سعد سعيد الديوه جي يكتب :ماذا خلف إلغاء المعاهدة الصينية – العراقية
في 23 سبتمبر من عام 2019م وقع العراق معاهدة اقتصادية مع الصين شملت التنمية في مجالات الصناعة والزراعة وشبكات الطرق وبناء المجمعات السكنية و….الخ، وكان ذلك في ذروة انتفاضة الشباب العراقي ضد الاوضاع المتردية وانتشار الفساد في العراق.
واستبشر الشارع العراقي عموماً بالاتفاقية لما تضفيه هالة النمو الصيني على مجمل الاقتصاد العالمي من دهشة وانبهار، وخلاصة الاتفاقية هي اعطاء قرض انمائي للعراق بمقدار عشرة مليارات دولار يتم تسديده بإعطاء الصين 100 ألف برميل شهرياً من النفط العراقي توضع في حساب خاص في احد البنوك الصينية.
هذا الدخول الصيني سبقه ما يماثله في دول عديدة خصوصاً في افريقيا وباكستان.
ولكن هل ينطبق على العراق ما ينطبق على غيره ؟ الجواب بالتأكيد , كلا , فالعراق بصورة واخرى تحت النفوذ الامريكي رغم العلاقة الظاهرية المترنحة، ومما لا شك فيه بأن الادارة الامريكية تنظر للموضوع من باب الصراع الخفي بينها وبين الصين ومحاولة الاخيرة اضعاف نفوذها في العراق من خلال رهن النفط العراقي تدريجيا بواسطة مشاريع استثمارية تكون للصين اليد الطولى فيها.
والصراع الصيني–الامريكي له جذور بدأت من أواخر القرن الماضي عندما تنبأ بذلك كتاب ومفكرون كثيرون وعلى رأسهم بريجنسكي 2017م مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق، وقد نشر دانييل بورشتاين وآرنيه دي كميز، كتاباً فيه الكثير من التفاصيل بعنوان (التنين الاكبر) تنبأ فيه المؤلفان في نهاية القرن العشرين بأن الصين مهيئة كي تصبح في نهاية العقد الثالث من هذا القرن أكبر اقتصاد قومي عالمي وان الطفرة الصينية ستشمل كل المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية والتكنولوجية.
وحقيقة المأزق الأمريكي بعد تلاشي حلم القطب الواحد ونظرية نهاية التاريخ التي سيقف على اعتابها العالم كله أصبحت واقعاً فالنظام الصيني الان هو نظام هجين وفريد من نوعه ويضم أفكار تجمع بين عناصر من الاشتراكية والرأسمالية على السواء وهو يختلف عن أي نظام يعرفه العالم وهذا جزء من المأزق الأمريكي.
رغم ان الولايات المتحدة هي القوة الأكثر فعالية في العالم بما تمتلكه من أصول رأس المال والتكنولوجيا، مع ذلك فان صعود الصين المذهل سيجعل الامريكان يفكرون بشتى السبل كبح الصعود الصيني بالتزامن مع الازدياد الكبير في فائض تجارتها مع الولايات المتحدة الذي وصل الى مستويات خطيرة.
والحقيقة ان سياسة الصين تتجنب أي مواجهه مع الامريكان قد يستغلونها لإضعاف الاقتصاد الصيني أو في إثارة مواجهات عسكرية ولو ثانوية غير محسوبة، وهذا سر الصمت الصيني حيال الغاء الاتفاقية مع العراق، فالصين تولي التنمية الداخلية الأولوية في سياستها وتعتبرها العامود الفقري لتقدمها وذلك فهي غير معنية بتوسيع إمبراطوريتها او عمل الاستعراضات العسكرية، وهذا التركيز الصيني على واقعها الداخلي هو نتيجة ارث تاريخي عميق الجذور في ميراثها الكونفوشيوسي، ويضرب نعوم تشومسكي مثلا على إبعاد الصين عن المواجهة قدر الإمكان، بانها كانت احد المستوردين الكبار للتقنية العسكرية الإسرائيلية المتقدمة، وعند اعتراض الولايات المتحدة اضطرت كلاً من الصين وإسرائيل للإذعان لبعض الشروط الامريكية.
ويعتقد كثير من الناس ان المجتمع الصيني الصاعد تكنولوجياً هو مثالي، ولكن الحقيقة غير ذلك فبجانب الطبقات بالغة الثراء والتي تستهلك اغلى أنواع الأطعمة والخمور، فهناك طبقات في الريف في فقر شديد حيث لا يتجاوز دخل الفرد دولارين في اليوم، وتقدر بعض الدراسات ان هذه الطبقات الفقيرة تشكل (10-20%) من مجموع سكان الصين.
ان التعاطف مع الصين ينطلق أساسا من كونها لم تمارس دوراً إمبريالياً مثل الدول الغربية وامريكا، لكن هذا لا يعني بالضرورة ان الصين ليس لها اطماعاً اقتصادية في دول العالم النامية.
وفق هذه المعطيات يجب إعادة النظر في الاتفاقية العراقية–الصينية الملغاة وتحويل البوصلة نحو مصر والسعودية ودول الخليج فالمدار الأمريكي لن يسمح للعراق بالدوران خارجه.