقة النظيفة، وسيدعم التحول نحو النقل الكهربائي بالاخص في بعض قطاعات النقل التي يصعب على البطاريات العمل فيها، مثل النقل الثقيل والنقل البحري.
السؤال الثامن
ما هي مخاطر تأخير عملية التحول الى الطاقة النظيفة؟
يقتبس التقرير اجابة هذا السؤال من الاقتصادي الامريكي هارولد ستاين الذي قال (الشيء الذي لن يستمر الى الابد فإنه سوف يتوقف)، قانون ستاين البسيط هذا يعني ان تجاهل حقيقة ان النفط والوقود الاحفوري هي مصادر طاقة ناضبه ، سيجعل تكلفة الانتقال الى الطاقة البديل اغلى ويجعل خسائر الانتقال اكبر واصعب عندما تنضب بالفعل هذه المصادر.
كانت هذه ابرز محاور رؤية شركة bp لمرحلة التحول نحو الطاقة النظيفة، وهناك برامج ومشاريع مشابهة اطلقتها كبريات شركات النفط الاوربية امثال شيل وتوتال، وكلها تتمحور حول خطط مشابهة لخطة bp، تعتمد على الغاز كبديل اقل تلويثاً للبيئة ووقود موثوق في المرحلة الانتقالية و تعمل على تطوير كفائة الطاقات المتجدد وتقليل كلف انتاجها وتشغيلها.
بالمقابل لا تزال الشركات الامريكية متأخرة عن نظيراتها الاوربية في سباق التحول نحو الطاقة المتجددة، ولكن صعود بايدن الذي اعلن صراحة انه سيعود الى اتفاق باريس للمناخ يمكن ان يسرع من التحاق شركات الطاقة الامريكية بسباق التحول نحو الطاقة البديلة وتقليل انبعاث الكاربون.
على مستوى الدول العربية اصبحت الامارات رائدة في هذا المجال واسست مدينة كاملة خالية من انبعاثات الكاربون تسمى مدينة مصدر، وتستضيف في مدينة مصدر مقر الوكالة الدولية للطاقات المتجددة، وتحاول السعودية اللحاق بالامارات في هذا المجال عبر تبنيها لمشروع مدينة نيوم على البحر الاحمر الذي من المفترض انها ستكون مدينة تعتمد حلول مستدامة وخضراء للطاقة، فيما قطعت المغرب اشواطاً طويلة في هذا المجال مدفوعة بندرة مواردها النفطية وكلفة استيراد النفط العالية ودعم الاتحاد الاوربي، فأنشأت نور ١ اكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم وتعتزم اطلاق نور ٢ لدعم استراتيجيتها الوطنية للتحول الكامل نحو الطاقة المتجددة.
على المستوى الوطني لا يزال العراق متأخراً بشكل كبير في مجال التحول نحو الطاقة المتجددة، رغم انها مسألة حياة او موت بالنسبة للاقتصاد العراقي الذي يعتمد يشكل اساسي على انتاج وتصدير النفط الخام، ورغم امتلاك العراق موارد طبيعية هائلة يمكنها ان تدخلة قرن الطاقة المتجددة من اوسع ابوابه المتمثلة بالغاز الطبيعي والطاقة الشمسية وطاقة المياه عبر انهاره المتدفقة وبالاخص في المناطق الشمالية والغربية وكردستان.