سرمد كوكب الجميل يكتب:حديث الموازنة الغث!
ليرحمك الله يا حنا رزوقي يامن ارتبط اسمك بالموازنة العامة للحكومة وتشهد مجلة وزارة المالية على ذلك ويرحم كل من اسسها وساهم بتطويرها علميا وتطبيقيا طيلة قرن من الزمن فقد انطلقت سنة ١٩٢١ والعراق من اوائل الدول العربية التي طبقت الموازنة ولكنها اليوم مع الاسف قد سف اسمها وساء استخدامها ورخص تداولها واصبحت لعبة وحديثها غث !! فعذرا ايها المؤسسون والمطورون فقد ضاعت جهودكم ولم يحفظ العهد .
الموازنة مفهوم مستقبلي فهي ترجمة رقمية للخطة وتمثل ارقاما تقديرية لجانبين هما المدفوعات ( النفقات ) والمقبوضات ( الايرادات ) اي ما سيدخل الخزينة من نقد وما سيخرج منها خلال سنة قادمة بدءا من ١/١ ولغاية ٣١/ ١٢ وتكتسب صفة التوازن لتظهر ان كان هناك عجزا ام فائضا في النقد وقد تطورت الموازنة في اسسها ومفاهيمهاوتطبيقاتها عبر عقود في الدول ومنها العراق ولست بهذا الصدد انما بصدد المفهوم الذي تبنى عليه الموازنة وهو المستقبل !! اجل المستقبل فالموازنة للسنة القادمة، مما يعني بان الحكومة عندما تعد الموازنة فانها تعتمد تقدير النفقات والايرادات وتظهر عجزا او فائضا تقديريا وليس فعليا بعبارة اوضح :::: تقدر نفقات وايرادات السنة القادمة حتى لا تقع هناك مشكلة، ولكي تكون الحكومة على بينة من امرها للسنة القادمة ومما لا شك فيه ان الحكومة تاخذ على محمل الجد كل التحديات والمخاطر التي يمكن او من المحتمل او المتوقع ان تواجهها فتتحسب لذلك ، اجل تتحسب لما سياتي فما دام لديها تقديرات لا بد ان تتحسب تتحوط تتحفظ والا ستقع الحكومات في مطبات وازمات هي في غنى عنها، ولهذا تسعى الحكومات لتطوير هذه الاداة وهذا ما معمول به في كل دول العالم، وبهذا تكون الموازنة احدى الادوات المهمة جدا في السياسة المالية وللموازنة دورا رقابيا غاية في الاهمية من خلال مقارنة المقدر بالمنفذ والوقوف على الانحرافات ومشكلة الموازنة الحكومية انها تعتمد تقدير النفقات اولا ومن ثم تقدر الايرادات وهذا ما تتميز به الموازنة الحكومية عن اية موازنة اخرى فالشركات تقدر الايرادات اولا ومن ثم النفقات بينما الحكومة تقدر النفقات ومن ثم تقدر الايرادات ومضمون الاختلاف ينبثق من مسؤولية الحكومة عن نفقاتها التشغيلية والاستثمارية، وايراداتها تاتي من تلك النفقات التي تنفقها بينما الشركة تعتمد الايرادات اولا لانها تعتمد السوق في بيع سلعهاوخدماتها وتكون موزانتها دالة للسوق بينما ايرادات الموازنة الحكومية تاتي من نفقاتها، والانفاق هو من يحرك السوق ولهذا تعتمد الانفاق اولا ومن ثم الايرادات ما يعني ان الانفاق يحتل حيزا كبيرا في الاقتصاد كونه من يحرك السوق الذي يعد بيئة لشركات الاعمال .
اما في العراق فقد اصبح الانفاق دالة للسوق العالمية للنفط ذلك ان ايراداتنا ليست من نفقاتنا وانما من ريع النفط وبهذا فقدت الموازنة مضمونها وهدفها ووظيفتها ولم يعد لتقدير النفقات والايرادات دورا وبدلا عن ذلك تتجه الانظار لسوق النفط وبدلا عن تقدير النفقات وتحريك السوق بهدف زيادة الايرادات اتجهت الانظار لتغطية الرواتب لسد الافواه الجائعة والحديث يطول فيه الغث والسمين …..ابعدكم الله عن الغث والمغثات .