محمد صالح البدراني:الفهم أولا

فكرت حينما تكرمت عراقيون بدعوتي إلى كتابة عمود أسبوعي بعناوين لمحتوى، كنت في البدا متوجها لطرح فلسفي على شكل تراثي ككليلة ودمنة واخترت عنوانا هو (حوار مع حكيم)، فلما كتبته وجدت انه يأخذني إلى قالب متكلف ربما أقدم نموذجا منه، وذاك ما أوحى لي بكتابة مقال عن النخبة ومعناها ثم انطلقت فكرة التمييز بين المصطلحات، فاخترت العنوان (يقظة فكر) وهو عنوان لمؤسسة أنشئت عام 2009 وكان لي الشرف في تأسيسها مع شباب راقٍ من دول عدة هم الآن قدوة ومتوسعون في إنتاج الفكر والعزف المخلص بالقلم.
لماذا الفهم أولا:
واقعا لا اضمن قراءة هذا المقال من عدد كبير، فأمة اقرأ كما يقال لم تعد تقرأ، لأنها اعتبرت أن كل الكلام ليس مفيدا مع أن القرآن هو كلام رباني يحتاج سعة للفهم وإبعاده عن التأويلات الضيقة التي يتاجر بها الذين يحبون الدنيا أو يرون لأنفسهم مكانة اجتماعية بليّ الكلمات فرحين بها دون أن يطوروا ذاتهم ومحيطهم…. فبقت الناس تتعلم نقلاً في الغالب وتشكل انطباعات تظنها الإسلام وهي في الغالب فهم لناقلها عن ناقل عن قارئ أدرك بمستوى فهمه المحدود، منهم الغث ومنهم السمين، والعلم الراقي كما ظهر من فلاسفة ومفكرين في العصر الحديث كالغزالي ومحمد عبد الله دراز في مصر ومن الموصل أناس عظام كالدكتور عماد الدين خليل الذي أبدع في تفسير حركة التاريخ، ومنهم من نقل وفكر في نفس الوقت كالشيخ رشيد الخطيب، والمدينة ولادة.
فهم القرآن مهم جدا
ناس مدينتنا تحب الثابت وتشك في التغيير وتتهم الطرح الجديد، لكننا بهذا نظلم ديناً نزل منهجاً قويماً يعيب الجمود والتقليد، اجتهاد السلف السابق كان لعصره ومناسب لحياته ودرجة تمدنها وان كان من صحابي أو عالم جليل فهو خدم باجتهاده في عصره، لكن عصرنا يحتاج منا إلى فهم القرآن وليس قراءته فقط أو نقل أحكام لزمانها وفي ظروف أخرى، وممن فهم هذا الأمر هو الشافعي الذي نرى له اجتهادا ظاهرا في التغيير في مصر عما كان في العراق، لكنه لم يرضَّ عقولاً متحجرة، والفقه لغةً يعني الفهم وليس التقليد والانطباعات.
علينا أن نفهم الحياة المدنية المتطورة في مسالكها والإدارة الصحيحة التي تعتبر السياسة جزء من منظومتها تنظر إلى التعدد بشكل إيجابي وهي صفة الحقيقة مميزة في أهلنا من خلال فهمهم وقبولهم للتعدد الديني والعرقي من خلال رسوخ فكرة قرآنية كانت المدينة تحتاج ترسيخها منذ البداية والتكوين، والفهم يرجعنا إلى صفة جعلت هذه المدينة يرد ذكرها في القرآن، ألا وهي الإنابة بعد الفهم.
متى ما رأيت التناحر والاختلاف بإمكانك أن تحكم أن من يدير الأمور ينقصه الفهم وان عقله استعمرته إحدى الغرائز كغريزة حب السيادة، او حب التملك … وهكذا.
ومتى ما رأيت أن العمران مهدد في حاضرة مدنية فاعلم أن هنالك من ليس منتميا لها بعقله وان محركه أنانيته وطموحه لها، وهو الغالب فيما يقود السلوك إلى شطحات تغييب الإنسانية.
الأنانية تعيق الفهم حتما فإبليس لم يك اسمه شيطانا وهو عارف وليس عادي ليكون بين الملائكة، لكن انطباعه أن النار أرقى من الطين غيب فهمه وساعد أناه، ومع قوله أنا خير منه أضحى شيطانا، فحوسب لأنه عقل الأمر ولم يتراجع لكبريائه…. كم منا يسلك ذات السلوك في ظنه بنفسه اليوم فيختلف ولا يأتلف ويتعفف باحتقار ممن يختلف معه.
من اجل هذا لابد أن نعيد تعريف مفاهيم ومصطلحات ونركز على قراءة المصدر ونكف عن اخذ قرارات من انطباعات أو عادات دون دراسة أو دراية، فالوضع يحتاج أن نعيد النظر في كل شيء حتى ما اعتبرناه من الثوابت وما هو من الثوابت وإنما أنتجته إفهام سابقين فكان الأقرب إلى العادات وانطباعات تقفز إلى النتائج ولا تهتم بتبليط المسارات.
إن النهضة لا يمكن أن تكون مادامت هنالك منظومة تنمي التخلف في الفهم والفكر وتجمد العقلية وتحطم النفسية فتتشوه الشخصية.
عمود الأسبوع القادم عنوانه (النخبة) واستمرارنا على قدر ما نراه من فائدة إن شاء الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *