سرمد كوكب الجميل يكتب: وزارة المالية في مئة عام
تاسست وزارة المالية سنة ١٩٢١ بتاسيس الحكومة العراقية وبهذا يكون عمرها اليوم قد بلغ مئة سنة ولغرض الفهم والتحليل يمكن ان نقسم هذه المدة الى ثلاث مراحل : المرحلة الاولى وتمتد من سنة ١٩٢١ ولغاية ١٩٥٨ وهي مرحلة تاسيس الوزارة وتثبيت اركانها ويعود الفضل لمؤسسها ووزيرها الاول ساسون حزقيل وقد غلب على تلك المرحلة الانضباط والتشدد ومسك المال بقيود واجراءات مالية ومحاسبية صارمة ومعظم اطر تلك المرحلة ممن امتهنوا المالية والمحاسبة وليس من الاطر الاكاديمية وقد اثبتت تلك المرحلة نجاحها بتاسيس نظم مالية ومحاسبية ورقابية حكومية صارمة ومنضبطة وفاعلة اما المرحلة الثانية : وتمتد من سنة ١٩٥٨ ولغاية ١٩٧٩ وتكاد تكون هي مرحلة النمو والتطوير ويعود الفضل لوزيرها الاول بعد انقلاب تموز ١٩٥٨ رجل الاعمال محمد حديد ولما كانت الوزارة قد ارست دعائمها كانت قادرة على استقطاب الاطر الاكاديمية من خريجي كلية التجارة والحقوق فانطلقت نحو التطوير المهاري ولاسيما في النظم المحاسبية والموازناتية والرقابية وبرزت قيادات مالية من مدراء عامين ووكلاء وزراء ساهموا بشكل فاعل ابان تلك المرحلة ومنهم عبد العال الصكبان وحنا رزوقي وحسن النجفي وحسن عبد المنعم خطاب وعبد المنعم السيد علي وغيرهم كثير وتميزت بالانضباط العالي والاجراءات المالية الدقيقة وكانت هناك مساهمات كبيرة في تطوير الموازنة العامة للحكومة والنظام المحاسبي الحكومي وانتهت المرحلة بوفاة وزير المالية طيلة عقد السبعينات الدكتور فوزي القيسي لتبدا مرحلة ثالثة من عمر وزارة المالية وهي مرحلة الانحدار وتمتد من سنة ١٩٧٩ ولغاية ٢٠٢٠ وكان من اهم سماتها هيمنت القرار السياسي على القرار المالي وتبوء كرسي الوزارة اناس سياسيون غير متخصصيين وغير مهنيين عدا استثناءات معينة في عقد الثمانينات وطرد الوكلاء المهنيون شر طردة واستبيحت الضوابط المالية للموازنة العامة للحكومة ولاسيما بفترة الحصار على العراق وشاعت اعرافا غريبة في عالم المال الحكومي منها توزيع المبالغ والاكراميات ( بلوكات النقد ) واستثناءات البعض من الضرائب وهيمن ديوان الرئاسة على الوزارات ومنها وزارة المالية وغيرها وشاعت الفواحش في العرف المالي الحكومي لتاتي سنة ٢٠٠٣ وتسقط كل النظم المحاسبية والمالية وسادت الفوضى واستمر الانحدار سنوات فكانت الموارد المالية النفطية الكبيرة والضخمة ستارا وغطاءا لكل الفواحش ما ظهر منها وما بطن وشاع الفساد وانتهكت الاعراف والمباديء المحاسبية والمالية وفقدت الوزارة سلطتها المالية على باقي الوزارات وباتت مهمة الوزارة توفير التخصيصات المالية للنفقات التشغيلية والاستثمارية دونما مقابلة للايرادات وما تحققه ااوزارات من ايرادات تتصرف بها نفسها وما على وزارة المالية الا توفير الاموال لتغطية النفقات واستمرت حالة الفوضى الى ان كشفت الحقائق بعد الازمات المتتابعة وانخفاض الايرادات وظهر العجز المالي المروع واليوم الكل يطالب وزارة المالية فكيف يمكن اعادة بناء النظام المالي الحكومي بمنظوماته الفرعية الثلاث الموازنة والمحاسبة والرقابة ؟ ان اعادة بناء المنظومة المالية الحكومية يستلزم غطاءا قانونيا وتشريعيا وبيئة مستقرة وهذا لم يتوفر في خضم كل التحديات والمخاطر التي يلمسها الجميع وكذلك يستلزم تطوير الادوات والعمليات المالية الحكومية والاجراءات والضوابط في ظل بيئة المساءلة والشفافية والحوكمة وهذه كلها لم تتوفر لغاية الان فما زلنا ننظر للتشريعات والقوانين وكانها لعبة سياسية او ربما الكترونية او ربما ليلة حمراء فالمالية ليست سياسة والقانون ليس كلمات بسطور والتشريعات ليست ليالي حمراء وانها ليست ( كلمات بسطرين نكول بيه انه من يضبط علاقات المجتمع والناس والمنظمات ويوازن عملها ويحفظ الحقوق العامة والخاصة فقد تقود كلمات بسيطة لبحور من دماء ( مقولة داود الجلبي سنة ١٩٢٥ ) او تحويل الملك العام للخاص ( فساد ) او فقر وانقسامات وحروب هذا ما خلفته النظم المتعاقبة منذ عقد الستينات ولغاية اليوم وهذا ما حصده مجتمعنا من السياسة وانتهاك القانون فانتظروا الاصلاح لتتوفر الاموال وتوزع الرواتب انا معكم منتظرون .