كُلَّما اقتربَ موعدُ الانتخابات يثيرون عملاً طائفياً مَقيتاً … مفتي الديار العراقية يصدر بياناً حولَ الإتفاقِ المشتركِ بين الوقفين السُّني والشيعي
عراقيون/متابعة/ أصدر مفتي الدِّيارِ العراقيةِ الشيخ الدكتور رافع السيد طه الرفاعي امس بياناً حولَ إقرارِ محضرِ الإتفاقِ المشتركِ بين ديوانَيْ الوقفين السُّني والشيعي يقول فيه “أيها المسلمون في عراقنا الحبيب الجريح الصابرِ المحتسبِ ، لقد اعتادت القوى السياسيةُ التي هيمنت على مُقَدَّراتِ هذا البلد على العبثِ الدائم في مصير هذا الوطنِ وهذا الشعبِ وهم يتاجرونَ بكلِ القيم الإنسانيةِ في سبيلِ الوصولِ إلى مُبتغَياتِهم الدنيويةِ الدنيئةِ فتراهُم كُلَّما اقتربَ موعدُ الانتخابات يثيرون عملاً طائفياً مَقيتاً يرومون من خلاله إيقادَ جذوةِ الطائفيةِ في قلوب الناس لكي يضْمَنوا مقاعدهم في البرلمان ومن ثَم الهيمنة على الحكومة ليتسنى لهم سرقةُ أموالِ الناسِ واستباحةُ حرماتِهم وكرامتِهم”.
واضاف البيان التي حصلت عراقيون على نسخة منه ” ان إقرار محضر الاتفاق المشترك بين ديواني الوقفين الشيعي والسُني إلا صورةٌ من صور هذه الألاعيب السياسية الطائفية المقيتة التي يقوم بها بعض الذيول تنفيذاً لأوامر أسيادهم الذين لا يرقبون في العراقيين إلاً ولا ذمة لكي يعمقوا البعد الطائفي المُمزِق لوحدة العراق لأن مصيرهم متوقفٌ على بقاء نار الطائفية مشتعلةً في بلدنا الحبيب” .
وادناه نص البيان بالكامل :-
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين المنحرفين ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :
فيا أيها المسلمون في عراقنا الحبيب الجريح الصابرِ المحتسبِ ، لقد اعتادت القوى السياسيةُ التي هيمنت على مُقَدَّراتِ هذا البلد على العبثِ الدائم في مصير هذا الوطنِ وهذا الشعبِ وهم يتاجرونَ بكلِ القيم الإنسانيةِ في سبيلِ الوصولِ إلى مُبتغَياتِهم الدنيويةِ الدنيئةِ فتراهُم كُلَّما اقتربَ موعدُ الانتخابات يثيرون عملاً طائفياً مَقيتاً يرومون من خلاله إيقادَ جذوةِ الطائفيةِ في قلوب الناس لكي يضْمَنوا مقاعدهم في البرلمان ومن ثَم الهيمنة على الحكومة ليتسنى لهم سرقةُ أموالِ الناسِ واستباحةُ حرماتِهم وكرامتِهم.
وما إقرار محضر الاتفاق المشترك بين ديواني الوقفين الشيعي ، والسُني إلا صورةٌ من صور هذه الألاعيب السياسية الطائفية المقيتة التي يقوم بها بعض الذيول تنفيذاً لأوامر أسيادهم الذين لا يرقبون في العراقيين إلاً ولا ذمة لكي يعمقوا البعد الطائفي المُمزِق لوحدة العراق لأن مصيرهم متوقفٌ على بقاء نار الطائفية مشتعلةً في بلدنا الحبيب .
وقبل الخوض في الردِّ على هذا القرار المُجحف لابُدَّ من بيانِ مفهوم الوقف في الشريعة الإسلامية :
فالوقفُ : (هو حبسُ عينٍ يُمكنُ الانتفاعُ بها بمنع التصرُفِ في رقبتِها بأي تصرُفٍ ناقِلٍ للمِلكيَّةِ وتسبيلِ منفعتها بجعلها لجهةٍ من جهات الخير ابتداءً وانتهاءً).
وإنَّ أهل السُنَّةِ والجَماعَةِ جَرت طريقتُهم على حبسِ أموالهم في سبيل الله من عهدِ رسول الله ﷺ إلى يوم الناسِ هذا ، فعن سعد ابن زرارة (رضي الله عنه) قال : ( ما أعلم أحداً من صحابةِ رسول الله ﷺ من أهل بدرٍ من المهاجرينَ والأنصار إلا وقد وقفَ من مالهِ حَبْسَاً لا يُشترى، ولا يورث ،ولا يوهب، حتى يرث الله الأرض ومن عليها ).
وقال الإمام الشافعي (رحمه الله تعالى) : (بلغني أنَّ ثمانينَ صحابياً من الأنصارِ تصَدَّقوا بصدقاتٍ مُحرَّماتٍ – وهو يسمي الأوقاف بهذا الاسم – ).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى : ( إنَّ المسألة إجماعٌ من الصحابةِ وذلكَ أنَّ أبا بكرٍ، وعمرَ ، وعثمانَ ، وعلياً ، وعائشة ، وفاطمة ، وابن العاص، وأبن الزبير، وجابراً(رضي الله عنهم أجمعين) كُلَّهم وقفوا الأوقافَ، وأوقافهم بمكةَ والمدينةَ معروفةٌ مشهورة) .
وما الوقفُ إلا وسيلةٌ من وسائلِ درء المفاسدِ وجلبِ المصالح وإنَّ الغاية منهُ ليست منحصرةً في مساعدة الفقراء حصراً إنما تتعدَّى إلى أهدافٍ اجتماعية ومقاصدَ نبيلة تحفظُ لكثيرٍ من الجهات العامة ديمومةَ حياتِها ويتحَقَقُ من خِلالها ضَمانَ العَيشَ الكَرِيم في حالاتِ المُلِمَات ، وطروء الحوادث التي تُضَّيق مسالك استمرار الحياة الكريمة.
فلا يوجدُ بابٌ من أبواب البرِ والاحسانِ إلا وقد وقفَ له المسلمون أوقافاً مبتغينَ بذلك وجه الله ﷻ وطامعينَ بنيلِ الثواب في الآخرةِ .
ومضت طريقةُ الشيعة الإمامية في الصدقاتِ والمبرات من الزكاة والخمس وغيرهما من العطايا التي يُبتغى من ورائها الأجر والثواب بتسليمها إلى مراجعهم وتخويلهم بالتصرف فيها على ما يرونه، فهم في نظر عامة الشيعةِ أدرى بتحقيق المصالح ومن النادِرِ جِداً أن تَجِدَ من وقفَ وقفاً لجهة خيريةٍ مستغنين عن ذلك بما يدفعونه لمراجعهم.
لذلك لا تكاد تَجِدُ منطقة في العراق لا يوجَدُ فيها وقفٌ لأهل السُنةِ والجماعةِ من أقصى الشِمالِ إلى أقصَى الجنوب ، ومن أقصى الشرقِ إلى أقصى الغرب .
وعلى مرّ السنين فكلٌ من السنةِ والشيعةِ يعملُ على شاكِلتِه ولم تتعرض الحكومات السابقة بمختلف أشكالها للأموال الموقوفةِ ولا للأموال التي تصِلُ إلى المراجِع الشيعية .
لذلك يُعَدُّ ما تقومُ بهِ الحكومةُ الحاليةِ من تقسيم الأوقافِ على مقتضى قواعد وضوابط ما أنزل الله بها من سلطان دونَ التَعرُضِ ولو بِبنتِ شَفةٍ إلى ما تستلِمُهُ المراجع الشيعية، وما يدخُلُ إلى المراقِدِ من أموالٍ يُعَدُّ وجهاً من وجوه التعسف الطائفي المقيت الذي مزَّقَ وحدةَ هذا البلد وأوصَلهُ إلى هذه الحال التي يندَى لها جبينُ الإنسانية .
وهذا القرار مرفوضٌ جُملَةً وتفصيلاً ، شرعاً وقانوناً للأسباب التالية:
- إنَّ رئيس ديوان الوقف السني يُعَدُّ في نظرِ الشَرعِ ناظِراً للوقفِ، والأصلُ في النظارةِ أداءُ الأمانةِ بمراعاةِ جانِبِ المصلحةِ للموقوف عليهم وتنفيذ شروط الواقف، وتعمير أصوله ، واستثمارِ محصولِهِ، ولا يحِقُ لهُ بحالٍ من الأحوالِ بيعُ الوقفِ ، أو رهنُهُ ، أو التنازُلُ عنهُ ، أو القيام بأي تصرُفٍ من شأنِهِ الإضرارُ به، أو الإخلال بشرط الواقف.
- تقسيمُ الوقفِ بين الديوانيين على أساسِ الغالبيةِ الطائفية السُكانيَةِ طريقةٌ واضحةٌ للتجاوزِ على حقوق الناس وإلا فما دخلُ الغالِبية السُكانيةِ بوقفٍ يوقِفُهُ مُسلِمٌ لِجِهةٍ من الجهات.
- تقسيمُ أوقاف (كركوك) مناصفةً بين الوقفينِ أقِرَّ بهذه الصورة المقيتة لعدَمِ تَحَقُقِ الأغلبية الشيعية فيه ، فهي سرقةٌ واضحةُ المعالم إذ قلَّ ما تَجِدُ في المحافظة وقفاً شيعياً.
- تحويلُ الوثائق والسندات والحجج الوقفية لكِلا الوقفينِ إلى وزارة الثقافةِ وسيلةٌ واضِحةٌ للسماحِ ليدِ العابثينَ في التزويرِ ونقلِ العائديةِ لهذه الأموال الموقوفةِ إلى أي جهةٍ يشاؤون ، وإلا فما دخل وزارة الثقافة بأوقاف المسلمين .
وهنالكَ من المثالِبِ والطاماتِ الكُبرى في هذا القرار مما لا يخفى على ذي لُب.
ومن الأمور التي يجب أن تذكر في هذا المقامِ أنَّ الأوقافَ المخصَصَةَ من قِبَلِ المُحسِنينَ للفقراء والمساكين لم يُشترط فيها كونَ الفقيرِ أو المسكينِ من ديانةٍ مُعينَةٍ ، أو طائفَةٍ مُعَيَّنَةٍ أو قوميةٍ مُعَيَّنَةٍ فعلى أي أساسٍ يُقيمُ هؤلاءِ المُتَنَطِعونَ قرارهم بِحُجَةِ توزيعِ هذه العائداتِ على المواطنين استناداً على هذا الأساس الطائفي المقيت .
والخُلاصَةُ أنَّ هذا القرار قرارٌ فيه تعدٍ على ملكِ الله ﷻ وفيه من التجاوزِ ما فيهِ على أهل السُنَّةِ والجماعةِ ، وفيه من الاعتداءِ على خصوصياتهم وعلى مقدساتِهم.
وعلى رئيس ديوان الوقف السني سحبُ توقيعِهِ على هذا القرار و اعدادُ ورقة عمل يستعين في إعدادها بالعلماء والفقهاء والقانونيين وأهل الخبرة تُبينُ الحقَ التفصيليَ للوقف السُني من الأموال الموقوفة كلها دونَ التنازل عن أي حقٍ من الحقوق وهذا الذي يُحَتِّمُهُ عليه الواجب الشرعي المُلقى على عاتقه.
وعلى رئيس الوزراء عدم المضي بالتصديق على هذا القرار لما فيهِ من ظُلمٍ وإجحافٍ في حقِّ الأحياءِ والأمواتِ من المسلمينَ .
وادعو كافَةَ العُلماء ، والهيئات ، والمؤسسات الدينية إلى عدمِ السماحِ للسياسيينَ لركوبِ هذه الموجة بقصدِ حصولهم على المآرب الدنيوية لأن موقفكم المشرفَ هذا أيها العلماء الأجلاء في التَصَدي لهذه الهجمة الشرسَةِ على كرامة ديننا ومذهبِنا موقفٌ يُبيضُ وجوهكم أمام اللهﷻ فلا تدعوا فرجةً لشياطين الأنس للدخولِ فيه وتشويه مقصَدِهِ الشريف فما كانَ لله دامَ واتصَل ، وما كان لغير الله انقطع وانفصل .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظَ بلدنا ، ومقدَّساتِنا ، وأوقافنا من عبث العابثين ، ومن طمع الطامعين إنه سيمع مجيب وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ الدكتور رافع طه الرفاعي
مفتي الديار العراقية / الأمين العام للأمانة العليا للإفتاء